Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 19 نيسان 2024   الساعة 22:16:33
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
كازانوفا يبكي في دمشق - نزار قباني (الكتابة عمل انقلابي)

"إنني لا أحب السوريين ، ولا أحمل لهم مشاعر الود" ..

هنري كيسنجر

هذا التصريح الدراماتيكي ، أدلى به إلى مجلة" نيوزويك" الأميركية العاشق الكبير، و دونجوان هذا العصر، و صريع الغواني، البروفسور هنري كيسنجر..
و ليس لنا بالطبع، أن نناقش العشاق في ما يحبون و في ما يكرهون، فالحب نعمة من عند الله، تأتي أو لا تأتي .. و الكراهية، هي الأخرى ، قناعة داخلية لا سبيل إلى تجنبها أو السيطرة عليها..
و نحن الذين ولدنا مع العشق ، و سنموت معه، لن نسمح لأنفسنا بالتدخل في خصوصيات الرجل ..
فهو حرٌّ في حبه .. كما هو حرٌّ في كرهه.. و ليس من طبيعتنا أن نفرض على الرجل حبَّاً لا يريده وعاطفة لا يحس بها..
لكن هذا لا يمنع دمشق - وهي جميلة، ورقيقة وعذبة ، بشهادة جميع الأنبياء والعاشقين والسائحين - من أن تتساءل بينها وبين نفسها :
"لماذا لا يحبني هذا الرجل ؟"
"ما هو نوع النساء، والمدن، التي يحبها كيسنجر؟"
"ما هو مفهوم الحب والوصال لديه؟"
لا بد للإجابة على هذه الأسئلة، من اللجوء إلى التحليل النفسي، ودراسة خلفية الرجل، وجذوره التاريخية والعضوية والوراثية.
فهنري كيسنجر ينتمي إلى العرق السامي، ونظرته إلى الأشياء ، ومواقفه ، وتفكيره وغرائزه تستقي من المنابع السامية..
وولادته في ألمانيا، وهجرته بعد ذلك إلى الولايات المتحدة، لا تغير جذوره، وشكل خلاياه، وتركيب دمه..
ولذلك فإن عواطف الحب عنده، ليست عواطف ميتافيزيكية وصوفية، كعواطف غوته أو ريكله.. وإنما هي عواطف واقعية وعملية كعواطف الملك سليمان...
ومن أجل هذا، فإن مفهوم الوصال عند كيسنجر، هو مفهوم كازانوفي ودونجواني، يقوم على أساس الإمتلاك المطلق، والمتعة المتسعجلة، سواء كان الموضوع جلسة حب.. أو جلسة مفاوضات.. وسواء كان الطرف الآخر .. امرأة .. أم دولة..
و يبدو لي أن كيسنجر - لوفرة انتصاراته الدبلوماسية والنسائية أصبح يكره سماع كلمة (لا) ، مهما كان مصدرها، لأنه يعتبرها تحدياً لفحولته .. وانتقاصاً من فروسيته..
و من سوء حظ كيسنجر أنه وضع اسم دمشق و عنوانها ورقم تلفونها في مفكرته المعطرة الحبلى بأسماء آلاف العشيقات.. وكان في ذهنه صورة لقاء شاعري، في أحضان الورد الجوري ، والحور .. والصفصاف .. وضوء القمر..
ولكن العاشق الخرافي . وجد نفسه فجأة أمام الرئيس حافظ الأسد.. ففتح حقيبته .. وأخرج (البيك أب ..) وأسطوانات الجاز والروك.. وزجاجة براندي.. وطلب من مساعده سيسكو أن يلحقه بصحن فستق حلبي .. ويعطيه قصيدة الغزل التي نظمها في الطائرة.. ليطري بها الجو.. ويكسر جليد الصمت..
غير أن وجه الرئيس الأسد، ظل وجهاً نحاسياً كوجه سيف خارج لتوه من غبار المعركة ..
و ظلت قسماته هادئة، كالنقوش المحفورة على حجارة تدمر.. وظل صوته عميقاً كأنه قادم من كهوف الزمن، وأعماق البحر..
كان في ذهن كيسنجر أنه سيحضر حفلة (بارتي) .. وكانت هموم السوريين هموماً أخرى .. تتعلق بالأرض والتاريخ..
كان كيسنجر يفكر بزجاجة البراندي .. وكان حافظ الأسد يفكر بزجاجة الدم التي امتلأت بدم الشهداء السوريين الذين سقطوا في حرب تشرين...
وظلت اسطوانة الروك تدور على الفاضي .. لأن السوريين ليسوا من هواة الرقص...
وضع حافظ الأسد ملفات القضية على الطاولة.. ووضع كيساً فيه تراب الجولان.. وكيساً فيه تراب فلسطين، وكيساً ثالثاً فيه رماد المسجد الأقصى .. وكيساً رابعاً فيه جراح المسيح.. وكيساً خامساً فيه قدر الأمة العربية.. وكيساً سادساً فيه أسماء الأسرى الاسرائيليين الذين تحتفظ بهم سورية... لكن كيسنجر مد يده إلى الكيس الأخير .. ونسي بقية الأكياس.
و طبعاً، سحب السوريون الكيس من أمامه.. فوقعت زجاجة البراندي على الأرض ..وتهشمت الأسطوانة.. وباظت الحفلة..
يقولون عن كيسنجر إنه خلاصة الذكاء .. وإنه فلتة زمانه، وأعجوبة عصره. فكيف فات هذا العاشق الكبير أن يدرس قبل مجيئه إلى سورية قاموس الغزل الدمشقي ، وألف باء العشق عند أهل الشام؟.
كيف فاته أن يقرأ أفكار قاسيون، وميسلون ، والجامع الأموي. والكتابات المنقوشة على قبر صلاح الدين؟
إن دمشق ليست ضد الحب، ولكنها ضد الاغتصاب... وليست ضد الوصال، ولكنها ضد الاحتلال.. وليست ضد الزواج ولكنها ضد مبدأ المتعة..
وأنت بعد ذلك حر في أن تحب بلدي أو لا تحبها .. فدمشق هي وردة العالم العربي، ولؤلؤته، وسيفه، ولن يضيرها في شيء أن لا تكون حبيبتك...

1974 - 2 - 18

 

دام برس

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  2017-11-17 11:30:09   كازانوفا يبكي في دمشق
الأمريكيون لا يعيرون انتباها للتاريخ لذلك هم يستعينون بخبرات اجنبيه ولسوء حظ سوريه طلع لنا هذا العفريت من اوسخ جنس عاطل الذي لايعرف إلا الأخذ وكما يبدو ان الكراهيه سهلة جدا لشخص معقد كهذا وما يجعلها اسهل أن فطرة السوريين هي نقيد لكل ما يحمله من أفكار واوزار
نبيل السمكري  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz