دام برس :

من تثبيت حزام النار الى مرحلة إحكام الطوق انتقلت وحدات الجيش السوري بسرعة، تزامنًا مع انهيارات كبيرة في صفوف الجماعات المسلّحة على اكثر من جبهة، وخصوصًا هذه الأيام في جبهتي الكاستيلو والليرمون شمال مدينة حلب، وابرز هذه الإنهيارات كانت الإعلان عن استقالة قائد الفرقة 16 المتمركزة في حي بني زيد المدعو عبد الخالق الحيّاني لأسباب صحيّة، بحسب ما جاء في البيان، اضافة الى هروب عدد كبير من المسلحين من نقاط تمركزهم.

هذه الإنهيارات تُنذر بتساقطٍ كبير للجماعات المسلّحة في كامل الأحياء الشرقية لمدينة حلب لم يعد مجرد تمنيات بل بات قاب قوسين او ادنى من التحقق، فحي بني زيد الذي اوجع الحلبيين في الجهة الغربية للمدينة بات محاصرًا من ثلاث جهات ولم يعد يملك المسلحون فيه هامش حركة واسع كما في الأيام السابقة.

وإن كانت عمليات الجيش لا تستهدف الحي بذاته، إلّا أنّ موقع الحي المفتاحي والذي يتميز بارتفاعه واشرافه على جزء كبير من احياء حلب الغربية يعطيه ميزة التحكم بأي معارك قادمة، ويفقد المسلحين قدرات نارية كبيرة متموضعة في الحي خصوصًا صواريخ حمم الثقيلة، ما يجعل الحي في البعد العاطفي والوجداني امام تصفية حساب عسيرة بسبب العدد الكبير من الشهداء والجرحى الذي تسببت به القذائف والصواريخ التي انطلقت منه.

ونظرًا للأهمية المعنوية التي يحظى بها الحي لدى المسلحين، فإنّ تحريره سيشكل بداية الإنهيار الشامل لباقي الأحياء الشرقية.

في البعد الميداني المباشر ومن خلال سيطرة الجيش السوري على منطقة معامل الليرمون ومنتجع الكاستيلو ونقاط اخرى على الطريق، بتنا امام تحول ميداني مفصلي ستكون وتيرة المعارك بنتيجته متسارعة وعلى شكل وثبات كبيرة بعكس ما كان يتوقع اغلبية المراقبين.

مشهد آخر قد لا يكون ظاهرًا للعامّة ولا يتلمسه إلّا المتخصصون، وهو سير العمليات العسكرية الذي يتجه للإنتقال من قتال الممرات الى البدء بعمليات عزل مسرح العمليات الحالي وتقسيمه عبر العزل الى جيوب متباعدة محكومة بأطواق ثابتة ومتحركة، الهدف منها في المرحلة الأولى تشتيت جهد وقوة الجماعات المسلحة وإجبارها على التراجع او الإستسلام.

هذا في البعد الميداني المباشر الذي سيشهد تراكمات وانجازات متواصلة ستغير من طبيعة خرائط السيطرة بشكل سريع، وستعكس نفسها على الواقع السياسي الإقليمي والدولي ولن تقتصر على الجبهات السورية فقط.

المتغيرات في البعد الإقليمي والدولي تندرج ضمن المتغير الجيوسياسي، فالجغرافيا التي يسيطر عليها الجيش السوري كناتج لعملياته لا تُحسب فقط بمساحة الأرض بل بمدى تأثير هذه السيطرة على نتائج المعارك القادمة، حيث سيتيح قطع الإمداد عن المسلحين اضعاف قوتهم وامكانياتهم اللوجستية في ظل حالة ضغط متوقعة من الناس في اماكن سيطرتهم، اما بالتجاوب مع دعوة الجيش السوري للناس بالخروج من مناطق سيطرة المسلحين او بسبب الضغوط الإقتصادية والإجتماعية الناتجة عن الحصار.

العامل السلبي الأكبر والذي يجب التعاطي معه منذ الآن هو تفويت الفرصة على الحملات الإعلامية التي ستتركز على الجانب الإنساني الناتج عن الحصار، من خلال التعاون مع المنظمات الدولية بتأمين ما يلزم للناس الذين سيتعذر خروجهم لأسباب مختلفة.

يبقى أنّ نتائج زيارة اردوغان لروسيا سيكون لها دور كبير في سير المعارك في الجبهات الشمالية وخصوصًا حلب، وما اذا كان اردوغان سيقدم تنازلات ملموسة في تخليه عن دعم الجماعات المسلحة الذي سيكون له بعد ايجابي لمصلحة الجيش السوري.

وحتى تتبلور نتائج المستجدات الميدانية والحراك الديبلوماسي، فإنّ العمليات العسكرية لن تتوقف وخصوصًا بما يرتبط بإستكمال السيطرة على نقاط الإرتكاز الأساسية المرتبطة بالمعارك اللاحقة في اتجاه الغرب نحو حيّان وحريتان وعندان وكفرحمرة التي ستكون السيطرة عليها اولوية بعد انتهاء التثبيت في نقاط التقدم الحالية.

بيروت برس - عمر معربوني