دام برس :
مشهد إستقالة وزير الداخلية التركي سليمان صويلو مساء الأحد الماضي، ثم رفض أردوغان لها، هو إنعكاس واضح على تصاعد الصدام بين أجنحة الحزب الحاكم، فالمشهد أعمق مما سببته أزمة كورونا التي حاول بيرات البيرق استغلالها لتشويه صورة صويلو في الشارع التركي.
رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، قال: استقالة صويلو محاولة لإنقاذ أردوغان. زعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنار: ارتكب رئيس النظام أردوغان أخطاء فادحة خلال معالجته أزمة وباء كورونا، فهو يتصرف وكأن الدولة مزرعته الشخصية يفعل فيها ما يشاء.
أُعلن فرض حظر التجوال يوم الجمعة، للحد من انتشار الفيروس، وبشكل مفاجئ قبل ساعتين من تطبيقه دون تنسيق مع الجهات المعنية، حتى رئيس بلدية إستنبول أكرم إمام أوغلو لم يتم إبلاغه بالقرار المباغت لوزير الداخلية.حدثت فوضى شعبية عارمة، وتدفق الأتراك إلى الأسواق لشراء مستلزماتهم دون مراعاة لاجراءات التباعد لمنع الإنتشار. بعد يومين قدّم وزير الداخلية استقالته “مُدّعياً” أنه يتحمل المسؤولية. حركة خبيثة.
صراعٌ على السلطة في تركيا
شعبياً؛ نجح صويلو داخلياً من الناحية الأمنية مستخدماً خطاباً قومياً متطرفاً يُعزّزُ حضوره لدى الأتراك. بالمقابل؛ فشل صهر أردوغان ووزير المالية بيرات البيرق في إقناع الشارع التركي بنجاحه في قيادة تركيا إقتصادياً بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة الحالية وتراجع قيمة الليرة وإرتفاع الأسعار. Firil Center For Studies
صويلو والبيرق يسعيان “مبدئياً” لمزاحمة هاكان فيدان في الجلوس على المقعد الثاني في البلاد بعد مقعد الرئيس، وطموح وأحلام كليهما لا يتوقف عند الكرسي الثاني، عيونهما على كرسي أردوغان… يقفُ معهما جمهور عريض وبيدهما أوراق قوية.
سليمان صويلو يمتلك أتباعاً من حزبه القديم “الحزب القومي”، والأهم فريقه بالدولة العميقة التي كان هو نفسه حمامة السلام بينها وبين أردوغان، عندما أراد الأخير كسب ودها، أما أوراقه الجديدة فتتمثل بالمؤيدين له داخل الحزب الحاكم.
وزير المالية بيرات البيرق، وهو زوج إسراء بنة رجب طيب أردوغان وظلّه السياسي، فتتمثلُ أدواته في متانة علاقاته بعمّه رجب وبدراويش الحزب الحاكم الحاضرين لمبايعتهِ كسلطان جديد. ويبقى أهم الداعمين له هو الفريق الخارجي، الذي أتى بأردوغان منذ عشرين عاماً وسعى للتخلص منه في محاولة إنقلاب 15 تموز 2016، قبل أن يعود أردوغان لحضن الدولة العميقة ويقدم لها جماعة عبد الله كولن كقرابين، وبالمناسبة علاقة بيرات البيرق بإسرائيل أبعد مما يذهب لها خيالكم.
الرئيس التركي الذي مزق إستقالة سليمان صويلو رافضاً بكل قوة خروجه من الحكومة، لم يفعل ذلك خوفاً على الوضع الأمني في البلاد، بقدر خشيته من حدوث شرخ جديد داخل جسد حزب العدالة والتنمية التركي، في ظل ذهاب رفاق الماضي أحمد داوود أوغلو وعلي بابا جان وعبد الله غول لإنشاء أحزاب جديدة، حيث استقطب هؤلاء أعضاءَ من داخل حزب العدالة والتنمية، وبالأساس حزب العدالة والتنمية لا حول له ولا قوة، فلولا دخول حزب الحركة القومية بزعامة اليميني المتطرف دولت بهتشلي في كافة الإنتخابات السابقة في شراكة مع حزب العدالة والتنمية، لما كان للحزب الحاكم وجود الآن، فما بالكم في حال قبول إستقالة صويلو؟ ما الذي كان سيحدث وهو صاحب جماهيرية كبيرة في كلا الحزبين (العدالة والتنمية والحركة القومية).
خلاصة القول؛ مَن ينظر لذلك المشهد بعمق سيجد أنه لم يكن إنعكاساً لما سببه تفشي الفيروس في تركيا من أزمة، وستبقى كما ذكرنا في مركز فيريل للدراسات “كورونا هي الشرارة لما سيأتي لاحقاً”. كورونا هي الحجة بينما الأزمة الحقيقية التي فجرت مشهد الإستقالة، هي الصراع الدائر بين أجنحة الحزب الحاكم وبالأخص جناحي سليمان صويلو وبيرات البيرق. ستأتي لحظة يبكي فيها أردوغان دماً على تنحيته أفكان آلا وزير الداخلية الأسبق، الأكثر إخلاصاً له خاصّة ليلة إنقلاب 15 تموز، لكنّ المعروف عن أردوغان الغدر بكلّ مَن يساعده، فكما غدر بأستاذهِ نجم الدين أربكان، سيأتي يوم ويغدر به أقربُ المُقربين…
فادي وهيب عيد. إدارة التحرير في مركز فيريل للدراسات.