Logo Dampress

آخر تحديث : الخميس 25 نيسان 2024   الساعة 19:24:55
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
"قسورة محمد علي" طار عالياً، ولم يقع.. "دام برس" في ضيافة الشهيد الحي
دام برس : دام برس |

دام برس - سهى سليمان :

 

هل لديك الجرأة أيها القارئ أن تدوس على لغمٍ تعلم أنه سينفجر بك بلحظة ليحولك أشلاءً، كم من الوقت ستبقى معلقاً في الهواء؟ وأين ستسقط؟ وفي لحظة ارتطامك بالأرض ستفقد الحياة كصديق، وتسلّم الروح أمانتها، ويبدأ الاحتضار... من وجهة نظرك ونظرنا، لكن؟!

هناك من فعل ذلك، شابٌ في مقتبل العمر، 22 ربيعاً، نشاط وحيوية بلا حدود، ابتسامة دائمة، جرأة وبسالة، تلك بعضُ صفات من فقد قدميه وحاسة السمع في إذنه اليسرى وقهر اليأس وانتصر.

مؤسسة "دام برس" الإعلامية، زارت الجريح "قسورة" في منزله الكائن بقرية حمام قنية في محافظة طرطوس، وكان لها معه ومع أهله حديثاً متواضعاً، كالدفء المنبعث من مدفأة "الحطب:

تعانق والسلّم في الهواء وعلى الأرض  

من هو الشهيد الحي؟

اسمي "قسورة محمد علي"، خدمت تطوعياً في الحرس الجمهوري (الكتيبة الانتحارية) بحلب وكان عمري 18 سنة، وذهبت مع رفاقي إلى الشام ومن ثم إلى حمص وإلى ريف دمشق الجنوبي، ومناطق عدة في حلب وتعرضنا لكمين لكنني لم أصيب خلالها، ومن ثم إلى مطار المزة وإلى حلب مرة أخرى، حيث بقينا ما يقارب الشهرين انتقلنا بعدها إلى أحياء سيف الدولة وصلاح الدين والسكرية وخان طومان والأعظمية إلى الأشرفية، تنقلنا كثيراً وأصبت بقذيفة هان في يدي، وكانت الحمد الله الإصابة خفيفة.

لكن في تاريخ 3 أيلول 2012 كانت إصابتي الكبرى، حيث جلست على عبوة ناسفة لأحمي أصدقائي في حي الزبدية ـ بناية البرجية بعد سيف الدولة، جلست على العبوة لأني كنت الأقرب إليها، ورغم مقدرتي على الهروب لكني فكرت إن هربت فأتسبب باستشهاد 25 من أصدقائي، وإن بقيت سأنقذهم من الانفجار.

بعد أن ذهب أصدقائي وابتعدوا عنها ليكون حجم الإصابات قليل، وضعت قدميي عليها وقذفتني أنا والسلّم في الهواء، وعندما سقطت على الأرض سقط السلّم علي وسحقت قدماي.

ساورني الخوف من أن أقع أسيراً بأيدي المسلحين، لكن الحمد الله تمكن أصدقائي من سحبي وانتشالي...

أصدقائك الذين كانوا معك ما أخبارهم؟

عند الانفجار استشهد صديقي علي ملحم (رحمه الله) بعد 12 يوماً من إصابته، وأنا تمّ إسعاف إلى مشفى عبد الوهاب آغا العسكري بحلب، بقيت 3 أيام لوحدي دون وجود أي أحد من أهلي بسبب انقطاع الطريق حينها، لكن الحمد الله وجود الكادر الطبي كان مساعداً إلى درجة كبيرة.

وما دام العقل معك، ما همّك قدماك؟

طوال حديثه يحمد الله ويشكره على ما حدث، لا يتأفف، روحه المعنوية العالية تجعلك تغمض عينيك وتخجل من نفسك:

لا شكّ أنهم أخبروك بوضع قدميك، ما ردّة فعلك؟

أخبرني الدكتور عبد الرحيم "اجريك راحوا" فقلت له: "ما راحوا" قلي: "راحوا" فقلت له: "عقلي معي"، حينها اندهش الدكتور وبدأ يسألني من أي قرية أنا وبدأ يشرح لي ما معنى أن أخسر قدميي لكنني عدت وقلت له أن عقلي معي وأرى نفسي بين الأطباء ولا زلت على قيد الحياة.

