دام برس:
في طهران قيل «انه حصان طروادة يزورنا». استدركوا سريعاً ووصفوه بـ«حصان من الخزف». البعض في باريس يقولون ان لوران فابيوس ينتمي الى ثقافة كوكوشانيل لا الى ثقافة اندريه مالرو او جان بول سارتر...
الايرانيون انزعجوا كثيرا من فرنسوا هولاند حين صرح بأن زيارة وزير خارجيته هي لاختبار نواياهم حول المنطقة. اعتبروا ان هذا الكلام يصدر عن بهلوان لا عن رئيس دولة كان فيها ذات يوم شارل ديغول وجورج بومبيدو وفرنسوا ميتران.
في بيروت، اخذنا علماً بأن فابيوس، وهوالعاشق العتيق لاسرائيل، وتمنى ذات يوم لو يرقص التانغو مع غولدا مائير التي ما إن رآها ميتران حتى قال «لكأنها سقطت للتو من مؤخرة يهوذا»، سيثير مع حسن روحاني مسألة الانتخابات الرئاسية في لبنان، لا بل انه حمل لائحة ثلاثية لاختيار واحد منها..
لا نتصور، في حال من الاحوال، ان لبنان يشكل اولوية في اجندة معالي الوزير. تعنيه رئاسة الجمهورية في فرنسا، ويريد ان يظهر بمظهر الشخصية العالمية التي باستطاعتها ان تعيد لباريس ألقها السياسي والاستراتيجي. حينذاك لا بد ان تفتح ابواب الاليزيه امامه، وهوالذي يعتبر ان الصدفة التي غالباً ما تكون بلهاء هي التي اوصلت هولاند الى ذلك الموقع...
ثمة ساسة واعلاميون فرنسيون يقولون ان فابيوس الذي ما زال يعيش في بلاط لويس السادس عشر قبل ان يتدحرج رأسه ورأس زوجته الساحرة امام المقصلة، يمتطي ظهر هولاند للحلول محله. هو من يعرف ان يراوغ، ويلعب في الظل، ويعقد الصفقات، ويلتقي الفلاسفة بالطريقة ذاتها التي يلتقي بها مسؤولي اجهزة الاستخبارات، ولطالما اعتبر ان هؤلاء هم من يرسمون مستقبل الشرق الاوسط..
لا حاجة لكي نستعيد ما قاله في الايرانيين وما قاله الايرانيون فيه. اليوم يوم آخر في العلاقات. صاحب المعالي بائع متجول. واذ كان الالمان قد سارعوا الى ايفاد وزير اقتصادهم سيغمار غابريال، ولم يعرفوا قط بالمواربة. واذا كان الانكليز بدأوا باعادة تأهيل مبنى السفارة في طهران، فإن فابيوس، وعبر تصريح هولاند، يريد ان يبدو بشخصية من يغزو ايران وان بقبعة البائع المتجول...
وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني كانت الاكثر وضوحا ومباشرة. السوق الايرانية مترامية وتكاد تكون لانهائية بعد تلك السنوات الطويلة من العقوبات. الاوروبيون يحملون سلالهم الفارغة، لم يعد هناك لا شارلمان ولا بيسمارك ولا نابليون بونابرت».
«لوكنار انشينه» الساخرة قالت ذات يوم «ثمة قارة عجوز، امرأة عجوز، وتخلع ثيابها». يا للهول!!
«الفايننشال تايمز» سألت «ماذا يقول الاميركيون حين يروننا هكذا نلهث لمراقصة الايرانيين؟». المعلق يضيف «ان القهقهات الاميركية تتردد في ارجاء القارة».
هولاند يريد اختبار نوايا الايرانيين. غريب انهم صمتوا على هذه الاهانة ولم يبلغوا لوران فابيوس انه شخص غير مرغوب فيه. من انت حتى تختبر نوايانا؟ الايرانيون يتقنون حياكة السجاد (بالهم طويل وباعهم طويل)، مثلما يتقنون لعبة البزركان (السوق). لا يقفلون الباب، لكنهم قد يستنزفون الزائر حتى العظم، ويقولون ان مجرد ان يقوم فابيوس بالزيارة، بعد كل الذي فعله لقطع الطريق على الاتفاق النووي، بمثابة تراجع دراماتيكي. لم يقولوا... لقد اتى الينا حافياً.
معلقون اقتصاديون في اوروبا يدعون الى العجلة في ابرام الصفقات مع ايران. هل نجد ذات يوم ازياء نيناريتشي وايف سان لوران هناك؟ هؤلاء المعلقون يعتبرون ان الولايات المتحدة لن تبادر الى اي نشاط سياسي اواقتصادي مع الايرانيين قبل ان يظهر الموقف الاخير للكونغرس. هذه هي فرصة الاوروبيين لكي يتنافسوا على من يجتذب المستهلك الايراني اولاً و...اخيرا.
الدور الاستراتيجي متروك لواشنطن، وان حاول فابيوس، وخلال المفاوضات النووية، تقمص شخصية تاليران اوميترنيخ (وكانا نجمي مؤتمر فيينا عام 1815). هي التي ترسم المعادلات، والتوازنات، بعدما تغيّرت خارطة القوى كثيرا من ايام جون فوستر دالاس الذي كان يعتبر ايران وتركيا واسرائيل بمثابة «الثالوث الاقدس»، الثالوث الاستراتيجي...
لم تعد ايران تأتمر لا بأوامر دالاس ولا بأوامر هنري كيسنجر، فيما تركيا تغرق اكثر فأكثر في مشكلاتها، لكنها تبقى اللاعب القوي. اسرائيل حدث ولا حرج.
الايرانيون يسألون اين مصر؟ يمدون ايديهم الى القاهرة لان لهم نظرتهم للمعادلات والتوازنات. كل ما في الامر اننا امام مفترق. ما حال العرب؟ اطباق بشرية على الطاولة...
الديار - نبيه البرجي