راما ديب - دام برس - طرطوس :
(أنا حيٌ مثلك وأنا واقفٌ الآن إلى جانبك فاغمض عينيك والتفت تراني أمامك ) عبارة وجدت لنفسها مكان في مدينةٍ علت بها أصوات النشرات السياسية، حيث لم تنس هذه البلاد أهمية  إحياء  المجالات الأدبية والفنية ، لإيجاد طريق خاص للعودة إلى مسيرة أدباء عرب  وضعوا بصمة خاصة لهم في العالم فاستحقوا  توثيق  أعمالهم واستحضارها مجددا ،عبر تسليط الضوء على إبداعاتٍ لا تُنسى .

في مدينة طرطوس، وتحديدا ًفي جزئها القديم حيث قلعتها، أقامت جمعية أصدقاء الموسيقى  بالتعاون مع مجلس المدينة وبدعم من الفعاليات الاقتصادية والسياحية ، مهرجان الأديب والفنان والرسام جبران خليل جبران لتكريم أعماله  واستحضارها بطريقة إبداعية تليق بمسيرته الغنية.

 وانقسمت فعاليات  المهرجان الذي أقيم على مدى ثلاثة أيام إلى  افتتاحية لمعرضٍ فني تشكيلي، بالإضافة إلى المحاضرات الصباحية التي تتمحور حول التعريف بجوانب شخصية جبران الرسام والشاعر والأديب والفيلسوف التي يلقيها باحثون وكتّاب من سورية ولبنان، ولأن جبران آمن بأن الغناء سر الوجود، نظم المهرجان أُمسيات موسيقية لثلاث  فرق موسيقية، تختص كل منها في أسلوب معين افتتحها في اليوم الأول كورال ارجوان للغناء متعدد الأصوات والموزع هارمونيا، واليوم الثاني لفرقة عبق من طرطوس التي تغنت بمجموعة فريدة من أغاني زكي ناصيف ، وفي اليوم الثالث أحيا تخت ايميسا الشرقي من حمص حفلته للمقطوعات الشرقية والقدود الحلبية  وقد اختارت كل فرقة مجموعة قصائد مختارة لجبران لتفتتح بها غنائها.

وتحدث مدير المهرجان و مؤسس جمعية أصدقاء الموسيقى بشر عيسى عبر كلمة له في المهرجان أن الهدف الأول لهذه التظاهرة الفنية، هو الإضاءة على القيم النبيلة في الخير والحق والمحبة والجمال التي تمثل وجدان الإنسان السوري، والتي فاضت بها قريحة جبران المبدعة في لوحاته  وقصائده وكلماته.

 وأقيم المهرجان على أساس معرض فني جماعي بمبادرة وأشراف الناقد والفنان التشكيلي أديب مخزوم، حيث  تضمن لوحات عرضت في دمشق في نهاية تموز، وتم نقلها إلى طرطوس للإضاءة عليها في هذا الحدث الكبير.

كان جبران العاشق والمهاجر والمحب والعادل موجوداً في جميع اللوحات التي عرضت ،والتي تجاوزت كونها ألوانا على ورق ، لتتعدى ذلك نحو عالم يكاد يكون حقيقياً في عيون كل من زار المعرض، حيث تضمنت الرسومات شخصية جبران في مراحل عمره المختلفة ،وعكست العديد منها أفكاره بالإضافة إلى لوحة خاصة جمعته بالمرأة التي احبها ولم يراها يوماً، حيث شرح منفذها أديب ميهوب لدام برس :" لعل القدر لم يستطع جمع جبران ومي زيادة ولكنني استطعت اليوم عبر الفن جمعهما بصورة واحدة".

وحول أهمية المهرجان والمعرض التشكيلي الذي أُعد خصيصاً لهذه المناسبة ،تحدث الفنان التشكيلي  المبادر والمشرف على المعرض أديب مخزوم لدام برس: "جاء التكريم اليوم انطلاقاً من أهمية جبران على المستوى العالمي، فأعماله هي الأكثر مبيعاً عالميا بعد شكسبير، والمعرض أقيم أولا في دمشق تحت عنوان (جبران المخلص والفنان) وهو ثمرة ثلاثة أشهر من العمل المتواصل لتكريم جبران"
 وتابع مخزوم : " لقد شارك في المعرض سبع وخمسون فناناً من الرواد المخضرمين الأوائل من لبنان وسورية ، وهي لوحات متنوعة في تقنياتها وأساليبها، وجاءت فكرة المعرض بالنسبة لي من أن جبران الأديب والشاعر أخذ حقه في العالم ولكن جبران الرسام لم نرى إلى اليوم أية  دراسة معمقة حوله في هذا الشأن"

ولإن أدب جبران العميق بقي راسخاً في وجدان من أحبه وآمن بأفكاره ،أخذ العديد من الباحثون على عاتقهم أهمية توضيح  ما نادى به من قيم ومبادئ، حيث تحدث الباحث اللبناني  جان داية حول أهمية تكريم جبران في مدينة طرطوس لدام برس: "تكريم المبدعين بحد ذاته هو إبداع والتكريم في طرطوس على مدى ثلاثة أيام بهذه الطريقة هو عمل جميل جداً ويليق بجبران".

يليق الفن والفرح بجميع أشكاله لطرطوس التي استذكرت جبران على مدى ثلاثة أيام في خطوة ضرورية لتعريف الأجيال بأهمية ما قدمه الأدباء العرب من فنون وإبداع   فهو الذي آمن بأن" لا مكان في خريطة التقدم المعاصر لأي أمة دون آداب ،ودون فن، ودون فلسفة ".