دام برس:
بيننا وبين (وائل غنيم) قصة، بطلها السؤال: هل كان ما يسمى (الربيع العربي) ثورة، أم مؤامرة؟
ووصلت هذه القصة إلى نقطة كاشفة، بما اعترف به (غنيم) حديثاً حول ما جرى، وهكذا باتت قصة مفيدة، تكشف أهمية اليقظة والوعي في التقاط حقيقة ما يتهدد الوطن مبكراً.
عندما تحركت الاحتجاجات في مصر عام 2011 ظنَّ البعض عندنا أنها حركة الشعب ضد سياسات الرئيس مبارك العميلة، وأنها تهدف لإسقاط كامب ديفيد، والإطاحة بحكم مبارك التابع لأمريكا. ويومها أصبح الشاب (وائل غنيم) الذي أطلق الحراك من صفحة فيس بوك رمزاً لهذه (الانتفاضة) كما روجت وسائل إعلامية أمريكية وغربية وعربية.
ولكننا وبحكم المتابعة، كنا نستشعر أن هناك من يدير هذه الاحتجاجات وأن الشعارات المرفوعة كلها (اجتماعية) تطلب العدالة لتسقط الحكم، ولم يرفع أي متعلق بدور مصر في القضايا العربية، ولم يدع أحد لإسقاط كامب ديفيد، إلا بعض إعلامنا الذي عاش سكرة الرغبات بعيداً عن الوعي.
وهنا يحق لي كسوري أن أفتخر بزملائي الذين شاركوني تأسيس الإخبارية السورية، وكانوا معي في تغطية أحداث مصر، لأننا يومها كنا نسأل عن دور المخابرات الأمريكية في هذا الحراك، خاصة وأن وائل غنيم كان مديراً مهماً في شركة (غوغل) التي كان لها يد طولى في كل ما يسمى (الربيع العربي)، ولأننا نبهنا لإمكانية أن يكون للمخابرات الأمريكية دور فيمَ يجري، اعتبر بعض المسؤولين عندنا هذا الموقف ضد (الثورة المصرية) ولكننا قدمنا لهم معطياتنا، وقلنا لهم يومها (عندما يظهر وائل غنيم السوري ستقتنعون بصوابية تساؤلنا) وبالفعل جاءنا أكثر من غنيم سوري، والمدعو (هيتو) كان له نفس السيرة. وللأمانة اقتنع مسؤولونا برأينا، أو تركونا نستمر بما نقوم به.
إنني أعود إلى هذا الموضوع لأن وائل غنيم الذي يعيش في أمريكا الآن، ويعمل في وادي السيلكون، نشر في كانون الأول الماضي شريطاً اعترف فيه أن مواقع التواصل الاجتماعي نجحت في (الربيع العربي) بتحطيم الأشياء لا في بنائها، واعترف بخطئه قائلاً: (قلت من قبل إنك لو أردت أن تحرر مجتمعاً فكل ما تحتاجه هو الانترنت، كنت مخطئاً، قلت تلك الكلمات في 2011.. وكشف الربيع العربي الإمكانات الهائلة لمواقع التواصل الاجتماعي، بيد أنه أظهر أوجه تصورها الرهيبة أيضاً، نفس الأداة التي وحدتنا كي نسقط الحكم هي نفس الأداة التي مزقتنا.. لأننا فشلنا في تكوين إجماع، وساعد الصراع على خلق حالة من الاستقطاب الحاد.. عن طريق تسهيل نشر المعلومات المضللة والشائعات وأحاديث الكراهية، فقد كان الجو مسموماً تماماً. وأصبح عالمي الافتراضي مملوءاً بالغيلان والأكاذيب والكراهية).
إن اعتراف غنيم بما فعلته وسائل التواصل التي اعتمدها مع غوغل لتحريك الاحتجاجات، اعتراف واضح ولكنه لم يشر إلى أن المخابرات الأمريكية وعبر الخارجية الأمريكية، وبعض واجهات المجتمع المدني هي من قامت بتدريب الشباب العربي على ما يسمى (المعلوماتية والديمقراطية) وكانت عملياً تعلم شبابنا على طريق التحشيد وتنظيم الاحتجاجات، عبر وسائل التواصل، وكنا نرسل لهم فرق شبابنا مبهورين بحداثة المعلوماتية، ومغيبين عن الوعي بحقيقة ما يحاك لنا.