حتى أني قلت له أني لا أحرك جسمي عن طريق قدميي بل عن طريق عقلي، وأحمد ربي على أنني لم أقع أسيراً بيد المسلحين، وطلبت منهم عدم إخبار أهلي حتى يتحسن ويستقر وضعي.

بعد ذلك قام خالي الشهيد العقيد ياسر شعبان (رحمه الله) بنقلي من المشفى العسكري عبر سيارة (سوزوكي) إلى الأكاديمية في حلب، ومن ثم وضعوني في طيارة حوامة بين 20 جثماناً من الشهداء، إلى مطار حلب، حيث بقينا 8 ساعات دون طعام أو شراب ومن ثم بحثوا لنا عن طعام وأتوا بحبة "بندورة" ورغيف خبز، ومن ثم إلى مطار حميميم حيث وصلنا الساعة 11 ليلاً ومن ثم إلى المشفى العسكري في طرطوس 12.30 فجراً.

بقيت في مشفى طرطوس العسكري 94 يوماً وكان هناك معالجة فيزيائية في الفترة الأولى ولكني لم أعد بحاجتها، بعد انتظامي في الغذاء والأدوية.

وهنا أشكر كل من قدم لي المساعدة أو تعامل معي بشكل إنساني في المشفى من أطباء وممرضين.

طموح علمي لا ينتهي... ودفاع عن القضية

أخبرني أحد أصدقائك أنك درست الشهادة الثانوية في المشفى، هل تحدثنا عن ذلك؟

نعم، هذا صحيح، فعندما خرجت من المشفى وعدت إلى البيت لم أجد أحد من أصدقائي أغلبهم في تأدية واجبهم الوطني، وبدأت التفكير في متابعة تحصيلي العلمي، وفعلاً حينها زارني الأستاذ لؤي الخطيب من قرية برمانة المشايخ، واستشرته بالموضوع لرغبتي في تقضية وقت فراغي واستفادتي العلمية ومتابعة دراستي، ولقيت منه كلّ تشجيع وقام بتسجيلي في معهده الخاص وعلى نفقته الخاصة، كما أرسلت لي مجموعة "سورية الأم" بإدارة الأستاذ فراس ديب ثمن كتب (الثالث الثانوي) من أمريكا، وهنا أوجه لكم كل الشكر والامتنان على تشجيعهم ومساعدتهم.

وبدأت الدراسة ولكني اضطررت لإجراء عملية لأذني اليسرى في المشفى العسكري، خاصة بعد فقداني حاسة السمع فيها، وخلال فترة تواجدي في المشفى طلبت من الكادر الطبي إبقائي في المشفى لمتابعة دراستي إلى حين انتهاء الامتحانات، وذلك لوضعي الصحي الصعب بعد فقدان القدمين.

وفعلاً تمت الموافقة على الأمر وتابعت دراستي وحصلت على الشهادة الثانوية ـ فرع الأدبي، والحمد الله على كل حال، وهنا أود أن أقدم لهم كل الشكر والتقدير على دعمهم ومساعدتهم في المجالات كافة، كما أخص بالشكر كل من ساعدني بفهم المنهاج من الأطباء في المشفى الذين خصصوا وقتاً لتدريسي بعد انتهاء نوباتهم.

يتابع "قسورة" حديثه وهو يبتسم، وأحياناً يقطع الحديث ويذهب لجلب علبة سجائره من المحل، أو ليحضر كأساً من "المتة"، نعم هو ذا "قسورة" من فقد قدميه وسمعه في إذنه اليسرى:

حصلت على مجموع 2114 ورقم بطاقتي الامتحانية 2014 والعام الدراسي 2014، يبدو أن هذا الرقم هو رقم سعد وحظ لي، وقمت بالتسجيل بالمفاضلة حيث سجلت في كلية السياحة بطرطوس، لكني أعاني الآن من الدوام اليومي (النظري والعملي)، كما أعاني بعض الشيء من المواد العلمية خاصة أنها تتضمن مقدمات في الإدارة والاقتصاد والرياضيات والإحصاء والمالية، والحمد الله الآن ترفعت إلى السنة الثانية.

والآن بعد صدور قرار التطوع إلى الألوية التطوعية لمن يرغب، تطوعت في بانياس بهدف العودة مع أصدقائي إلى أرض المعركة، كما أنني أقوم بمساعدة بعض الرفاق بالتدريب على القناصة أو بعض الأمور الإدارية.

آمال بالسفر لتركيب أطراف صناعية

أين تتابع علاجك؟

تعالجت بشكل مجاني على نفقة الدولة، وحصلت على الكرسي والأقدام الصناعية، ولكن أتمنى على الجهات المعنية وضع لجنة أطباء من خارج القطر لديهم خبرات في الأطراف الصناعية أو يقوموا بتأمين سفرنا إلى الخارج من أجل ذلك.

فقدت قدميي وأمشي على قدم واحدة على العكازات، البتر عندي قصير في أحد القدمين وفي الأخرى من الركبة، والخوف بعد 5 سنين أن تتآكل المفاصل، والقدم الصناعية التي وضعت لي لا تساعدني أبداً، بسبب نقص خبرة الأطباء وعدم تواجد الآلات التي تأخذ القياسات بشكل دقيق.

الآن تمّ تحويلنا إلى خبير في الأطراف الصناعية وهو طبيب يأتي من اللاذقية على نفقته الخاصة لأخذ القياسات وتصحيح وضع القدم الصناعية، ونتمنى أن يستطيع فعل أي شيء لأني لا أستطيع أن أبقى بدون حركة، أشكره على جهوده المبذولة.

"قسورة" طفل ورجل صبور...

كيف تتعاملين مع ولدك المصاب كشخص معاق؟

تحدثت والدة المصاب وهي تنظر إليه، وتبتسم بحزن:

هو من فرض طريقة التعامل، من خلال إشعارنا أنه ليس شخصاً معاقاً ولم يحسسنا بعجزه، وإلى الآن، طلباته الشخصية يلبيها بنفسه، لا ينتظرني لتلبية طلباته بل يعتمد على نفسه بشكل كبير، ابتسامته لا تفارقه.

أحياناً أراه طفلي الصغير في المنزل، وأحياناً رجل المنزل، حيث يقوم بمساعدتي بالكثير من الأعمال.

أما والد المصاب فقد ذكر:

لديه إراداته وصبر لا ينتهي، ولا أخفيك سراً أنه ليس من السهل على أبّ لديه شاب في العشرينات من عمره فقد قدميه وسمعه، فلن يكون التعامل معه بشكل طبيعي، وكنت أفكر عن كيفية تعاملي معه وطريقة عيشه والنحيب والويل، لكن صبره أعطانا دافعاً ليزيد صبرنا، وإيمانه بإرادة الله وقضاءه، وحمده وشكره الدائم لله، وقناعته أنه أدى واجبه تجاه وطنه وأرضه.

تمدّنا روحه المعنوية العالية بالصبر أكثر، ووجود أصدقائه بجانبه لا بلّ ازداد عدد أصدقائه، فهو دائماً يسبقنا في الواجبات الاجتماعية، زيارة الجرحى أو التعزية بالشهداء، أو حتى جلب الأدوية وشراء الكثير من الحاجيات.

عمل لا ينتهي... والشائعات دليل ضعف

أي فائدة قدمها لك برنامج "مشروعي"؟

قدم لي برنامج "مشروعي" قرضاً لتنمية مشروعي الخاص بي، حيث حصلت على 125 ألف ليرة سورية، واستثمرتها بمحل لصيانة أجهزة "الموبايلات"، وكان ذلك بمثابة فرصة ذهبية.

عملت على تطوير المحل من خلال العمل بالصيانة والمبيعات وتعبئة الوحدات، والحمد الله نجح المشروع، وأعانني بمصروفي الشخصي، وأشعرني بأني شخص منتج وليس اتكالياً.

إشاعة طالتك أنت وأهلك برأيك ما هدفها؟

قام بعض الأشخاص ببثّ إشاعة لتشويه أعراض الناس، مفادها أني شخص مصاب ومتزوج ولديه أولاد ولكن الدولة تخلت عني، وأني أعيش في بيت سيء وفقر كبير وأسكن بالآجار.

