دام برس :

غريب عندما يحاول "المجتمع الدّولي" الفصل بين تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" في سوريا، وتسويق "فكر النصرة" القريب من التنظيم الإرهابي أصلاً، على أنه فكر "معتدل" قابل للتطويع في المستقبل السوري، فهو يسعى "المجتمع الدولي" إلى خلق نوع من "القبول اللا إرادي" عند المتابع لمجريات الأحاث في سوريا، على أن النصرة تحارب تنظيم داعش الذي جاء وتشكّل لـ"هدم ماتحاول الثورة بناؤه"، وبدأ أيضاً التحضير لفصل "كتائب النصرة" المتعددة عن بعضها، في اللحظة التي تتوافق فيها "دول الأزمة السورية" أو قناعتها بقرب "سقوط النظام السوري" لتكون تلك الكتائب والألوية "المعتدلة" ضمن المنطق الدولي، هي البديل عن النظام السوري ضمن تقسيمات مناطقية وطائفية تحدد مستقبل سوريا على شاكلة "الدولة اللبنانية" كأقرب مثال على سوريا، أو "العراق" أيضاً. لكن دائماً مايكشف الميدان السوري عكس ماتحاول تسويقه تلك الدول، وتعيد الميليشيات إلى "حقيقتها" أمام أي اختبار ميداني تخوضه تلك الميليشيات في المناطق السورية، حيث ترى التناغم والتماهي وتقسيم الجبهات بين داعش والنصرة، فتارةً تنتصر النصرة على جبهة بالوقت الذي يخسر داعش جبهة، وتارةً أخرى يكون العكس، تماماً كما يحصل اليوم من أقصى الجنوب السوري مروراً بالقلمون وريف حمص الشرقي وصولاً إلى إدلب والحسكة .. فتلك هي جبهات التقسيم "الحقيقية" بين النصرة وداعش، أما حلب فهي جبهة تركية مرجعيّتها قيادية ممثّلةً بـ"أردوغان" الذي يعيش اليوم على حلُم الدولة العثمانية وأمجادها في سوريا ..

ففي الوقت الذي كانت فيه "جبهة إدلب" تأخذ وقت الإعلام العربي في نقاش ماهية هذا "النصر المؤزّر" الذي حققته "النصرة" على الجيش وسيطرتها عليها كاملاً، كان داعش يجهّز لضرب منطقة أخرى ترد له الاعتبار عن هزيمته في الحسكة ودير الزور وجبل الشاعر في ريف حمص الشرقي، ليقوم بهجوم "كثيف" على "المبعوجة" إحدى قرى ريف السلمية الشرقي متسللاً تحت جنح الظلام، ويرتكب فيها مجزرة راح ضحيّتها أكثر من 40 شهيد من المدنيين غالبيتهم أطفالاً ونساء ومسنّين، الذين استهدفهم أثناء محاولتهم الفرار إلى قرى قريبة من "المبعوجة"، فذبح بعضهم وحرق آخرين أحياء، والذين لم تطالهم سكاكينه طالتهم رصاصات رشاشاته وقناصاته، بينما حاول الابتعاد عن الاشتباكات قوات الدفاع الوطني ووحدات الجيش السوري عبر التخفي وراء المدنيين الذين كانوا "دروعاً بشرية له" ومن ثم ضحاياه.

مافعله التنظيم أمس، جاء بعد سيطرة "النصرة" على إدلب، والتي تنادي اليوم كل "الثوار" بتقديم الدعم لها في قلب المدينة، بعد أن اكتشفت أنها دخلت فخاً نصبه الجيش السوري لها بعد أن حرّضها وخلاياها النائمة في أطراف المدينة وقلبها، واستجرّهم إلى قلب المصيدة عبر انسحاب قلب موقف الجيش السوري من مدافع إلى مهاجم، فالنصرة التي تعاني منذ ثلاث ايام من صواريخ الجيش السوري وغارات سلاحه الجوي المركزة في قلب المدينة، فهمت أن الدولة السورية قامت بإجلاء كل قواتها مع المدنيين بالوقت الذي قامت فيه مسبقاً بتحصين مواقع لها في ريف المدينة، بعكس ماكانت تعتقد تلك الميليشيات المدعومة من تركيا، والتي كان لها النصيب الأبرز في "الخازوق" الذي فصّله الجيش السوري لها بهدوء، حيث دفعها لوضع كل إمكانياتها الاستخباراتية والعسكرية بيد الميليشيات ومن ثم إيهام السوريين بتحقيق نصر في إدلب مايضعف موقفهم تجاه الدولة السورية، لكن ماحصل كان العكس تماماً، واكتشفت تركيا أنها وقعت في مأزق خلاصته أن الدولة السورية استجرت كل القوات الإرهابية إلى قلب إدلب وجمّعتها تحت صواريخها بدلاً من انتشارها في محيط المدينة ضمن عدّة قرى تستهدف من خلالها المدنيين بالصواريخ وقذائف الهاون كما حصل في الأسابيع الماضية ..

لا شك أن لتنظيم داعش مصالح في السيطرة على طريق "سلمية –حلب" بعد السيطرة على مجمع القرى المحيطة بذلك الطريق، فهو يريد أيضاً قطع أي طريق إلى الرقة وعزلها تماماً تحت سيطرته، وبالتالي يقطع طريق الدعم مع حلب في "خناصر وأثرية"، لذا سيكرر هجماته بشكل دوري، لكن مبدئياً كل هجماته لن تكون بهدف السيطرة المطلقة بل بهدف استنزاف القوات المنتشرة في ريف سلمية الشرقي وزرع الهلع والخوف في نفوسها، من خلال عمليات الذبح والحرق التي يخلّفها ورائه بعد كل "غزوة"، كما حصل منذ أسبوع في "الشيخ هلال" عندما قام بقتل وذبح وحرق العشرات من أهالي المنطقة والقوات المدافعة عنها، ومن ثم قام بالانسحاب رغم الخسائر التي تكبدها والتي قاربت الـ400 قتيل ويزيد، أيضاً أمس تكبّد العشرات من القتلى في صفوفه بينما فر من تبقى منهم باتجاه "الرقة" التي عادةً مايقوم بالهجوم على ريف سلمية الشرقي انطلاقاً منها، أو انطلاقاً من جهة صحراء تدمر، حيث قارب الجيش السوري إنهاء تواجد داعش في المنطقة بعد إحكامه السيطرة على كامل منطقة جبل الشاعر "النفطية والغازية" باستثناء البئر "105" الذي فرضت القوات السورية عليه طوقاً محكماً بانتظار ساعة صفر تحريره.

ماحصل في الأسابيع الماضية عندما هاجمت النصرة قرية "الكافات" في ريف سلمية الغربي، ومن ثم هاجم "داعش" في اليوم التالي قرية "الشيخ هلال" في ريف سلمية الشرقي، وصولاً إلى ماحصل أمس، يُنذر بأن النصرة وداعش بدأا بشكل حقيقي بالتخطيط لهجوم واسع على مدينة السلمية لأهميتها الاستراتيجية لهم، وأنهم اليوم يقومون بعمليات "استنزاف" و"جس نبض" لا أكثر، والتي في حال "السيطرة" عليها، يعني أن كل الطرق باتجاه المحافظات السورية الوسطى والشمالية والساحلية باتت بيد التنظيمات الإرهابية، وهذا ماسيكل خطر حقيقياً على الدولة السورية التي نفهم جيداً أنها لن تسمح بذلك، وأن أهل مدينة السلمية وريفها منعوا منذ بداية الأزمة استثمار "استراتيجية" المدينة في الأزمة السورية، وقدموا الكثير لحماية تلك الطريق التي لاتعد خاصرة رخوة لكن "العين مفتوحة عليها"، لذا يتوجب على الدولة السورية التحرك لزيادة تحصين تلك المنطقة التي تعتبر رئة مدينة حلب الوحيدة، كما هي الرئة الاقتصادية والمعيشية الوحيدة لريف حماة وإدلب والساحل، والأهم من ذلك هي طريق الرقة الوحيد في العودة إلى الوطن وتحريرها من رجس تنظيم داعش الإرهابي.

عربي برس - ماهر خليل