Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 19 نيسان 2024   الساعة 00:10:04
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
أصنام محطمة .. بقلم الدكتور عفيف دلا

دام برس :

وانتهى داعش في سورية .. انتهى الكابوس الذي خيم على الحياة هنا .. وانتهى زمن الظلام الدامس الذي أراد أن يستطيل إلى ما لا نهاية .. وتحطمت أصنام الوهم التي بناها لتُعبد طقوساً تفتك بالبشر والحجر فلم يتبقَ منها إلا بقايا صور لمشاهد الدم والرذيلة المشرعنة باسم الدين والله زوراً وبهتاناً ..

انتهى داعش.. وما أرادوا له نهاية .. فلم يكن حالة عسكرية يمثلها تنظيم مسلح بل كان واقعاً مظلماً يعكس جميع التناقضات التي تراكمت في الإنسان ومصباً ومستقراً لكل ما هو شاذ وسلبي في أغوار النفس الإنسانية والذي انحدر بها إلى أحط مستويات الدونية فوصلت إلى حد البهائمية العمياء .. فمارست كل طقوس الشر على الأجساد وفي الأنفس وفوق الأرض وتحتها ، فما وقفت عند رادع إلهي أو إنساني بل هتكتها جميعها باسم الدين وما اسمته جهاداً في سبيل الله ..

كنا نرى ونسمع ، والبعض شاهد وعاش طفرة الجنون الجامح والقهر السائد في زمن داعش حيث وطئت أقدامه الآثمة، فرأى تقطيع الأوصال والرؤوس المعلقة على أسوار الأبنية واشتم رائحة الأجساد المتفحمة والمشوية المبعثرة في الطرقات وعرف مشاهد القتل الجماعي وشبح الموت المتنقل بين الحطام والركام؛ ولن ينسى بالطبع مفاهيم الانحراف الإنساني المطلق كالاغتصاب المقونن بشريعتهم وما فهموه من الدين؛ وحرق الإنسان حياً والتفنن بسلخ الجلد وقطع الرؤوس وشِيّها وأكلها مع الأكباد والقلوب المستأصلة بالسكاكين الحادة ..

لن ننسى وبالطبع لن ينسى أحد كل ذلك؛ وصور الشهداء تملأ عيوننا ووجداننا ومناظر البيوت المهدمة التي كانت تضج بالحياة يوماً ومرافق البنى التحتية التي بنيت بالعرق والجهد عبر عقود طويلة مدمرة محطمة على قارعة الطريق .. وكيف يكون النسيان إذ توقفت الحياة لبرهة ليسود الموت ولبست الفصول أثواب الحداد على معانيها لسبع سنوات فتوشحت السواد حزناً على ما تبقى من حياة محاصرة بين التطرف والقتل الآتي من كل حدب وصوب .

لقد فعلها رجال الجيش العربي السوري والقوات الرديفة والحليفة وسطروا ملحمة جديدة في تشرين الانتصار فكان دحر آخر معاقل داعش وتحطيم آخر أصنامها بسيوف الحق في البوكمال في ريف دير الزور في تشرين الثاني 2017 وليُشق الدرب باتجاه حوض الفرات ومحيط إدلب .. طريق تعمد بدماء شهداء عبروا قوافلَ مجد وخلود وتضحية وفداء لأجل سورية وليعود الحلم مجدداً يسكن حنايا الذاكرة بدلاً عن كوابيس الليل الطويل وليحفز الروح للتوثب مرة أخرى نحو المستقبل .

وعلى التوازي كان إعلان انتهاء داعش في العراق مكملاً لما ينجز من انتصارات في سورية وبالتالي إسقاط الورقة الأهم في مشروع العدوان في المنطقة ولم يتبقَ للأمريكي سوى بضع مسلحين فيما يسمى قوات سورية الديمقراطية غرب الفرات كورقة يشاغب بها سياسياً؛ وعلى الأرض بشكل جزئي على اعتبار أنها غير قادرة وحدها على ملء الفراغ المتولد عن انتهاء داعش لا على مستوى الانتشار في الجغرافية السورية ولا على مستوى القدرة القتالية والاشتباك، وبالتالي انحسرت هوامش الخيارات الأمريكية بالنسبة للحركة في حلبة الصراع على المدى المتوسط والبعيد في ظل استمرار وتنامي سيطرة الجيش العربي السوري وحلفائه على الأرض .. وحتى تلك القوات الامريكية المتوضعة في قواعد مصطنعة خاصة بها في التنف على الحدود العراقية وفي شمال شرق سورية لا تعدو كونها أوراق سياسية أكثر من كونها أدوات عسكرية فالولايات المتحدة ليست قادرة على الاشتباك المباشر مع الجيش السوري وحلفائه فالحروب المباشرة ولى زمنها وباتت حروب الوكالة هي الطاغية على استراتيجيات الحروب الكبرى ..

أما تركيا فتعول اليوم على ورقة جبهة النصرة المكدسة في إدلب وريفها، والسعودية تعول على ما تبقى لها من فصائل إرهابية في الغوطة بريف دمشق كجيش الإسلام وفيلق الرحمن وحركة أحرار الشام الإرهابيين؛ رغم قناعتهما بأن هذه الأوراق غير كافية لممارسة ضغط حقيقي وفاعل على الدولة السورية ولذلك فالتوجه كان لتمترس هذه القوى المسلحة في أماكنها لتوفير أوراق سياسية من خلال بقائها واستمرارها بقطع النظر عن فاعليتها العسكرية، فيكفي بضع قذائف صاروخية بين الحين والآخر على الأحياء السكنية في دمشق تزهق أرواح بعض المدنيين كنوع من لفت الانتباه مجدداً إلى وجود هذه التنظيمات الإرهابية ولو كانت نتائج هذه الاعتداءات لا تغير في ميزان القوى في المعركة بشكل أو بآخر ..

فالمرحلة الراهنة هي مرحلة التمسك بالأوراق او ما تبقى منها بتعبير أدق بالنسبة لمحور العدوان كي يضمنوا البقاء في معادلات الحل لكن اللافت حقاً أن التمايزات في تموضعات أطراف حلف العدوان باتت واضحة وضوح الشمس وكل يفتش عن مصلحته بمعزل عن الآخر وبالتالي تم تفكيك هذا الحلف كمنظومة واحدة واليوم يتم العمل على تشكيل خارطة مصالح جديدة تزيد من حدة التباين بين أطرافه .

وبكل الأحوال إن الانتصار العسكري يكمل طريقه اليوم على الأرض ويمهد طريقاً آخر سياسياً يمر من بوابة أستانة ومؤتمر الحوار السوري المرتقب في سوتشي نهاية العام الجاري والذي سيقود إلى وضع النقاط على الحروف في مسألة العملية السياسية التي يفرض فيها المنتصر على الأرض شروطه، فلا شروط مسبقة ولا تهديد أو وعيد بل لغة القوة الواقعية ستسود رغماً عن الجميع ، جميع من راهن على الخارج وعلى قدرته بالتدخل لإسقاط الدولة الوطنية السورية .

 

 

 

 

 

 

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz