هي واحدة من سلسلة إخلاءات المحافظة ولكن هذه المرة ليست للمصلحة العامة بل لمصلحة تاجر. حيث كان عدد من أصحاب المهن الصناعية والحرفية (دوزان- ميكانيك سيارات وغيرها) يملكون محلات صناعية وتجارية في منطقة القابون طريق حرستا مقابل الشركة الخماسية على الطريق العام بموجب عقود إيجار واستئجار وهذه العقود يطبق عليها قانون ملكية المتجر حيث دفع كل واحد منهم ومنذ عام 1987 مبالغ تتراوح بين 250- 400 ألف ليرة سورية وكانت هذه المبالغ هي كل ما يملكون هم وأهلهم وعائلاتهم فمنهم من اضطر لبيع سياراته أو غيرها من ممتلكاته حتى يصبح لديه مورد رزق يحميه وأسرته من الحاجة، هذه المبالغ دفعت كفراغ لمالك العقارات الأصلي (محمد خير البرغلي) الذي كان قد بنى تلك المحلات على مرأى وبمباركة من البلدية آنذاك.
وعند مباشرة أصحاب المهن المشار اليهم العمل كلفوا من وزارة المالية بدفع ضريبة فروغ كان قد تهرب منها المالك وضريبة دخل مقطوع وأرباح وضريبة نفايات ثم كلفوا بتصديق العقود ودفع ضريبة خدمات وكهرباء وماء وهاتف وفي تاريخ 31/12/1998 فوجئوا بإنذارات لإخلاء المحلات لمصلحة مالك جديد وهو (محمد الديروان) لبناء مجمع صناعي طابقي فقاموا برفع دعوى وقف تنفيذ عن طريق القضاء وتمت متابعة الدعوى وأرسلت لجان خبرة وأخذوا بيان وصف للحالة الراهنة وبناء عليه قررت المحكمة الإدارية العليا قراراً قطعياً بعدم الإخلاء إلا بإعطاء البديل المثيل وكان هذا القرار منصفاً لهم حيث اطمأنوا أنهم لن يصبحوا في الشارع ويقطع مورد رزقهم.
بعد سنوات وبتاريخ 6/12/2009 نفذت محافظة دمشق الهدم الذي استغرق أقل من ساعة بعد مدة إنذار لم تتجاوز خمسة عشر يوماً وكان ضمنها فترة أعياد وعطل رسمية (حسب أقوال أصحاب المحلات) وهم: محمد فايز صافي وحسن أحمد غنام ويوسف جاويش وعبد الستار رمضان وجميل الشحرور ورياض خطاب ومحمد ناصر لباد ورضوان محمد بغدادي وداوود أحمد داوود وفرزت صادق صافي ومحمد هشام المبيض وعيسى جبره الخوري ورفعت ناصر لباد وغيرهم الكثير. وأكدوا أنه لم يسمح لهم حتى باستلام أغراضهم من عدة وبضاعة وخردة وأحدهم وهو رامز جرجي معمر كان خارج القطر ولم يستلم إنذار الإخلاء ليفاجأ عند عودته بأن محله قد أزيل بالكامل وبالكاد استطاع جيرانه انتشال بعض الأغراض من تحت الأنقاض.
وأصبح الجميع في الشارع حيث قالوا: إنها محلاتنا ومعنا عقود مصدقة من مؤسسات الدولة والسجلات الحرفية والتجارية ومدفوع عليها مبالغ مالية بموجب إيصالات نظامية، لقد سلب حقنا من قبل المالك القديم والمالك الجديد والمحافظة بتجاوزهم قرار القضاء ولاسيما أن المالك الجديد قبل شراءها مع وجود الإشغالات عليها فلماذا لجأ إلى المحافظة ولم يلجأ إلى التراضي معنا وتعويضنا.. وكم أسرة قطع مورد رزقها بعد أن كانت تلك المحلات تضم عشرات العمال الذين يعيلون أسراً لا يقل عدد أفراد الواحدة منها عن خمسة أو ستة أشخاص. وأحدهم على سبيل المثال اضطر لأن يترك ابنه الدراسة بعد أن وصل إلى السنة الرابعة في كلية الحقوق وذلك لأنه لم يعد قادراً على تأمين المصاريف له بل أصبح عاملاً عند الغير ليعيل أسرته ووالده.
