الرئيسية  /  تحقيقات

الأسد أو نحرق البلد .. فضيحة أخرى للإعلام الغربي تكشفها دام برس


دام برس –خاص -  مضر ابراهيم :

"الأسد .. أو نحرق البلد!"  .. ليس من الغرابة بمكان أن تكون تلك العبارة مضمَّنة في كل الأخبار التي تتناول فيها صحف وشاشات الإعلام الغربي الوضع في سورية، فما من عبارة أخرى تخدم أكثر في سياق عملية الشخصنة والشيطنة التي دأبت عليها مكنة الدعاية الغربية منذ تم قدح شرارة النار الأولى للحرب على سورية عام 2011. ولا يكاد المرء يمر في سنوات الحرب الأولى على خبر يتناول سورية في وسائل إعلام الغرب دون أن تشير الوسيلة الإعلامية نقلاً عن "نشطائها" و "مراصدها" إلى العبارة التي تختزل في ثناياها كل إيحاء يخدم تلك الدعاية.
ما قصة العبارة؟ من يقف خلفها؟ ولماذا؟
كثيرة هي قصص الصحفيين الغربيين الذين تم قتلهم أو خطفهم في سورية في سياق ما يسمى في الغرب بعمليات "الراية المزيفة" التي تعرَّف بأنها تلك العمليات التي تستهدف حلفاء منفذيها أو حاضنتهم أو مناصريهم وداعميهم وذلك بغية تجيير نتائج العملية سياسياً أو إعلامياً. فمن ماري كولفن إلى استيفان ستولوف وجيل جاكيه وغيرهم الكثير من الأسماء الصحفية التي قتلت في سورية تكشف الأحداث والوقائع عن تفاصيل مثيرة وعقل شيطاني غربي لا يتورَّع عن فعل أي شيء مقابل الاستثمار فيه ضد الدولة السورية، ولو اقتضى الأمر حتى قتل مواطنين غربيين.
ولعل ما أفصح عنه الصحفي البريطاني المخضرم وكبير مراسلي القناة الرابعة أليكس طومسون البريطانية والذي غطى حروباً في العالم لمدة 20 عاماً يكشف المدى الذي يمكن أن يذهب إليه العقل الإجرامي للغرب ومرتزقته على الأرض، فقد كتب طومسون على مدونته في موقع القناة الرابعة البريطانية أن ميليشيا "الجيش الحر" المصنَّفة "معتدلة" أمريكياً حاولت قتله عمداً خلال وجوده في القصير برفقة فريق من الأمم المتحدة حزيران 2012 ، و ذلك "لأن قتل صحفي غربي سيكون سيئاً لدمشق". يعلّق طومسون الذي كان يعمل بشكل قانوني في سورية ويضيف: أن تلك المجموعة كانت تعرّف الصحفي بأنه ذلك الذي يأتي تهريباً من لبنان أو تركيا ، و أن تلك لم تكن المرة الوحيدة التي خبر فيها هذا النوع من الأفعال منهم.
وليس بعيداً عن ذلك يكشف مراسل "التايمز" البريطانية أنتوني لويد حقائق مثيرة عن "الثوار المعتدلين" أمريكياً، فالصحفي البريطاني الذي اختطف في سورية بعدما نام مع مصوره جاك هيل في منزل المدعو حكيم أبو جمال أو "حكيم عْنِزَة" كما يُعرف،  يكتشف صدفة أن من قام باختطافه بهدف بيعه وأطلق النار عليه مرتين هو حكيم ذاته .. والأخير أصبح عضواً في جماعة ممهورة بختم "الاعتدال" الأمريكي، و تتلقى الدعم من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية كما يؤكد لويد ذاته في مقاله على "التايمز" البريطانية.
 لكن القصة الأخطر من كل ما سبق بتفاصيلها وأسئلتها تبقى الفضيحة الأشهر لمراسل قناة "إن بي سي" وطفلها المدلل ريتشارد إنجل .. ففي ذروة التصعيد الدولي ضد سورية أواخر عام 2012 وعلى وقع دعوات للتدخل العسكري المباشر وفرض مناطق حظر طيران تطفو على السطح فجأة قصة تحرير نجم شبكة "إن بي سي" الأمريكية ريتشارد إنجل مع فريقه شمال سورية بعد أن أخفت قناته خبر اختطافهم لمدة أربعة أيام وحاولت إجبار موقع "جوكر" الأمريكي الشهير على حذف الخبر الذي أورده عن اختطاف إنجل وفريقه. تقول الرواية التي بقيت ثلاثة أعوام تقريباً أن ريتشارد إنجل تم اختطافه لمدة أربعة أيام مباشرة بعد دخوله الأراضي السورية قادماً من تركيا من قبل من وصفهم لاحقاً بـ "الشبيحة" و "الجماعات الموالية للحكومة السورية" قبل أن يتم "تحريره" و فريقَه على يد تنظيم "أحرار الشام ً" .. و هؤلاء شكرهم إنجل  كثيراً و قال فيهم بالعربية الفصحى ما لم يقله مالك عن الخمرة، و بحضور بطل النواح على الكاميرا خالد أبو صلاح! وهو ذات النّواحة الإعلامية الذي أعول كثيراً على مقتل الصحفية الأمريكية ماري كولفن في بابا عمرو بحمص!
ثلاث سنوات تمرّ على القصة قبل أن تتحول إلى فضيحة من كبريات الفضائح في الغرب، وقبل أن تتصدى صحيفة "نيويورك تايمز" لكشف تفاصيل وطرح أسئلة عن هوية الجهات الخاطفة والمحررة لفريق "إن بي سي" فتضطر الشبكة التلفزيونية الأمريكية ليس إلى التراجع عن روايتها فقط، بل إلى قلبها رأساً على عقب وذلك عبر مقالة خاصة كتبها إنجل نفسه على موقع القناة بعنوان "تفاصيل جديدة حول اختطاف فريق "إن بي سي".

وبعيداً عن اللغة والإيحاءات الطائفية التي استخدمها إنغل في روايتيه يتلخص ما جاء في المقالة بأن إحدى التنظيمات الإرهابية التي تدعمها بلاده الولايات المتحدة الأمريكية هي من قام بخطف فريق "إن بي سي" في كانون الأول 2012 في سورية، وأنَّ ذلك التنظيم "اتبع حيلة متقنة لإقناع الفريق بأنهم جهة موالية للدولة السورية تقف وراء حادث الاختطاف"، ويضيف إنجل أن تلك الجهة الخاطفة لها علاقة بمن وصفهم إنجل بــ"الثوار"، لكنها متغيرة الولاءات .. والأهم، وأن الجهة التي قامت بتحرير الفريق لها صلة أيضاً بالجهة الخاطفة.


ليس اتهاماً أبداً أن نقول الآن أن ريتشارد إنجل كاذب في الروايتين، فكل التصرفات التي قام بها لاحقاً وسابقاً لحادثة الاختطاف المزعومة، وكل الروايات المتناقضة التي أتى عليها خصوصاً في مقابلته باللغة العربية مع المدعو خالد أبو صلاح تؤكد أنه شريك أصيل في تحضير وتنفيذ وإخراج تلك المسرحية المحضرة بخبث ودهاء في شكلها ومضمونها والرسائل التي حملتها .. و لكن وبعيداً عن كل ذلك ثمة تفصيل صغير ولكنه غير عابر يتعلّق بالديكور لم يكلّف ريتشارد إنجل نفسه عناء طرحه، كما لم تطرحه أية وسيلة إعلامية غربية أوردت خبر تغيير الرواية. والكلام هنا عن الشعار الذي كتب بشكل واضح على جدار المكان الذي من المفترض أن فريق "إن بي سي" الأمريكية كان مختطفاً فيه: "الأسد أو نحرق البلد" ..
بالطبع لم تعمَ عيون الإعلام الغربي الذي أورد خبر الحقائق الجديدة حول قصة إنجل عن العبارة، بل تعامت عنها .. مداراة للفضيحة التي ستطال كل الوسائل الإعلامية التي كانت عبارة "الأسد أو نحرق البلد" تشكل واسطة العقد في رواياتها المفبركة : Assad or we burn the whole country" . فتلك الوسائل باتت في هذه القصة فقط تكتب "أو سيحترق" " Or will burn"  كما فعلت الديلي ميل البريطانية مثلاً. وهي العبارة التي لن يفهم قارئ واحد في الغرب ماذا تعنيه ، ولن يكون بالتالي ثمة من يستطيع مساءلة تلك الوسائل الدعائية عن الأخبار التي توردها من ألسنة "ناشطيها" و"مراصدها". فمن البدهي أن يطرح المرء السؤال المشكّك بكل رواية أخرى.
ربمّا لا يشكل الكذب في الغرب مشكلة عند صناع الرأي العام هناك، فالشعار الذي لا يزال أحفاد غوبلز أمناء عليه هو الدرس الأول الذي يتلقاه و يغيّبه كل صحفيي الوسائل الإعلامية الكبرى في الغرب عن ظهر قلب: "مئة تكرار للكذبة تصنع حقيقة" .. نعم ربما ينجحون في صناعة حقائق من الكذب يحشون بها رؤوس الرأي العام الغربي ولكنها تبقى "حقائقهم" هم .. أما الحقيقة في سورية فهي من نسج آخر ولها صنّاعها في الميدان ورواتها الأمينين عليها .. كما للتاريخ والحاضر والمستقبل في سورية.

Copyrights © dampress.net

المصدر:   http://www.dampress.net/?page=show_det&category_id=11&id=82218