دام برس :

كتب عمر معربوني في سلاب نيوز .. وانتهت عاصفة الحزم ببيانٍ يشابه بيان انطلاقها، بطلبٍ من الرئيس عبد ربه منصور هادي بدأت الحرب وبطلبٍ منه انتهت، هكذا أعلن بوجهٍ متجهم الناطق باسم التحالف العميد العسيري والذي يدعو الى الإستغراب أنّ الغارات لا زالت مستمرّة وإن بوتيرة أقل، وكذلك المعارك بين الجيش اليمني وأنصار الله من جهة وأنصار عبد ربه منصور هادي من جهة أخرى، فهل هي عاصفة الحزم فعلاً أم عاصفة الوهم؟
هذه العاصفة التي كان لعدوين أساسيين للسعودية الدور الكبير في إنزالها عن الشجرة ومنعها من نحر نفسها بحكم المأزق الكبير الذي وضعت نفسها به، حيث لم يكن أمام السعودية سوى خيارين لا ثالث لهما:
1- تحقيق أهدافها من خلال الضربات الجوية التي كانت الوسيلة المعتمدة وهو ما وصل الى الطريق المسدود ولم يعد مجدياً ولا بدّ أن يتوقف.
2- الذهاب الى مغامرة الدخول البري الى اليمن وهو خيار يتجاوز قدرة الجيش السعودي وكان سيضعه في مأزق كبير ومستنقع لا يمكن الخروج منه لمجموعة من الاعتبارات أهمها الجغرافيا الواسعة والمعقدة والمراس اليمني التاريخي في القتال، وهو أمر معروف لا داعي للإسهاب فيه.
من هنا كان لا بد من مخرج تولّته روسيا وايران لوقف العدوان على اليمن ويحفظ ماء وجه السعوديين، وهو أمر ستتولاه روسيا من خلال قرار في مجلس الأمن يضمن للسعودية أمنها، ومن خلال دعوة الملك سلمان لزيارة روسيا للتفاهم حول الكثيرمن الأمور العالقة.
الكلام في هذه المرحلة يتجاوز اليمن ليدخل في الحديث عن المنطقة برمتها وخصوصاً في سورية والعراق، وبمعزل عن نتائجه فهذا يبرهن أنّ محور المقاومة بات أكثر إمساكاً بالأوراق الضاغطة ويتصرف ببرودة وأعصاب هادئة عكس المحور الآخر الذي يندفع في سلوكياته دون حسابات دقيقة ستودي به في النهاية إن استمر هكذا الى الهاوية والإنتهاء.
وكأي قوّة مهاجمة يتم تصنيفها بالمهزوم إن لم تحقق اهدافها، هذا هو حال المملكة السعودية دون زيادة او نقصان وهو أمر لا يندرج ضمن حسابات المشاعر والرغبات وانما يندرج ضمن حسابات الميدان ونتائجه.
والسعودية التي أعلنت باسم التحالف هدفين مباشرين معلنين لعاصفتها، لها أيضاً أهداف لم تعلنها إلّا أنها واضحة لا تحمل اللبس.
في الأهداف المعلنة، صرّحت السعودية أنها تريد:
1- إعادة الشرعية ممثلة بعبد ربه منصورهادي ومساعدته في بسط سلطته على كامل اليمن، وهو أمر لم يتحقق حيث لا يزال عبد ربه منصور هادي رئيساً يمارس سلطته من الرياض مع أعضاء حكومته المستقيلة في الأساس والعائدة عن استقالتها.
2- تدمير البنية العسكرية لأنصار الله واجبارهم على الإستسلام وتسليم اسلحتهم الثقيلة والمتوسطة والإنسحاب من كل المناطق التي وصلوا اليها، وهو أمر لم يتحقق منه شيئًا حيث لا زال انصار الله مع الجيش اليمني يقاتلون في كل مكان وخصوصاً في عدن التي تستمر فيها المعارك حتى هذه اللحظة.
أما في الأهداف غير المعلنة فمن المؤكد أن السعودية كانت تهدف من عدوانها الى تحقيق مجموعة من الاستهدافات وهي:
1- العمل على إنجاز حلف ذو وجه سني بمواجهة الحلف الشيعي المزعوم قوامه، إضافةً الى دول الخليج، مصر وتركيا وباكستان وهو أمر لم تستطع السعودية إنجازه ولا الوصول الى الحد الأدنى من مقوماته رغم إعلان مصر وتركيا وباكستان وقوفها الى جانب السعودية، وفي هذا الصدد نذكر أنّ كل من مصر وباكستان أقرنت إرسالها لجنود بشرط تعرض السعودية للهجوم وليس الإشتراك في عمليات هجومية برية او ساحلية ضد اليمن وهو ما لم تكن السعودية تحسب له الحساب، ناهيك عن الموقف التركي الذي تصرف انطلاقاً من مصالحه المباشرة وآثر عدم الإندفاع بعيداً في مؤازرة المغامرة السعودية.
2- الضغط على محور المقاومة وعلى رأسه إيران في الميدان السوري من خلال اليمن كنقطة اعتبرها السعوديون خاصرة رخوة يمكن العبث بها وإخضاعها تحت ضغط الضربات الجوية، وكان لصمود الشعب اليمني بكل مكوناته وصموده وصبره الأثر الكبير في تفويت الفرصة على السعودية لإجراء مقايضة تمكنهم من تحسين شروط اي تسوية قادمة حول سورية كنقطة محورية في الصراع، وهو ما سيجعل السعوديين اكثر رغبة في تحويل قوتهم الى سورية من خلال دعم كبير للجماعات المسلحة في سورية وهو أمر سنراه بالتأكيد في المرحلة القادمة وتحديداً في الجنوب السوري وارياف دمشق، المنطقة التي تمتلك فيها السعودية نفوذاً كبيراً على الجماعات المسلحة وخصوصاً "جيش الإسلام" بقيادة زهران علوش الذي يزور تركيا هذه الأيام ولا نعلم ان كان لزيارته علاقة بتحولات محتملة في ولائه نظراً الى وجود جماعات مقربة من علوش في الشمال السوري أيضاً.
3- التأثير في اتفاق الملف النووي بين إيران والدول الست بنتيجة الرعب الذي تعيشه السعودية من هذا الإتفاق، خصوصاً أنّ ايران تتوجه نحو الإنضمام الى حلف شنغهاي وستشهد مرحلة ازدهار إقتصادي بعد رفع العقوبات عنها سواء لجهة الأموال المجمدة او لجهة العلاقات التجارية المتبادلة مع العالم، وهو ما كان سبباً مباشرًا أثّر في الموقف التركي لجهة عدم التجاوب مع الرغبات السعودية وكذلك مصر الذي يتوفر لها حوافز بديلة اقتصادية عن السعودية تتعلق برغبة الصينيين بإقامة استثمارات في مصر وكذلك الروس الذين ينسجون علاقات تتصاعد كل يوم مع المصريين، وهو أمر يمكن ان يؤثر في العلاقة ايجاباً بين مصر وايران مستقبلاً.
ختاماً: بعد وصول الأمر الى هذا المنحى سيكون على المملكة السعودية ان تكون اكثر عقلانية وتنظر الى الأمور نظرة واقعية لناحية التوقف عن الخيارات المدمرة، وهذا يتمثل في الإعتراف بموازين القوى الواقعية سواء في اليمن او في العراق او في سورية وهو أمر ستتوضح صورته بعد لقاء قادة الخليج مع الرئيس اوباما في الايام القادمة، واي اصرار على التعنت لن يكون في مصلحة السعودية لوجود الكثير من التعقيدات التي تحيط بالوضع الداخلي السعودي، وعلى السعودية ان تمارس الكثير من الرشد السياسي والحكمة للخروج تدريجيًا من المأزق الكبير الذي ينتظرها إن استمرت بنفس السياسة.