أكد أصحاب المحلات المهدمة أنه وجهت إليهم مع إنذارات الإخلاء قرارات تخصيص بمحلات في منطقة الحسينية وتوجهوا إلى تلك المنطقة للاطلاع على واقع تلك المحلات لعلها تكون بديلاً مناسباً عن محلاتهم فوجدوا أن مدخل المحل عبارة عن درج حديدي وارتفاع المحل لا يتجاوز المترين ومساحته الإجمالية لا تساوي أكثر من 9 أمتار علماً أن محلاتهم كانت أرضية وبمساحة لا تقل عن 45- 50 متراً وفي منتصف البلد. وفوق ذلك سيدفعون إيجاراً شهرياً بقيمة 4000 ليرة بعد أن كانت محلاتهم تساوي الملايين (حسب أقوالهم).
بعد ذلك اجتمعوا مع مدير دائرة الخدمات في الحسينية حيث أكد لهم أن هذه المحلات لن تصلح لمهنهم التي يعملون بها (دوزان- ميكانيك) وإنما هي خدمية للمنطقة (طعام- شراب- ألبسة) ولذلك راجعوا المحافظة لإطلاعها على واقع محلات الحسينية وأنها غير مناسبة فكان كل واحد في دائرة الاستملاك (والكلام لأصحاب المحلات أيضاً) يحدثهم بشكل مغاير عن الآخر وكأنه خصم لهم. وقالوا: أخيراً وبعد عدة محاولات ووسائط اجتمعنا بمدير الأملاك محمود مالو وشرحنا له وضعنا فقال: أنتم جماعة مقسم 97 عذبتمونا كثيراً وسببتم أضراراً وخسائر للمحافظة لمدة ثلاث سنوات وأنتم منذرون ونحن ندفع بدل العطل والضرر للمالك الجديد. وكان يجب إخلاؤكم منذ عشر سنوات ولو كنت أستطيع حتى محلات الحسينية أحرمكم منها، هل تظنون أننا سنعوضكم بمحلات في منتصف البلد؟! فقلنا له: إن محلات الحسينية ليست صناعية وليست البديل المناسب لنا والذي أقرت لنا به المحكمة مع العلم أن عندكم محلات في منطقة القدم وأعلنتم عنها للاستثمار ونحن أصحاب حق ولنا الأفضلية بها ومعنا أحكام قضائية بذلك فأجابنا بنظرة سخرية وقال: هذا الحاضر..؟!
لذلك اضطررنا إلى اللجوء للقضاء ثانية مع ما يقتضيه ذلك من مصاريف كنا بغنى عنها لضيق ذات اليد وقمنا برفع دعوى في محكمة الصلح المدني في دمشق برقم 6/10 لعام 2010.
ويتساءلون: كيف تعترف المحافظة بوجود محلاتنا عند تحصيل الضرائب وخدمات الهاتف والكهرباء والماء، ولا تعترف بوجود هذه المحلات عندما يكون عليها إعطاء البديل..؟
وأين يذهبون بعد أن شردوا من محلاتهم وشرد معظمهم من بيوتهم أيضاً إذ كانوا يسكنون في منطقة البارك الشرقي التي استملكتها المحافظة أيضاً.
للوقوف على واقع الحال ولمعرفة مصير هؤلاء وإمكانية تأمين البديل لهم راجعنا المحافظة وطبعاً كالعادة بدأ تقاذف المسؤوليات بين دائرة وأخرى من دائرة الاستملاك إلى مديرية الخدمات وبعدها إلى التنظيم ثم إلى خدمات رقابة الأبنية ومنها إلى التجميل وهكذا لم نستطع الوصول إلى أي نتيجة فكل واحد منهم لا علم لديه عن الموضوع وليس الجواب عنده فعند من يكون الرد إذاً؟ ولماذا تصم المحافظة آذانها عن الأصوات المطالبة بإنصاف المتضررين لإثراء وانتفاخ جيوب البعض على حساب تشريد عائلات كثر؟! وهل مصلحة فرد في اكتساب الملايين أهم من لقمة عيش عشرات الأسر التي يتعيش أفرادها من تلك المحلات والتي مازال أصحابها يدفعون ما يترتب عليها من فواتير هاتف وماء وكهرباء وغيرها؟!!
إننا نبحث عن لقمة عيشنا التي سلبتها محافظة دمشق منا، ولماذا لا يتم تعويضنا من قبل التاجر الذي استقوى علينا بالمحافظة (بطريقة أو بأخرى) وسيجني الملايين تعويضاً مادياً معقولاً يمكننا من استثمار محلات أخرى مماثلة أو مقاربة لمحلاتنا، أو تخصيصنا من المجمع الصناعي الجديد الذي سيشيده على المقسم، والذي سوف سيكون رابحاً جداً لاسيما أن سعر المتر الواحد فيه يساوي 300 ألف ليرة؟
دام برس - تشرين