دام برس:

ضربة موجعة تعرضت لها الفصائل الإرهابية في الغوطة الشرقية أمس، بعد أن استكملت وحدات الجيش السوري طوقها الناري على بلدة دير العصافير "معقل جيش الإسلام سابقاً وعصب جيش الأمة لاحقاً قبل أن تسيطر عليها جبهة النصرة"، إضافةً إلى زبدين تلك البلدة التي كانت تعتبر بالنسبة لـ"فيلق الرحمن" القلعة الحصينة بالشكل، ولكن مصنوعة من الرمال عملياً، عندما تسابقت مع دير العصافير وثماني بلدات أخرى على السقوط أولاً بيد وحدات الجيش السوري التي بدأت طلائعه تدخل منافذ عمق الغوطة الشرقية "معقل زهران علوش" سابقاً بعد السيطرة على مطار مرج السلطان ولاحقاً على بلدات الركابية وبزينة، التي شكّلت لوحدات الاقتحام خطوط نار طويلة تطال بعد السيطرات الأخيرة أي نقطة يريدها الجيش في الغوطة، فيما يبدو أن الخناق صار أضيق على دوما، التي تحاول اليوم صد هجمات "حلفاء الأمس" عليها، حيث تستعد لرفع "الراية البيضاء" بأي لحظة، إن لم يكن أمام "جبهة النصرة وفيلق الرحمن وجيش الأمة"، سيكون حتماً أمام الجيش السوري الذي أصبحت راياته ظاهرة جلياً لأهالي المدينة "المخطوفة" قسراً ..

العمليات العسكرية الجارية في عمق الغوطة الشرقية، لاشك لها بُعدها الاستراتيجي والعسكري، لكن بالمقابل، جاءت بعد عمل استخباراتي طويل نفّذته وحدات أمنية سورية متخصصة في العمل خلف خطوط العدو، حيث كان لها اليد الطولى في تجهيز المناطق المعادية للسقوط بأي لحظة. حتى جاءت "ساعة الصفر"، لتنهار معها كل أحلام "إمارة علوش الإسلامية" على تخوم العاصمة دمشق. لكن ومع ذلك، هناك أسئلة لابد من طرحها عن "السر" الذي يقف وراء هذا السقوط المدوّي لتلك المناطق التي تسمّى وفق العلم العسكري بـ"القواعد"، فهل لأموال آل سعود أي دور في هذا السقوط المتتالي؟

لاشك أن جيش الإسلام الذي كان يعتبر الذراع السعودي العسكري على تخوم دمشق، قد اعتمد منذ نشوئه وحتى قبيل بدء عملية السقوط على الأموال والأسلحة القادمة من الرياض عبر تركيا والأردن، والجميع يذكر الاستعراضات العسكرية التي كان يقوم بها لجذب أكبر قدر من "التمويل السعودي" لهذه الجيوش التي بدت "أوهن من خيط العنكبوت" خاصةً بعد مقتل زهران علوش بغارة لسلاح الجو السوري أواخر العام الماضي، هنا بدأت الشبكة الإرهابية التي بناها آل سعود على أسوار دمشق بالتفكك، وبات من الطبيعي أن تظهر قوى أخرى نافست جيش الإسلام سابقاً على السلطة، لكنها وعلى مايبدو لم تستفد من الأموال الخليجية كثيراً، فالتفتت إلى اقتناص ماجمعه جيش الإسلام خلال سنوات "ثورته"، لتبدأ معها معارك جانبية بدأت صغيرة ثم بدأت بالتضخم لتصل إلى مرحلة قتال الأحلاف للأحلاف، هنا كان الجيش السوري يرمم "بنوك معلوماته" عبر العمل الاستخباراتي الذي أوعز له فيما يبدو إلى توجيه الضربات الأولى "الخاطفة"، ولتبدأ معها مدحلة الجيش بالحراك السريع نحو عمق الغوطة، يعني إلى قلب قلعة الإرهاب "الرملية"، التي ما لبثت أن بدأت بالانهيار السريع، بالوقت الذي حافظ فيه الجيش السوري على هدوئه وحذره بالتقدّم، إضافةً إلى اعتماده سياسة "التثبيت" الدائم في مناطق سيطرته، مايفقد العدو عنصر الهجوم المعاكس أو "المباغت"، وهذا ما شهدناه مذ سيطر الجيش على مطار مرج السلطان وبلدته ومن ثم الركابية التي تعرضت لعشرات الهجمات كلفت فيها العدو خسائر كبيرة بالأرواح والعتاد.

قتال الأحلاف في الغوطة الشرقية، كلفهم أكثر من "1000 قتيل"، وفتح المجال للجيش السوري لـ"جس نبض" العدو في الغوطة الغربية، من مدينة داريا وحتى خان الشيح، والتي على مايبدو أنها تنتظر عملاً عسكرياً واسعاً خلال فترة وجيزة، خاصة أن الغوطة الغربية تبدو التنظيمات الإرهابية التي يسيطر عليها "النصرة" متماسكة أكثر من الغوطة الشرقية، لكن عملية "جس النبض" التي جرت منذ يومين، أظهرت سريعاً نقاط ضعف وقوة هذه الجبهة، ما دفع القادة الميدانيين للتمهّل في العملية العسكرية ريثما تنتهي عمليات الغوطة الشرقية.

من المنطقي اليوم القول، بأن التنظيمات الإرهابية في محيط العاصمة دمشق قد خرجت من حسابات رعاتها، حيث تركت لمصيرها المجهول إما بالإقتتال "الداخلي" فيما بينها، أو لمصيرها أمام تقدم الجيش العربي السوري الذي يُظهر حسماً لقراره في تلك المناطق، فالسعودية التي تعاني من عثرات ميدانية في اليمن وسورية، وعثرات سياسية مع حليفها الرئيسي "الولايات المتحدة"، تعاني اليوم أيضاً ضائقة مالية كبيرة قد تكون أحد الأسباب التي دفعتها إلى التوقف عن تمويل تلك التنظيمات الإرهابية التي اعترفت الأسبوع الماضي أن "الرعاة" توقفوا عن إرسال الإمدادات العسكرية والمالية، بالوقت الذي بدأ فيه الجيش السوري الذي أبدا قدرة كبيرة على "تجديد نفسه" خلال السنوات العجاف التي مرت على سورية، أبدا قدرة على خوض معارك اعنف من سابقاتها، فداعش مثلاً، اعترف منذ يومين بعدم قدرته على تحقيق أي تقدم في "دير الزور"، وهذا مايمهّد لتجميد عملياته بالمدينة، كما أن عملياته الإرهابية في ريف حمص الشرقي وامتداد البادية السورية، قوبلت هذه المرة بعملية عسكرية أوسع للجيش السوري، وخاصة على جبهة "جبل الشاعر"، حيث حُرم التنظيم من أي راحة في المنطقة حتى أنه بات غير قادر على الدفاع عن مناطق سيطراته "الجديدة" أو القديمة..

تتغير خرائط السيطرة سريعاً لصالح الجيش في غوطة دمشق، لكن مايمكن قوله حتى اللحظة، أن الجيش تمكّن من بناء قاعدة انطلاق جديدة لقواته في الغوطة ابتداءاً من جنوبها، الذي بات بشكل شبه كامل بين يدي القوات السورية، وبينما تتركز اشتباكات "الأحلاف" في النصف الثاني من الغوطة الشرقية، يبدأ الجيش السوري التجهيز للمرحل الثانية من عملياته والتي بحسب مراقبون وبعضاً من المعلومات، فإن المرحلة الثانية ستكون ذات جزئين، أحدهما في النصف الثاني للغوطة الشرقية، والآخر للغربية.

متابعة - شبكات أخبار سورية المتحدة