Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 29 آذار 2024   الساعة 12:08:09
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
المسؤولية المجتمعية للجامعات ودورها في المجتمع المدني … إصلاح المناهج الدراسية ودمج تعليم مبادئ حقوق الإنسان وقيم التعايش والمواطنة .. بقلم : أ. د. وائل معلا
دام برس : دام برس | المسؤولية المجتمعية للجامعات ودورها في المجتمع المدني … إصلاح المناهج الدراسية ودمج تعليم مبادئ حقوق الإنسان وقيم التعايش والمواطنة .. بقلم : أ. د. وائل معلا

دام برس :

يمرّ التعليم العالي في جميع أنحاء العالم بمنعطف مهم إذ يواجه عدداً من التحديات الكبيرة منها على سبيل المثال لا الحصر: حماية الحرية الأكاديمية، والتعامل مع التعلم مدى الحياة كحق من حقوق الإنسان، وإعادة صياغة الرؤية والرسالة والقيم المؤسسية في الجامعات والمعاهد العليا حيث تكون متوافقة مع حقائق العالم الناشئ عن نماذج العولمة والمسؤولية الاجتماعية والتنمية المستدامة. وتحقيقاً لهذه الغاية، لا بدّ للمعلمين أولاً أن يفهموا ما يعنيه أن تكون مؤسسة مسؤولة اجتماعياً ودورها في المجتمع المدني.

يمكن تعريف المجتمع المدني بأنه القطاع الثالث في المجتمع. وحسب هِلمَت آنهاير Helmut Anheier يعرف المجتمع المدني بأنه: المجال الواقع خارج نطاق الأسرة والحكومة والسوق، حيث يتجمع الناس طواعية لرعاية مصالحهم المشتركة المبنية على التمدن Civility. وفي حين أن القطاعين الأول والثاني من المجتمع يشملان الحكومة «أي القطاع العام» ومؤسسات الأعمال «أي القطاع الخاص»، فإن المجتمع الأهلي «أي القطاع المدني أو القطاع المجتمعي» يشمل جميع الأفراد والجماعات والمؤسسات الأخرى، «على سبيل المثال: المواطنون والمؤسسات التعليمية غير الربحية والمنظمات غير الحكومية» التي تعمل، إلى حد كبير، بشكل مستقل عن الحكومة وقطاع الأعمال.
على هذا النحو، فإن الدور الرئيسي للمجتمع المدني هو تمثيل المصالح الأساسية للمواطنين، وله أهمية حاسمة في حسن سير العمل في المجتمع لأنه يساعد في بناء مواطنة أكثر استنارة وانخراطاً وفاعلية. يقوم المجتمع المدني ببناء رأس مال اجتماعي وثقافي، وهو إذاً بمنزلة الغراء الذي لا يساعد فقط في الحفاظ على المجتمع معاً بل يساعد أيضاً في تطوير المجتمع بطرق لا تستطيعها الحكومة والشركات.

صعود المجتمع المدني ودوره
يوجد اليوم عدد كبير من منظمات المجتمع المدني لتمثيل احتياجات المجتمع ومصالحه المتنوعة. وكلما كان المجتمع ككل أكثر تنوعاً وتعددية، زاد تبعاً لذلك احتمال وجود مجتمع مدني متنوع ومتعدد.
وضمن سياق معولم، يمتد نطاق المجتمع المدني وتأثيره إلى ما هو أبعد من الحدود السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والبيئية التقليدية. وليس مستغرباً أن يكون دور المجتمع المدني ونطاقه وتأثيره قد زاد بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وينطبق هذا خصوصاً على القضايا التي تتجاوز الحدود الوطنية والقضايا المعقدة والكبيرة للغاية التي لا تقتصر على قطاع واحد، مثل القضايا البيئية كتغير المناخ، وقضايا الهجرة كأزمة اللاجئين، وقضايا العدالة كحقوق الإنسان، إلخ.
هذا يرتّب على المنظمات الحكومية الدولية مثل الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية مثل الرابطة الدولية للجامعات The International Association of Universities، والرابطة الدولية للتعليم والتعلم في التعليم العالي The International Higher Education Teaching and Learning Association، أن تساعد في سد الفجوات بين القطاعات من خلال معالجة القضايا المهمة التي قد تكون خارج اختصاص أو قدرة المؤسسات المنعزلة والمتقوقعة على ذاتها. ضمن هذا المنظور، يمكن اعتبار منظمات المجتمع المدني منظمات فوق مؤسساتية.

