Logo Dampress

آخر تحديث : الأربعاء 24 نيسان 2024   الساعة 18:38:27
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
المعركة نحو الطبقة لهذا السبب توقفت؟

دام برس :

في تفاصيل أي معركة مهما كان زمانها ومكانها، غالباً ما يكون النصر أو الخسارة أوضح السمات وأبرزها، لا وجه آخر يعوم فوق رماد النهايات، في الحرب لا مكان لأنصاف انتصار أو خسارة.. لا مكان لعنقاءٍ، تولدُ من تحت الرماد.

كل هذا فيه من الصواب الكثير، لكن في حسابات الحرب السورية هناك وجهٌ آخر، قد لا يشبه في تفاصيله أي حرب مضت.. في سوريا، للحرب حسابات أخرى قد تفرضها لعنةُ الجغرافية.

في الثاني من شهر حزيران أعلن الجيش السوري عن بدء معركة الرقة من محور «اثريا ـ الطبقة» مدعوماً من قوات «صقور الصحراء»، و«نسور الزوبعة»، و«مغاوير البحر». في الحادي عشر من شهر حزيران حققت القوات الرديفة تقدم كبيراً على محور «الرصافة ـ الطبقة»، وصولاً لمسافة لا تبعد أكثر من 20 كيلومتراً عن مطار الطبقة العسكري. في الحادي والعشرين من ذات الشهر غاب كل شيءٍ عن السمع، و أُعلنَ عن تراجع القوات السورية إلى محور «أثريا ـ الرقة»، نقطة البداية.. فما الذي جرى؟

تختلف قصص العائدين من جبهات القتال في سوريا، حال الجنود هناك كحال كل أبناء الشام، كلٌ يرى الحرب من زاويةٍ مختلفة. «احمد»، اسم وهمي لمقاتل خبر معركة الرقة حتى النهاية، وإن لم يكن للمعركة بداية كما يقول: «عند لحظة الوصول الأولى لم أشعر بانتصارٍ قادم ولو بعد حين».

هذا كان أول الكلام. غريبة تلك الملامح التي رُسمت على وجه مقاتلٍ قاتلَ حتى اللحظاتِ الأخيرة. قاطعته بـ «كيف» الفضولية، وأتبعتها، بلم أفهم ماذا تقصد، كل المعطيات حينها كانت تُشير إلى نصرٍ محتوم، العتاد والآليات وكل شيء كان جيداً أليس كذلك؟

ردّ لي «احمد» المقاطعة بمثلها: «ذلك لم يكن حال الظهير في المعركة، فمن أوكلت لهم مهمة التثبيت على طول خط أثريا ـ الرقة، لم يحظوا بأي شيء مما ذكرت، أو على الأقل لم ينالوا الجيد منه». يصمت قليلاً كمن غافله الموت فجأة، كمن خسِرَ زمانه ونسي كل حروفِ اسمه «يبدو أن هناك من يريد إغلاق جبهة القتال وإعادة فتح الطريق، فعمل على تشتيت وإضعاف الجنود المستقدمين لتثبيت النقاط المستعادة.. ليكونوا فخ إنهاء المعركة وإغلاق جبهاتها، الأمر الذي سيجبر القوات المتقدمة في العمق «صقور الصحراء»، و «نسور الزوبعة»، و «مغاوير البحر»، على الانسحاب».

فتح المعركة على محور «أثريا ـ الرقة» يعني إغلاقه بالكامل أمام عمليات التبادل التجارية الحاصلة لجهة تأمين النواقص من المواد والمحاصيل الزراعية ومشتقات النفط من الرقة إلى باقي المحافظات، كما يعني إيقاف عمليات التهريب المربحة والسرية على ذات الطريق، أي أن هذه المعركة ستنهي عمل تجار الحرب ومستغليها.

رتابة الفساد وتنظيمه ذهابا وإياباً على طول طريق «أثريا ـ الرقة» قبل إعلان بدء المعركة وما يرافقه من ربح خيالي، تجعل من واقع قبول إغلاقه لصالح فتح معركة الرقة أمراً مستغرباً على أقل تقدير، تجارُ الحربِ يمتلكون سطوة مالٍ وخبرة كبيرة داخل سراديب الفساد، فلماذا يقفون من دون حراك، أي مصلحة مشتركة قد جمعت، تجار الحرب بمفسديها؟

كل شيء حينها لم يوحِ أن هناك من معترض أو ساعٍ لمنع بدء المعركة، القوات الرديفة تصل إلى محور خناصر، محمّلة بنصر كانت قد تقاسمته مع وحدات الجيش على جبهات ريف اللاذقية الشمالي، تم التنسيق مسبقاً لمعركة الرقة، أُغلق المحور وبدأ القتال بتقدم ملحوظ وسريع لقوات «صقور الصحراء»، و«نسور الزوبعة»، و«مغاوير البحر». الأيام العشرة الأولى شهدت معارك شرسة تبعتها عمليات استقدام لحوالي ألف جندي بهدف تثبيت النقاط المستعادة.. وهنا تحديداً، بدأت تفاصيل مكرِ تجارِ الموت تظهر كأكثرِ الألعابِ دهاءً، يقول «أحمد».

توزعت القوات المستقدمة على طول طريق «أثريا ـ الرقة» بهدف تثبيت التقدم الحاصل ولتكون ظهيراً متيناً يمنع أي محاولة التفاف لتنظيم «داعش» الإرهابي، إلا أن اليوم الذي تلا الوصول حمل معه ما سماه البعض من الجنود، سباق التحمل و «التطفيش» لهذه القوات بهدف منع صمودها.. فحالُ الألفِ جندي والذينَ تم استقدامهم ليكونوا ظهير القوات المقاتلة في العمق، لم تكن كما يفترض بها أن تكون، وكأن هناك من تواطأ مع تجار الحرب بهدف إيقاف تقدم قوات «صقور الصحراء» و«نسور الزوبعة» و«مغاوير البحر».

التأخير في وصول وجبات الطعام المخصص للقوات المستقدمة لم يكن من باب الصدفة، فقد تجاوزت مدته الأيام، الكميات المقدمة كانت أقل بكثير من الأرقام المخصصة للجنود. من الممكن أن نسمي ذلك سوء تنسيق لو انه ظهر بشكل متقطع أو محدود، لو أنه لم يترافق مع إهمال للحالة المعنوية والعمل على كسر الهمم، والدفع في بعض الأحيان إلى التحريض.. يضيف مقاتل آخر.

كل هذا ترافق مع نقص في العتاد وتوزيعٍ لآليات شبه معطلة، حتى أن بعض مهمات الدبابات توزعت بحسب العطب والعطل فيها وفق ما يخبرك به من اعتلى بعضها، الدبابة المعطوبة السلاسل ليست للحركة هي بمثابة المدفع الثابت، الدبابة سليمة السلاسل معطوبة الرماية خصصت لتكون منطلقا للرمي المتحرك بالرشاشات أو للتنقل وللإسعاف.

درجة الحرارة لم تكن أقلَ تواطُؤاً من مخطط «التطفيش»، عدد الجنود على نقاط التثبيت انخفض إلى النصف تقريبا، البقاء بالنسبة لبقية الجنود كان كما لو أنه رهانٌ على الهزيمة، وكأنه سباقٌ لاختبار المقدرة على مدة التحمل أو المكوث، يراد من تحقيقه، ليس فقط إنهاء المعركة بهزيمة سريعة تفتح الطريق مجدداً أمام تجارة «اللعب بالنار».. بل لتكون معركة تنهي مع نهايتها أي فكرة مستقبلية قد تعيد فتح جبهة «الرقة ـ خناصر» مجدداً، أو تجعل منها على الأقل، آخر جبهات القتال مستقبلاً، وفق أسوأ الاحتمالات.

أدرك عناصر «داعش» الإرهابي أو علموا تسريباً، أن عدد القوات المستقدمة والمرابطة عند نقاط التثبيت في الخلف قد انخفض إلى النصف تقريباً، وأن من تبقى منهم قد أُضعف بشكل كبير، هاجم التنظيم القوات الأمامية «صقور الصحراء»، و «نسور الزوبعة»، و «مغاوير البحر» من الخلف، في عملية التفاف تهدف إلى محاصرة هذه القوات، مستغلين الانهيار المسبق للقوات المرابطة على نقاط التثبيت، الأمر الذي أدى في النهاية إلى انسحاب القوات السورية والعودة إلى نقطة البداية محور «أثريا ـ الرقة».

في الحرب السورية، تختلف الرؤى ويبقى الدم واحداً، بعض العائدين من معركة الرقة يرى فيها مشهداً اعتاد فيه دور البطولة أو الضحية، بعض الفارين يحدثك عن أعذارٍ لا يمكن نكران واقعية وجهتها وإن كانت هرباً.. وهناك من المهزومين من يحمل عذراً بحجم انتصار.

انتهت المعركة، خطة تجار الحرب والأزمات نجحت، الطريق عاد إلى حاله قبل فتح جبهة الرقة، القوافل عادت إلى المسير ذهابا وإياباً وكذلك التهريب سراً، كل شيء عاد كما كان، وحده الموت بقي تحت التراب كشاهدِ زورٍ، غاب كما الحقيقة.. حالهُ، حالُ الوجهِ الآخر للحرب في سوريا.

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz