دام برس:

ما تشهده المنطقة الشمالية من اشتباكات بين اسرائيل وحزب الله، هي بداية متقدمة لتطورات قد تنسحب تداعياتها على ساحات مجاورة وأبعد من ذلك.. وهذا ما يفسر حالة شد الأعصاب ووضع الأيدي على القلوب في أكثر من عاصمة، وعمليات زرع العبوات الناسفة واستهداف الجنود الاسرائيليين ليست هي الرد الرئيس على غارة القنيطرة، وربما تكون التسخين لمواجهات قادمة قد تأخذ اشكالا مختلفة، وما يحدد ذلك هو طبيعة الردود الاسرائيلية وحساباتها، اضافة الى أن صناع القرار في اسرائيل ترتبط خطواتهم بالعوامل والأجواء الانتخابية، توسيعا لدائرة الاشتباك ونوعيته، أو الذهاب لفترة ما الى هدوء تفرضه عوامل كثيرة، وترسمه العديد من المعطيات.
أما بالنسبة لحزب الله ، فهو حذر من خطط استدراجه ، لذلك، العمليات الاخيرة كانت محدودة للغاية ، ولم تكن الرد المتوقع على غارة القنيطرة، ولن تكون بداية الاشتعال. فالحزب لن يسمح لاسرائيل بأن تحدد مكان وتوقيت المواجهة الواسعة، لكن، اذا فرضت عليه سيدخلها مستعدا دون انزلاق وهذا في حال ردت اسرائيل في تصعيد متعمد، مستندة قيادتها الى اعتبارات انتخابية.
وتقول دوائر سياسية لـ (المنــار) أن الظروف التي تمر بها المنطقة، واستغلال اسرائيل لها، لا يعني أن حزب الله سيبقى منتظرا الى أن تستبيح العصابات الارهابية بدعم اسرائيلي مباشر ساحة لبنان، والمنطقة الشرقية الجنوبية تحديدا، فهو على استعداد لخلط الأوراق افشالا لمخططات اسرائيل وداعميها في المنطقة.
وتضيف الدوائر أن ساحة الاشتعال في حال اتسعت المواجهة لن تبقى محصورة في منطقة الحدود الشمالية، فهناك ساحات قابلة للاشتعال بعود ثقاب، وهذا عامل يضاف الى الأوراق التي يمتلكها حزب الله، دون استبعاد العامل الايراني، من التطورات الحالية والمرتقبة، وتعتقد الدوائر أن اسرائيل اذا لم تعد حساباتها واستمرت في مزج العامل الانتخابي بعامل استغلال ظروف المنطقة، فان أية جهة لن تضمن عدم خروج الامور عن السيطرة، فحرب واسعة غير مستبعدة، وكل ساحة من ساحات ميادينها لها عواملها ومصالحها الخاصة.
وتتوقع الدوائر، أن تشهد بعض الساحات تطورات مرتبطة بشكل أو بآخر بما يجري على الجبهة الشمالية بين سوريا ولبنان من جهة واسرائيل من جهة ثانية، وهذه التطورات متفاوتة من حيث الحدة والشكل ودرجة الاتساع، وحجم الأخطار.
في اسرائيل، يقول المراقبون أن هناك خلافات في الرؤية وتقدير المواقف وطريقة اتخاذ القرارات بين المستوى العسكري وبنيامين نتنياهو، فجهات عديدة داخل اسرائيل ومنها دوائر عسكرية حذرت نتنياهو من مغبة اشتعال الجبهة الشمالية، وابعاد المسائل الأمنية عن المصالح والاجواء الانتخابية، واذا ما استند نتنياهو في مواقفه من الاجواء المتوترة في الشمال على البعد الانتخابي فان الهوة والفجوة سوف تتسع بين المستويي العسكري والسياسي، أما بالنسبة للمواطنين في اسرائيل فهم في قلق متصاعد مذ غارة القنيطرة، ورأوا فيها كسرا لحالة الهدوء التي عاشتها المنطقة الشمالية في السنوات الاخيرة، وبالتالي، اذا ما انفجرت الاوضاع بشكل صعب في الأيام القادمة، فان اقدام الاسرائيليين هي في طريقها الى الملاجىء، وفي هذا معاني كثيرة ودلالات كبيرة..
والسؤال الذي يطرح نفسه، هنا، هو: هل هناك تأثيرات ممتدة في الاتجاهات المختلفة في حال اتسعت دائرة المواجهة. ثم، ماذا عن فرص نتنياهو في الانتخابات النيابية التي ستجري في 17 آذار القادم؟! وأيضا، ما هي مواقف وردود فعل بعض العواصم الاقليمية والدولية من التطورات المتسارعة والمتلاحقة على الحدود السورية اللبنانية الاسرائيلية.
الدوائر السياسية ، ترى أن اتساع المواجهة قد تشكل فرصة لبعض الاطراف لاشعال ساحات لييست بعيدة عن دائرة الصراع، وهي ساحات فيها الكثير من الاختراقات والامتدادات ، وقد يعيد هذا الاتساع عملية بناء المحاور والاصطفافات.. من حيث الارهاب ورعاته والمصالح الامركيية وقدرة الدول الخليجية على الاستمرار في سياسة المعاداة للامة، والواقع الميداني في سوريا حيث يواصل الجيش السوري تعقبه للمجموعات الارهابية. دون تجاهل تطورات الاحداث في ليبيا واليمن ومصر، وميدان اعداد الارهابيين وتدريبهم في الاراضي الاردنية، ومواقف الاحزاب اللبنانية المؤيدة للسعودية والرافضة لمواقف وسياسات حزب الله، لكن الواضح بقوة أن التطورات الأخيرة على الحدود الشمالية لاسرائيل، سواء توقفت عند الحد الذي وصلت اليه، أو اتسعت رقعة المواجهة ، فان هذه التطورات أبعدت فرص فوز نتنياهو في الانتخابات المرتقبة ، وفتحت الابواب لخصومه للتقدم نحو دفة الحكم.
ويرى بعض المراقبين أن المواجهة في حال اتساعها بين حزب الله واسرائيل، فان كل الاهداف مباحة، وأساليب الصراع مسموح بها، وصعوبة حصر امتداداتها وتطوراتها، بمعنى أن هذه المواجهة ستكون نتائجها مفصلية، وهي كسر عظم، فهي مواجهة ان جاذ التعبير، حرب ونزال بين محورين في المنطقة، محور المقاومة الذي تقوده ايران ويضم سوريا وحزب الله، ومحور اسرائيل ودول الاعتدال وعصابات الارهاب الممولة خليجيا وتركيا ، بمعنى أن النتائج ستكون كبيرة وخطيرة وهامة، ترسم معادلة جديدة على امتداد المنطقة الشرق أوسطية، وبشكل خاص المنطقة العربية التي تتعرض منذ سنوات لحرب ارهابية كونية تتركز بحقد في الاراضي السورية. معادلة، تفكك تلك الخيوط المربوطة بين اسرائل ودول عربية خليجية وغيرها، التي حولت هذه الدول الى مجرد أدوات واجهزة استخبارية في خدمة اسرائيل، مشاركة في حروبها ضد سوريا وفلسطين وحزب الله ولبنان، وتقود حملة تحريض واستعداء ضد ايران.
هذه المعادلة الجديدة التي يسعى محور المقاومة لرسمها، بعد أن أخذ في الحسبان كل عوامل النجاح، رغم حالة الضعف والعجز التي تعيشها دول المنطقة.
معادلة، ستدفع الولايات المتحدة الى التعاطي مع هذا المحور المؤثر الذي واجه بصلابة مخططات ومحاولات كسره وانهائه.
المنار المقدسية