دام برس - لجين اسماعيل :
بين حبّ وحرب .. كانت الشهادة هي العنوان الذي رُسِم في طريق الكثير من الشباب المفعم بحب الوطن ، فكانوا غصّة القلب والروح .. و جرحاً مؤلماً  لا يمكن  لروح أن تتخطاه .. كانوا آهاً تنزف ..وأنةً تصرخ .. وبين آهٍ وأه .. كان وجودهم مجرد ذكرى يحيا من تبقى من أجلها ..رحلوا لتبقى ذكريات  طفولتهم ..  شبابهم  ومراهقتهم .. ضحكاتهم  .. شقاوتهم وأحلامهم .. رحلوا بكل ما يحملوه من روح الحب والعطاء .. كانوا صادقين لوعدهم ، نده الوطن لهم .. فكانوا لندائه ملبّين ومدافعين .. أشاوس وشجعان  في الميدان .. إنهم أبطالنا .. أبطال الصمود والنضال .. أبطال الجيش العربي السوري ..
آهات و دموع كثيرة حملت في ضلوعها  الشوق لأجساد فارقتنا .. همسات أصواتهم ما زالت فينا .. تعيش في داخلنا .. فكثير  من الشباب سرقتهم الحرب .. و الشهيد المجند سيف الدين سمير أبو العيال  الذي لم يكمل عامه الخامس والعشرين اغتالته أيدي الغدر في الثالث  عشر من شهر آذار عام 2015 فكان غصة أمٍّ لا تنضب دموعها حزناً واشتياقاً ولوعةً
دام برس التقت والدة الشهيد التي تحدثت بكلمات ممزوجة بالدموع .. في كل حرف غصّة .. كان صعباً عليها كما الأمر على أي أمّ أن تستوعب غياب من ربّته يداها .. وعانقته عاطفتها .. أن تتحمّل فراقه .. وغياب صوته وضحكاته وحتى صراخه وانفعالاته ليغدو المنزل بعد أيام من استشهاده حياةً بلا روح .. وعيشة بلا أمل .. فتتحدّث :
ولد في 14 / 9 / 1991 ..تربّى ونشأ في بيئةٍ  شاميةٍ  ومن أسرة متوسطة الحال .. كان حنوناً .. محبّاً للعائلة .. تحمّل المسؤولية منذ صغره .. لم يكمل دراسته بسبب إصابة والده مما اضطره للتخلي عن أحلامه ومتابعة الدراسة ,, ليساعد أباه في العمل  .. التحق بالخدمة الالزامية في عام 2010  ليكون في قسم القوات الخاصة ، كان همّه الوحيد الدفاع عن الوطن .. فرسم لنفسه حياة زاد من خلالها تعلّقه بهذه الأرض .. وحبّات ترابها .. كان دوماً يردد فيقول : " إن تخلّيت أنا وذاك .. عن هذه الأرض .. من سيحمي أهلها من هذا الشر والوحشية " .
وتتابع : تنقّل بين حماه بداية .. ثم في إدلب .. وعندما وقعت الاحداث الأليمة في حمص تمّ نقل مهمته إلى باباعمرو .. بشكل تقريبي كل مهمة كانت تتراوح بين خمسة إلى ستة أشهر .. ثم أمضى قسماً من خدمته في دمشق لمدة سنة تقريبا .. لتأتي المهمة إلى حلب من بعدها ..
كانت كلماته التي ذكرها في ذاك اليوم لا تنسى : " هل من الممكن يا أمي .. أن آتيكِ شهيداً كما جاء صديقي " ... وتضيف : هذه الكلمات غصة روحي .. لم أتوقّع أن يتحول هذا الممكن إلى حقيقة ..
قبل استشهاده بفترة قصيرة تعرض لإصابة في قدمه .. أمضى خلالها فترة شهر في المستشفى ..
أمّا منطقة رتيان فهي حكاية الوجع .. حكاية الفراق .. حكاية اللاعودة .. تعود الوالدة إلى تفاصيل التحاقه في هذه المهمة فتقول : في كل مرة كنت أودّعه وأكتفي .. فأنتظر اتصال وصوله .. إلا في هذا اليوم لا أعلم ما الذي دفعني لأن أنده لمرتين وأودعه بعينين تنظران وتحدّقان دون توقف .. وكأنما كانا على علمٍ بهذا الفراق .. فأرادا أن أشبع ناظري برؤيته .. رحل وتكاد يده لا تفارق يدي .. لكنّ القدر كان اقوى .. لم يمضِ فترة على التحاقه بهذه المهمة حتى جاءنا اتّصال يطلب المفاوضة .. في البداية لم اصدّق .. او ربما لم أشأ التصديق .. إلى أن مرّ أسبوع على هذا الاتصال لنكتشف أنه استشهد أثناء تأديته لمهمته في رتيان ريف حلب .. لكن  المؤلم أنني أستطع استلام الجثة .. وهذا كان أصعب من الاستشهاد .
سنة وثمانية أشهر مضت ..  وأنا لا زلت اتذكره .. لا زلت أجلب الزنبق لطالما عوّدني عليه .. سنة وثمانية أشهر ولا زلت أغرق في أحزاني .. وأغصّ بدموعي .. أتألم في يوم عيد الشهداء .. لأنني لا استطيع أن أنشر الورود على قبره كأمهات كثر ..
استشهاده جعلني قوية .. صامدة .. جعلني أؤمن بكرامة الشهيد وعزّته ..  وإلى كلّ أمّ شهيد اطلب إليها أن تبقى مرفوعة الرأس فقد قدّمت زهرة شبابها كرمى لهذا الوطن الغالي ..
وبدورنا في مؤسسة دام برس الإعلامية نترّحم على ارواح شهدائنا الطاهرة الزكية .. داعين لأمهاتهم أن يلهمهنّ الله الصبر والسلوان على من فقدوا .. فالوطن أغلى ما نملك .. وواجب مقدّس علينا أن ندافع عنه .