دام برس – خاص - اللاذقية - ريمه راعي

حظيت دام برس بشرف حقيقي حين تسنى لها  زيارة السفينة حطين التي شاركت في حرب تشرين التحريرية و استمعت  من قائد السفينة و الضابط الأول و الطاقم الفني و المعنيين في القوى البحرية عن قصة إعادة هذه السفينة إلى الخدمة بعد أن بقيت في مرفأ اللاذقية لمدة  ستة عشر عاما شبه منسقة ، إلا أن عقول  السوريين  وبسواعدهم وأرواحهم المقاتلة  أبت إلا أن تثبت أن السوريين يملكون  الإرادة والمعرفة والمقدرة فضلا عن  روح المحارب القوية التي تفرد بها السوري على مر التاريخ وهذه العوامل مجتمعة استطاعت  أن تبعث السفينة حطين إلى الحياة من جديد و تبعث معها ذكريات النصر في حرب تشرين التحريرية التي كان للسفينة حطين شرف المشاركة في تحقيقه و عادت حطين إلى الحياة وسط مشاعر قوية غمرت طاقم السفينة  من بحارة و فنيين و قادة .

و السفينة حطين بوصفها  الذاكرة الحقيقية للمقاتلين البحارة الذين شاركوا في انتصارات حرب تشرين التحريرية على الجبهة البحرية هي  اليوم كما كانت منذ أربعين عاما  حاضرة و بقوة  لتساهم في صنع انتصارات جديدة في مواجهة  كل من لا يعرف أن  سورية خلقت و خلق معها مجدها المحروس بسواعد أبنائها ،و حطين التي عمرها أكثر من خمسين عاما تقوم  اليوم بتنفيذ دوريات بحرية مستمرة على امتداد الساحل السوري  .

دام برس استمعت من قائد السفينة حطين  عن قصة إعادة تأهيل  السفينة فقال :
إن بقاء السفينة شبه المنسقة  على مدى عقدين من الزمن عائمة دون أن تؤدي أية مهمة فرضت على  القوى البحرية فكرة تنسيقها كليا و التخلص منها كونها  تشكل عبئا ماديا على اعتبار أن العمر الفني للعتاد البحري بحدود الخمس و عشرين عاما ،إلا أن قرارا  جريئا تم اتخاذه في عام 2007 بإعادة دراسة السفينة بدءا من المحركات  و انتهاء بالبدن الذي كان مهترئا أيضا .
فكان هذا القرار بمثابة  الخطوة الأولى لرحلة إعادة السفينة حطين  إلى الخدمة حيث تم وضع خطة عمل  بالاعتماد على  خبرات محلية للضباط القادة و المهندسين و الفنيين الذين  عاصروا السفينة على مدى عمرها الطويل .

و كانت خلاصة العمل هي إعادة إحياء السفينة و إدخالها الخدمة من جديد على مرحلتين في  الأولى تم إعادة التأهيل في الحوض العائم  و المرحلة الثانية في المعمل 115  بخبرات وطنية  و تم إدخالها الجاهزية القتالية مع تحسين سلاحها العضوي الأساسي فضلاً عن  إكساب طاقمها  الخبرة العملية و الفنية و كذلك الأمر بالنسبة للورش الفنية في  مجال  الإصلاح و التعمير .
و لا بد من الإشارة إلى أن تكاليف إعادة التأهيل كانت منخفضة جدا  بالمقارنة مع تكاليف الإصلاح  في الدول الأجنبية ، فضلا عن كونها  بداية لتوطين خبرة فنية طورها  الفنيون  و المهندسون  في القوى البحرية لتقنيات تصميم وبناء السفن يؤمل من خلالها رفد الدخل القومي بما يساهم في البناء الاقتصادي لسورية علما أن اقتصاد الدولة يقاس بحجم أسطولها الحربي أو التجاري .

قائد  الحوض العائم  شرح لدام برس الأعمال التي تم انجازها ضمن الحوض العائم فقال :
السفينة حطين بقيت 16 سنة غير مبحرة و كان يوجد اهتراء في بدن السفينة و أضلاعها جزئيا و كانت جاهزة للتنسيق و لكن و بعد اتخاذ قرار بإعادة ترميمها  تم تشكيل لجنة لدراسة حالة السفينة و بنتيجة الدراسة  وبعد إجراء سبر و قياسات لسماكات المعدن  تبين وجود أماكن مهترئة بنسبة كبيرة  تصل إلى 80 %  و ذلك في بدن السفينة في حين كانت أضلاع التقوية الرئيسية سليمة .
و بتاريخ 1-7-2008 ابتدأ العمل في  الحوض العائم في اللاذقية بكادر  ضم  30  فنيا مختصا  باللحام و التسوية بإشراف لجنة مشكلة من ضباط  اختصاص بناء سفن و جرى العمل على إصلاح و صيانة الجزء الغاطس من السفينة ، حيث أن  أكثر منطقة كانت مهترئة من حيث المحارات و الرفاسات هي منطقة بطن السفينة  ومكان توضع خزانات الوقود و تم قص 90 % من ألواح الجزء الغاطس و استبدالها بألواح  جديدة  بطول 6 أمتار و عرض متر و 80 سم و الألواح التي تم فكها هي بوزن 125 طن تقريبا  ، كما  تم تدعيم  القواطع الرئيسية أما الأضلاع الطولية و العرضية تم استبدالها بأضلاع  بنسبة 40 % في منطقة الأجناب و البطن ، و تشكيل القواطع  تم في المعمل 115 و رحبة صناعة السفن و استمر العمل حتى 28-6-2010 .

و حول  التحديات التي  واجهت الطاقم العامل على ترميم السفينة قال  :
تطلب السعي  للحفاظ على كتامة السفينة  جهودا كبيرة  لمراجعة نقاط اللحام في مناطق تجميع الألواح حيث أنه و  أثناء تجميع الألواح يحدث تشوه بالألواح نتيجة الحرارة العالية للحام و القص و كانت يتضح لنا ذلك بالعين المجردة و نقوم باستبدالها  من جديد ، و لدى اختبار السفينة على الكتامة ضمن الحوض بتغريق الحوض حتى طفو السفينة و في حال  تبين وجود مواقع  تهريب للمياه  من مناطق اللحام كان يتم لحمها من جديد  و اختبار مناطق  التهريب  و هذا استغرق وقتا و جهدا كبيرين .
و أضاف : لدى أول نزول للسفينة  في المياه تم اختبارها لمدة 3 ساعات إبحار  في ظروف موج عال و قاس و كنا غير مصدقين أن السفينة التي كانت على وشك أن تتحول إلى خردة هي اليوم تبحر و بجاهزية عالية و بطاقم يضم عشرات البحارة .
والحقيقة إن إصلاح السفينة حطين  هو أول عمل من نوعه يحدث على مستوى القوى البحرية  و النجاح الذي تم تحقيقه في إعادة تأهيل السفينة حقق الثقة لدى الطاقم بقدراته و خبراته الفنية و العملية و نحن على مدى سنتين من العمل المتواصل في إعادة تأهيل هذه السفينة  كنا نشعر بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا  و تعهدنا لأنفسنا و للوطن بأننا سننفذ هذه المهمة  على أكمل وجه ومرت علينا  أيام كنا نعجز عن النوم و نحن نفكر بالسفينة فهي ستبحر و عليها طاقم و غير مسموح بأي خطأ و لكننا كنا دائما نتصورها مبحرة في عرض البحر و هذه الثقة في النجاح ساهمت في جعله حقيقة .


مدير المعمل 115 شرح لدام برس الأعمال التي تمت ضمن المعمل فقال  :
  بتاريخ 25-7-2011 بدا العمل في المعمل 115 في طرطوس وفق خطة إصلاح فني و ملاحي شاملة لكافة أقسام السفينة و تم تبديل مساحة 386 م 2 من ألواح الحديد على الأسطح و الأجناب و عزل السفينة بالكامل حول الأجناب بمادة الصوف الحراري العازل و السلوفان الحراري و تلبيس السفينة بالكامل من الداخل بالخشب و ألواح اللاتيه و الفيبر كلاس ، فضلا عن  تجهيز المطابخ و الحمامات بالكامل و إعادة تأهيل و تجهيز أماكن المعيشة و طلاء السفينة بالكامل و إصلاح المحركات الرئيسية و المساعدة و تبديل مواسير الدارات (ماء-  وقود-  هواء مضغوط ) إضافة إلى استبدال  70 % من الكابلات الكهربائية الرئيسية أي حوالي 9000 متر و صيانة كافة التجهيزات و المحركات الكهربائية .


الضابط الأول في السفينة أعطى  لدام برس المواصفات الفنية  للسفينة و لمحة تاريخية عنها  فقال :
السفينة  حطين هي كاسحة ألغام  محيطية كبيرة صناعة روسية  ومواصفاتها  : الطول الكلي 57.76م ـ العرض الكلي 8.76م ـ العرض عند خط الماء 8.49م ـ ارتفاع السفينة 18.4م ـالسرعة حوالي 18 عقدة ـ الإزاحة 570 طن .
والسفينة دخلت القوى البحرية سنة 1959 و كانت السفينة الأكبر في قوام سلاح القوى البحرية و انحصرت مهامها في  الدوريات و تقديم المعلومات السطعية (الاستطلاعية) الدقيقة لقيادة القوى البحرية و بقيت تمارس هذه المهام حتى  سنة 1995 مرورا بحرب تشرين التحريرية حيث قامت بتقديم المعلومات الاستطلاعية عن العدو وأفشلت مخططاته بمهاجمة الموانئ و القواعد العسكرية المنتشرة على الساحل السوري و المنشآت الحيوية المدنية
و هذه السفينة استخدمتها الكلية البحرية قبل توريد السفينة الأسد لتدريب الطلاب الضباط و زيارة العديد من الموانئ في البحر المتوسط و بقيت في قوائم مجموعة سفن التدريب حتى عام 1995 حيث خرجت من الخدمة .
و أضاف : كلنا فخر بعودة هذه السفينة كما كانت بقدراتها العسكرية و بخبرات محلية سورية و السفينة خلال عام واحد أبحرت  500 ساعة عمل و صار لها جزء من قوة الردع و إمكانيات  السلاح البحري السوري و هي في جاهزية تامة لتنفيذ أية مهام توكل إليها .


الطاقم الفني الذي شارك في إعادة تأهيل السفينة حطين شرح لدام برس المشاعر العظيمة التي كانت تعتريهم و هم يرون هذه  السفينة  العظيمة و التي كانت مهترئة تعود يوما بعد يوم إلى مجدها و ألقها  و قالوا  :
أثناء عملنا على ترميم  السفينة حطين كنا نشعر بأننا نبني بيتا لنا و ليس هناك إنسان يبني بيتا  له إلا ليسكنه و يحتمي به و بالتالي هو سيبينه بحب و إخلاص و النتيجة كانت أن السفينة التي كانت على مدى 16 سنة عائمة في المرفأ و نحن نقوم بحراستها هي اليوم بكامل جاهزيتها و هي من سيتولى حراستنا .


هذا و لا بد من الإشارة إلى أن جميع دول العالم تسعى للحفاظ على  السفن التي تملك  تاريخا  حربيا  نظرا لقيمتها المعنوية و التاريخية  و من أشهر  السفن  التي تم إعادة تأهيلها  السفينة  آفرورا التي  أطلقت الطلقة الأولى في الثورة الروسية على المبنى الحكومي في لينيغراد  عام 1917 و اعتبرت هذه الطلقة  الشرارة الأولى في انتصار الثورة  البلشفية و قيام الاتحاد  السوفيتي ، و نظرا لقيمة  السفينة المعنوية لدى البحارة الروس تم إعادة بنائها  لتكون متحفا للزوار و هي الآن راسية قبالة الآرميتاج في لينيغراد في نهر النيفا بوصفها رمزا تاريخيا لإشعال الثورة ضد القياصرة و انتصار الثورة البلشفية بقيادة لينين .


وأخيرا  نقول أن تجربة إعادة تأهيل السفينة حطين هي علامة فارقة في تاريخ القوى البحرية السورية و هي تجسيد للوفاء الكبير من قبل قيادة القوى البحرية للتاريخ  المشرف لهذه السفينة بوصفها  مصدر فخر و اعتزاز لكل مواطن سوري و من جهة أخرى فإن هذه التجربة تمهد الطريق أمام صناعة السفن في القوى البحرية و سورية تمتلك خبرات وطنية عالية المستوى أثبتت وجودها و قدراتها من خلال قيامها بإحياء سفينة عمرها أكثر من خمسين عاما و يعتبر إدخالها  في الخدمة مجددا فخرا لكل سوري .