المعرفة والمهارات المستجيبة للمسؤولية الاجتماعية
تعد مؤسسات التعليم العالي حكماً حوافز للتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي والبيئي، لأن مهمتها الرئيسية هي استهلاك وإنتاج المعارف والمهارات. وعند القيام بذلك، فهي بمنزلة محركات للتنمية السياسية والنمو الاقتصادي والتحول الاجتماعي. على هذا النحو، وفي سياق المسؤولية الاجتماعية والعولمة، ينبغي أن يتجاوز التعليم العالي مجرد إشراك الطلاب في خدمة المجتمع ومبادرات المواطنة المسؤولة، وإن كانت مبادرات مهمة للغاية، لكنّها تُنفّــذ في كثير من الأحيان كبرنامج يُنفّذ لمرة واحدة، أو كأنشطة خارج المنهاج الدراسي.
لقد تبيّن من مبادرات سابقة أن تضمين مبادرة جديدة بالكامل في المنهاج التدريسي يتطلب التزاماً وبحثاً وموارد كبيرة ليس فقط على مستوى المؤسسة التعليمية، بل أيضاً على مستوى أعضاء هيئة التدريس على حدّ سواء. لذلك، ينبغي على قادة المؤسسات التعليمية وأعضاء هيئة التدريس – كقادة تعليميين – تولي زمام المبادرة في دمج المسؤولية الاجتماعية وقضايا التنمية المستدامة في المناهج الدراسية وعبرها.

التغلب على محو الأمية المدنية
ونظراً لأن الجامعات هي المحرك الرئيسي لمجتمع المعرفة العالمي المتنامي، يترتب على ذلك أن تأخذ الجامعات زمام المبادرة في تحويل مجتمع المعرفة إلى عالم أفضل. وأهم ما في الأمر هو تحويل المناهج الدراسية حيث تصبح ذات صلة بقضايا العالم الناشئ. ومن هذا المنطلق، ينبغي على المجتمع الأكاديمي أن يدرك الدور الذي عليه أن يؤديه في المجتمع المدني، واتخاذ ما يلزم من إجراءات وفقاً لذلك.
تحويل المناهج الدراسية يعني دمج المسؤولية الاجتماعية والتنمية المستدامة بالكامل في جميع جوانب المنهاج الدراسي. ويمكن تحقيق ذلك بعدة طرق اعتماداً على السياق السياسي والثقافي والرسالة المؤسسية والاختصاص الأكاديمي وعوامل أخرى.
على هذا النحو، لا بدّ أن يتضمن إصلاح المناهج الدراسية دمج تعليم مبادئ حقوق الإنسان، وترسيخ قيم التعايش والتآخي والمواطنة، والمسؤولية الاجتماعية للتعليم والتعلّم، والشراكات بين الجامعة والمجتمع، والقيادة التشاركية الشاملة. كما لا بدّ من تضمين المناهج مبادئ العدالة الاجتماعية والقيم التصالحية في القيادة المؤسسية، والحاكمية، والإدارة وتطوير السياسات والإستراتيجيات.