كان الهدف هو التحريض ضدّ الشباب الذين يلتحقون بالألوية الطوعية، وأن الدولة تتخلى عنهم، ولكني أوضحت للرأي العام أنني لست متزوجاً وأسمي قسورة علي وليس اسم والدي "ساليم" بل محمد صالح علي ووالدتي اسمها اعتدال، والحمد الله حصلت على حقوقي الكاملة، وألقى كل اهتمام وعناية من قبل الجهات المعنية.

حبّ الوطن متجذر في أعماقنا

لمن تودّ توجيه رسالة عبر المؤسسة؟

رسالة تقدير وشكر إلى السيد الرئيس والسيدة الأولى، ودعوة لكلّ إنسان شريف أن يتابع دفاعه عن الأرض والعرض.

وإلى الجيش ورفاق السلاح حماكم الله، ونصركم في قضية الحفاظ على الوطن، لنعيش جميعاً بكلّ كبرياء وشرف.

رسالتي أيضاً إلى كلّ من يتخاذل ويهرب من أرض المعركة أو يتراجع أو يتردد بالذهاب والتطوع يجب أن يعرف أن معركتنا هي معركة الشرف والكرامة، ومعركة الدفاع عن الوطن والأرض والعرض، فعودوا إلى رشدكم والتحقوا بالميدان وتصدوا لمن يحاول احتلال عقولنا وأرضنا.

أنا على الرغم من وضعي الصحي وبعد تطوعي في الألوية صدقيني التحق أكثر من 50 شخصاً كانوا في حالة تردد ورفض للالتحاق، وأنا أشجعهم وأشدّ على أيديهم، لا أحد يموت إلا في ساعته، وأن أموت على أرض المعركة شهيداً وشريفاً أفضل من أبقى مذلولاً في الحياة أو أن أموت على فراشي.

ما هي أهم متطلباتكم كذوي للمصابين؟

مع بعض الغصة تحدث الأب وفي جعبته أملٌ في تحقيق الأمنيات تجاه قضية ولده المصاب حيث طرح المشكلة:

تطوع ولدي الجريح كرقيب، وقد قام بتقديم جميع أوراقه الثبوتية على هذا الأساس، تفاجأنا بالتسريح أنه سرح وتقاضى رابته وتعويضه على أساس جندي أول، وأشكر الدولة ووزارة الدفاع والجهات المعنية، لكن لدينا الأوراق الثبوتية أنه تمّ تخريجه من الدورة، وأنه يجب أن يتمّ تسريحه وتقاضي راتبه على أساس مساعد، وتمّ تقديم الاعتراضات الكثيرة لجهات معنية عدة وننتظر الردّ، ولاسيما أن تعليمات الإدارة السياسية تفيد بأنه يجب أن يحصل على درجتين تسبق الدرجة التي هو فيها، أي مساعد أو مساعد أول، ونتمنى إنصاف ولدي بهذا الأمر.

مؤسسة "دام برس" الإعلامية تشكر المصاب قسورة على استضافتنا في منزله ونشكر أهله الكرام على حسن ضيافتهم واستقبالهم، ونتمنى له ولجميع المصابين الشفاء العاجل.

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  2016-03-16 11:08:03   تقصير كبير
أعتقد أني وأن الجميع مهما فعل لهؤلاء الأبطال الذين قدموا وما بخلوا من أجل قضية محقة، وإن كان البعض يعترض لكن الوطن ليس فندقاً... وقد أثبت الكثير من شبابنا عظمة الوطن بعظمة تضحياتهم، أشكركم وأشكر الأستاذ لؤي الخطيب على دعمه المتواصل وأياديك الببيضاء تسبقنا في كل مكان وزمان... دمت بألف خير، وأشكر المؤسسة على دعمها وسنحها الفرصة لي للقاء جرحانا لبلسمة جراحنا نحن من خلال صبرهم وإرادتهم الكبيرة.
سهى سليمان  
  2016-03-14 07:40:55   طرطوس-حمام قنية
الله يجازيك خير ياقسورة ويحميك ويحمي كل الجيش العربي السوري
غطفان محمد حمود  
  2016-03-13 17:02:13   خطوة لبلسمة الجراح
دام برس ومراسلتها الانسة سهى سليمان دائما في المقدمة لتسليط الضوء على جرحانا واسر شهدائنا....متميزون دئما
لؤي خطيب  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz