دام برس-هاني حيدر :
في كلِ يومٍ هناك حكاية داخل "باص أو ميكرو باص" من الباصاتِ التي تدور في شوارع دمشق بين الركاب والسائق، وأنا أحد الركاب الذي يتعرض كل يومٍ لقصةٍ في الميكرو بحكم عملي البعيد قليلاً عن مكان إقامتي، والموقف الأخير الذي تعرضتُ له هو الآتي:
في الميكرو مددتُ يدي على جذدان النقود، وطبعاً في البداية أبحث عن 50 ليرة لكي لا اسمع جملةَ السائق المعتادة "ولك ياعمي والله مافي فراطة ع الصبح" مع وجهه الشاحب وصوته العالِ ونظرته الحادة ، ولكن كالعادة لم أجد 50 ليرة ، وكما توقعت قال السائقُ الجملة نفسها، وبدوري رددت عليه " مو مشكلة ياعم، بس يعطيك حدا رجعلي".
وعندما امتلأ الميكرو بالناس قرر السائق أن ينطلق بعد انتظار 10 دقائق.
 بدأت الناس تدفع النقود، وأنا جالسٌ خلف السائقِ وكنت بمثابة "معاون له"  لأن النقود كلها اجتمعت بيدي ، و للحظة ظننتُ نفسي انني السائق وقلت لهم باللهجةِ نفسها "ولك يا جماعة اللي معو50 يعطينا، والله مافي فراطة" وبعد القليلِ من المعاناة استطعتُ إعادة النقود المتبقية للرّكاب ولكن بقيت أنا وشاب وإمرأة كبيرة يريد كل واحد مننا 50 ليرة من السائق.
بعد قليل جاءَ الوقت الذي تريد المرأة فيه النزول من الميكرو، فتوقفت على الباب و قالت "شو صار معك بدي أنزل أنا"، رد السائق" والله ياحجة مافي فراطة، سامحينا أو تفضلي هي 100 تبعك والله يسامحك" نظرت المرأة للسائقِ نظرة غضب وقالت  "والله كلكن هيك هات الـ 100 لقلك" أخذت المئة ليرة ومدت يدها إلى الجذدان وأعطته 50 ليرة جديدة حجر وقالت"تفضل تتهنا فيها، كنت بدي خليها معي واحتفظ فيها بس مابحب أكل حق حدا" وذهبت المرأة وكأنها خسرت 500 ليرة وليس 50، في هذه اللحظة ظهرَ على السائقِ علاماتُ الفرح ، وبدوري قلت لنفسي "الحمدلله هلق بيرجعلي مصرياتي " ولكن حصلت الفاجعة لأن السائق وضع الخمسين الحجرية في جيبه وقال "والله رح يكيف إبني فيها لسا هي أول مرة منشوف 50 جديدة".
في هذه اللحظة ظهرت جنب رأسي إشارتي تعجب واستفهام،ودخلتُ في حالة أسير الأحزان الذي يغني لحنان،  ونظرتُ للشاب الذي ينتظر أن يعيد له السائق 50 أيضا ً فوجدته ينظرُ إليّ وكأننا نقول "راحت علينا " ولكن فضولي الزائد دفعني لاسأل السائق السؤال التالي"يا عم اذا انتو الشوفيرية ماشفتو الـ 50 الجديدة طيب وينها ؟ لأساس نزلت مشان نخلص من الورقية ونخلص من أزمة السرافيس ؟
في البداية نظرَ نظرةً أخافتني قليلاً وقلت بصوت منخفض "رحت فيها" ثم ابتسم وقال "والله يا عم أنا بعرف أنو العالم بتحتفظ بالمصاري القديمة كذكرى مو بالجديدة"، فأجبته "قصدك إنو العالم عم تحتكرها"، عندها هزَّ رأسهُ وقال "أي لكن شو ، إذا المركزي قال إنو صدرت الـ 50 ومن وقت ماصدرت ماشفناها ، معناها العالم عم تحتكرها، أوووف ولك عمي الله يفرجها وبس".
وعند وصولي لمكان عملي قلت له "نزلني يا عم والله يسامحك بالـ 50 ليرة".
وبعدها أصبحت كالمعتوه أكلم نفسي وأقول "أي يا عم بتصرفك هاد كمان عم تحتكر الـ 50 متلك متل غيرك لأن لو مرجعلي اياها كنت حاسبت فيها بالرجعة أحسن ماأرجع مشي لأن ماكان معي غيرها".
وقضيتُ اليومَ بأكمله أفكر كيف سأعود للمنزل سيراً على الأقدام بسبب أختفاء الخمسين الجديدة !