التحول المؤسساتي
يرى أحد الخبراء في السياسة التعليمية أن «الطريقة التي حددت بها العديد من المؤسسات الأكاديمية مسؤولياتها غير مكتملة على الإطلاق، وهو أمر في غاية الخطورة». فالمعارف الأساسية والمهنية لا ينبغي أن تكون غاية التعليم الأكاديمي والسقف الذي ينبغي على المؤسسات الأكاديمية الوصول إليه في العملية التدريسية. بدلاً من ذلك، يجب أن تتعلم مؤسسات التعليم العالي أن تصبح أكثر مسؤولية على الصعيد الاجتماعي، وهو أمر كان له أكبر الأثر على مؤسسات التعليم العالي في العالم، من تحويل المناهج الدراسية بأكملها، إلى إعادة صياغة إستراتيجيات التدريس، إلى تطوير أنشطة تعليمية مجدية وتجريبية.
تحقيقاً لهذه الغاية، تواجه المزيد من مؤسسات التعليم العالي تحدي إعادة صياغة مهمتها ورؤيتها وقيمها بالكامل لجعلها تتماشى مع المسؤولية الاجتماعية والتنمية المستدامة. والجدير بالذكر أن بعض الجامعات، ومنها جامعة بورتلاند Portland State University، بدأت بالفعل بتحويل مؤسستها من خلال مواءمة برامجها التدريسية، ومناهجها، وأبحاثها، وتدريسها، ومعايير ترقية أعضاء هيئة التدريس فيها، وتعزيز انخراطها والتزامها بقضايا المجتمع كمؤسسة تقوم بأعباء مسؤوليتها الاجتماعية.

جامعاتنا الوطنية والمسؤولية المجتمعية
ومن هذا المنطلق، يجب ألا يقتصر دور جامعاتنا الوطنية على التركيز على إحداث برامج الخدمة الاجتماعية، وإقامة الشراكات المجتمعية، بل أن يتعدى ذلك إلى التركيز على المسؤولية المجتمعية ضمن إطارها العام، والمقصود هنا تسخير كل إمكانات الجامعات من برامج دراسية، وأبحاث علمية ودراسات للتعامل مع قضايا المجتمع الحيوية التي تتطلب جهوداً متكاتفة وتنسيقاً بين الجهات المعنية والجامعات. فقد أضحى نجاح كل جامعة يقاس بقدرتها على معالجة قضايا المجتمع المحلي، والمجتمع العالمي أيضاً، من خلال البحث في التحديات المحلية والعالمية كالبطالة، والتصحر، والتغير المناخي، والفقر، والصحة، وشح المياه، والطاقة البديلة، وغيرها من القضايا الكبرى ذات الأهمية القصوى، وليس فقط بقبول الطلاب وتخريجهم، أو نشر أبحاث علمية خاصة بالترقية أو ما شابه ذلك من أدوار تقليدية.

وينبغي على الجامعات أن تجري تغييرات إستراتيجية في هياكلها التنظيمية، كأن تعمل على استحداث منصب تنفيذي رفيع المستوى في كل جامعة لإدارة جهود المسؤولية الاجتماعية حيث يتمتّع بسلطات قوية في مجال الشراكة المجتمعية، ووضع برامج للمسؤولية المجتمعية. كما يترتب على كل جامعة إنشاء مجلس للمسؤولية المجتمعية ينسق بين كليات الجامعة.
إن الاطلاع على التجارب الجامعية الدولية في مجال تعزيز المسؤولية الاجتماعية للجامعات يؤكد الأهمية التي أصبحت توليها العديد من جامعات العالم لهذا المفهوم، والحرص على تطبيقه بأفضل الطرق والوسائل، حيث إن جامعاتنا إنما وجدت من أجل خدمة المجتمع، لذا لا بد من تطبيق ممارسات المسؤولية الاجتماعية، وتضمينها الخطط الإستراتيجية لجامعاتنا الوطنية ــ وكما قال رئيس إحدى الجامعات الإسكتلندية: «إذا لم نكن مسؤولين اجتماعياً، فلن يكون هناك مستقبل لجامعاتنا».
وما أحوجنا اليوم خاصة إلى انخراط منظومة التعليم العالي، جامعات وأساتذة وطلاباً وخرّيجين، في المسؤولية المجتمعية التي تقع على عاتقنا جميعاً، مؤسّسات وجماعات وأفراداً.

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz