دام برس :

أعاد تنظيم "داعش" حقل الشاعر في بادية تدمر "شرق سوريا"، إلى الواجهة الإعلامية من جديد، بعد هجومٍ نفّذه ظهر أمس الثلاثاء على نقاط الجيش العربي السوري المكلّفة بحمايته، انتهى بسيطرة التنظيم على ثلاثة آبار محيطة بحقل الشاعر هي الحقل "101 – 102 -103"، إضافةً إلى سيطرته على تل "السيرياتيل"، بعد أن نفذت وحدات الحماية انسحاباً منتظماً من أماكن انتشارها أمام هجوم هو الأعنف للتنظيم على الحقل، حيث قدّر أعداد المهاجمين بـ1800 عنصر مزوّدين برشاشات متوسّطة وخفيفة، ترافق ذلك مع إمطار الحقل بعشرات القذائف الصاروخية.

يعتبر حقل الشاعر من حيث الأهمية الاقتصادية، أكبر حقل يمدّ الدولة السورية بمادة الغاز، إلا أن موقعه بين بادية تدمر وريف حمص الشرقي، جعله عرضة لهجمات عدّة من قبل تنظيم "داعش"، حيث كان آخر هجوم عليه في 19/7/2014، بعد أن ارتكبت مجزرة مروّعة راح ضحيّتها مايقارب الـ300 بين مدني وعسكري أغلبهم من موظفي الحقل، إلا أن الجيش السوري استعاد السيطرة عليه بعد فترة وجيزة وكبّد التنظيم خسائر فادحة، وأبعدهم عن الحقل ما يقارب الـ2 كم، إلا أن خطورة الموقف لم تنتهي مع استمرار الاشتباكات بمحيط الحقل بين الجيش السوري وميليشيا "داعش" انتهت منذ أكثر من أسبوع تقريباً بسيطرة وحدات الجيش على الآبار 110 و 112 و107...

كثيرةٌ هي الأسئلة والاستفسارات التي رافقت ما حدث أمس حول توقيت "الهجوم الكثيف" الذي شنّه التنظيم وإصراره على السيطرة على الحقل الغازي، خاصّة وأن طيران "التحالف الأميركي" كان قد استهدف بغاراته "مصافي نفط" بدائية تابعة للتنظيم إضافة إلى حقول نفطية في دير الزور والرقة كان التنظيم يتّخذ منها مركزاً لإتمام صفقاته "النفطية" مع تركيا وإقليم كردستان وإسرائيل وغيرها من الدول الغربية التي كانت تشتري منه "النفط المسروق" بأبخس الأسعار، فهل يسعى التنظيم إلى تطوير تجارته الغير شرعية من خلال السيطرة على أكبر حقل غاز في سوريا، أم أن واشنطن وحلفائها إضافة إلى دول التجارة الغير شرعية، هي من دفعته للسيطرة بأي سبيل على الحقل الغازي لتسجيل نصر يخفي خلفه "خفايا الضربات الأميركية وحلفها على مواقع التنظيم"، و"علاقتها الإعلامية المتوترة مع تركيا"، أم هو "نصر" بديل عن "هزيمة" عين العرب ..؟؟

في الحقيقة، إن الهجوم على منطقة الشاعر والاستيلاء عليها هو هدف أبعد من مجرد السيطرة على حقل للغاز. فقيادة "داعش" تسير وفق إستراتيجية واضحة تتمثل في تعزيز السيطرة على الأراضي التي تعتبر بمثابة "قلب دولتها"، مثل الموصل في العراق، ودير الزور والرقة في سوريا، ومن ثم الانتقال إلى "خلق مناطق تسخين أو توتر على الأطراف البعيدة عن المركز ليبقى القلب محمياً" من أي استهداف مفاجئ.

 ويمكن القول جغرافياً، أن جبال الشاعر تعتبر من أهم حلقات ربط أجنحة الثقل العسكري لـ"داعش" في كل من الأنبار وريف الحسكة وريف حلب وريف حمص والرقة، ما يعني محاولة التنظيم رمي الثقل العسكري على أطراف "الدولة المفترضة" لتأمين مركزها، في الموصل (عراقياً) ودير الزور (سورياً). وللتذكير فإن الهجوم هذا يتزامن مع تقدّم تحققه وحدات الجيش السوري في دير الزور، وهذا يهدد وجود وطموحات "داعش" في المدينة، لذا وحسب رأينا أنه كان مطلوب من التنظيم "تشكيل هجوم باتجاه الحقل الاستراتيجي كمحاولة لإشغال الدولة السورية عن مراكز قوّتها في الشرق السوري"، ريثما تُعيد هيكلة نفسها هناك علّها تعيد زمام المبادرة على الأقل في "دير الزور"، وتحمي نفسها من "ضربات التحالف" لمواقعها في الرقة، علماً أن ضربات التحالف ومنذ أكثر من شهر من بدئها لم تحقق أي نتائج حقيقية على الأرض، فـ"داعش" الذي هاجم "حقل الشاعر" أمس شكّل هجومه من فوق الأرض وليس عبر أنفاق .. فأين كانت طائرات التحالف في هذا الوقت إن كانت فعلاً جدية بالقضاء على "داعش" ..؟؟

سلاح الجو السوري منذ مساء أمس لم يفارق سماء منطقة الشاعر، وساهم بشكل كبير في إيقاف تقدّم الحشد الداعشي باتجاه حقل الغاز إلى جانب قوات الحماية الذي فقدوا مايقارب الـ15 شهيداً بحسب ما نقل ناشطون، بينما سقط للتنظيم مايقارب الـ200 وعشرات الجرحى، مع بقاء مركز الحقل بيد الجيش العربي السوري وعدّة آبار أخرى، لكن في المحصّلة، نستطيع القول أن "داعش" في هجومه أمس أثبت أمرين باتا من المسلمات هما: 1- أن التنظيم يتحرك بعيون "التحالف" وتحت إمرتهم في كل مرّة توجّه له ضربة عسكرية في جبهة ما، وهذا ماحصل له في "عين العرب" و"دير الزور".

2- كان مطلوب من التنظيم أن يوجّه ضربة كبيرة للدولة السورية من خلال الدخول إلى الحقل و"تفجيره"، لأن دخوله السابق لم يكن بهذه الغاية أساساً بل كان بهدف "الاستثمار"، إلا أن استماتة الدولة السورية في إعادته أكّد للتنظيم الإرهابي أن فرصة بقائه فيه كما في حقول أخرى هي ضئيلة جداً، وأن الدولة السورية قادرة على جمع قوة عسكرية وتوجيهها إلى الحقل لتحريره خاصة وأن موقعه الجغرافي يأتي في صالح الدولة السورية كونه يقع على أرض منبسطة مكشوفة، لذا نعتقد أنه قرر هذه المرة الدخول إلى الحقل بهدف "تخريبه كلّياً" لمنع الدولة السورية من الاستفادة منه لو لفترة قصيرة مع اقتراب "الشتاء". خاصة على صعيد قطاع الكهرباء، بسبب اعتماد هذا القطاع على الحقل في إنتاج ما يقارب 3 مليون متر مكعب من الغاز، يذهب مجملها إلى إنتاج الكهرباء.

عربي برس