دام برس ـ سهى سليمان ـ طرطوس :
"الحمرا ريانة" كانت تشكّل مع صحن زيت وقليل من الملح أكلة ملوكية عند المواطنين وأقصد الفلاحين والفقراء منهم، أو حتى صحن السلطة والتبولة كان ملتقى للفرح والبساطة.
أما الآن تجد صحن "السلطة" أخضراً وفيه بضع قطع حمراء قد تكون حبة بندورة واحدة، كما أصبح الأهل يخفون حبات البندورة عن الأطفال كما كان يخفي العجائز نقودهم قديماً.
جنون لأسعار البندورة، أطاح بقدرة المواطن على الاستيعاب والتحمل، فمن أين له أن يشتري كيلو واحد بـ 500 أو 600 ل.س، عدا أن البندورة لا يمكن تخزينها خوفاً من ارتفاعات لاحقة كما البطاطا، لأنها تتعرض للتلف وهذا ما يحمل البائع والمواطن خسائر كبيرة.
فهل سينتظر المواطنون شهر حزيران ليتمّ طرح الإنتاج المحلي في الأسواق بشكل كبير حتى تنخفض أسعار البندورة، ومن المعلوم أن شهر حزيران هو شهر رمضان وبالتالي الحاجة للغذاء من البطاطا أو البندورة ستكون في أوجها.
حتى أن المواطنين لم تقنعهم أي تبريرات ولا حتى تصريحات لضبط جنون الأسعار، في ظلّ رفض كبير منهم للحديث معنا عن هذا الغلاء، مبررين ذلك بأن لا فائدة من الحديث فالواقع يتخطى المعقول.
ويتحدث المزارعون أن تكلفة البندورة قد تصل إلى نحو 125 ليرة سورية للكيلو الواحد إلا أنها تصل إلى المواطن بسعر يصل لـ 600 ل.س متسائلين عن سبب ذلك، في حين يرجع مزارعون آخرون ارتفاع الأسعار إلى الصقيع الذي ضرب المحافظة وقلة الإنتاج بسبب غلاء المازوت وانقطاع الكهرباء إضافة إلى غلاء أجور النقل وصناديق التعبئة التي وصل سعر "الفلينة" إلى 300 ليرة سورية، عدا عن غلاء الأسمدة والمبيدات والبذار وقلة اليد العاملة الزراعية التي أصبحت تتحكم أيضاً في المزارعين وتفرض أسعاراً تزيد من تكلفة الإنتاج.
ولا شكّ أن الكثير من المزارعين المنتجين للبندورة يبدون سعادتهم بهذا الارتفاع الذي جاء لمصلحتهم بعد أن عانوا من خسائر كبيرة في هذا الموسم ليس فقط في البندورة وإنما بشكل عام وخاصة موسم الحمضيات.
أما التجار فيبررون ارتفاع الأسعار بأن تكاليف النقل وهوامش الربح إضافة إلى العرض والطلب، حيث ينخفض العرض ليرتفع السعر، وهذا ما حدث بالبندورة والبطاطا، إضافة إلى أن سعرها من مصدرها يكون أحياناً مرتفعاً، في حين بعض الأنواع غير المعدة للتصدير يتم طرحها في السوق المحلية، مؤكدين أن التصدير ليس عقبة ولكن التسعير هو العقبة، فهم يشترونها بتسعيرة غالية بسبب تكاليف نقلها وشحنها من مناطق بعيدة.
وكان مدير المواد والأمن الغذائي في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بشر السقا أكد أن عمليتي تصدير البندورة وتهريبها من طرطوس إلى دول الجوار هي السبب الرئيسي في جنون أسعارها، إضافة إلى أن موسم البندورة البلاستيكية في المنطقة الساحلية بات في آخر أيامه وتشهد المادة قلة في عرضها وهو ما زاد من هذا الارتفاع، موضحاً أن الوزارة قامت بمراسلة الجهات المعنية ممثلة بوزارة الاقتصاد والجمارك لإيقاف عملية التصدير والتهريب وضبط الحدود للحدّ من ارتفاع أسعار البندورة .
كما ذكر مصدر في الوزارة أنه تمّ التوجيه لجميع مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالمحافظات بتسيير دوريات رقابة مكثفة إلى أسواق الهال ومحال الخضار وإنزال أقصى العقوبات بحق الباعة الذين يتلاعبون بأسعار الخضار لاسيما البندورة.
وهنا تبدو الحاجة الماسة للتوجه للفلاحين في مناطق طرطوس كافة، لمعرفة الصعوبات التي يواجهها في عمله وإنتاجه ومساعدته على تجاوزها، لأنه هو المحرك الأساسي في العملية الاقتصادية، وخاصة فيما يتعلق بقضية المحروقات وأسعارها، أو فيما يخصّ الاسمدة والمبيدات الحشرية، وأهمية العمل على تذليل الصعوبات الإنتاجية التي يعاني منها الفلاح لتشجيعه على العمل الزراعي.