دام برس - طرطوس - سهى سليمان :

بأصابع لم يهزها الخوف، ولم ترعبها قذائف الحقد، وبثقة عالية بالنفس وبالنصر القريب، خطّ لنا جملة "النصر قادم"، مصابٌ لا يستطيع الحراك ولا التكلم، نحتاج له ولأمثاله لنستمد منهم الصمود والصبر والتصبر والقوة.

محمود أحمد سمعول في العشرينات من عمره، شرطي متطوع في حلب، يسكن مع أهله في قرية حمام قنية التابعة لمحافظة طرطوس، كبر مع أشجار قريته، وشرب من ينابيعها الصافية نقاء القلب وطيب الكلام وحب الوطن والسلام، تربى على الإيثار والتضحية لأجل الوطن مهما كان الثمن.

لقاؤنا كان مختلفاً، فمن نلتقيه لا يقوى على الحراك ولا على النطق، إلا بكلمة "انشاء الله" ولو كانت غير واضحة المعالم، لكنها تصل لأذنك كمؤذن ينادي في المساجد.

في منزلِ المصاب محمود كان لنا لقاءً مؤثراً وإن غلب معظمه الدموع لكننا عدنا بعزيمة عالية وبروح معنوية مرتفعة.

عجز عن النطق والحراك... وتنقل بين المشافي

كان العم أبو فراس والد محمود يتحدث تارة ويبكي تارة أخرى، حيث شرح لنا كيف أصيب ولده أثناء إطلاق المجموعات المسلحة قذائف الهاون وقنابل متفجرة على نقاط عسكرية للجيش في حي الشيخ مقصود بحلب، ما أدى لسقوط محمود من الطابق الرابع نتيجة ضغط تلك القذائف. وكان حينها في نوبة حراسة ليلية، ما أدى لإصابته إصابات بالغة نقل على إثرها إلى مشفى حلب ومن ثم جيء به إلى مشفى اللاذقية والشيخ بدر لإكمال علاجه.

أصيب بشقوق عميقة في الرأس إضافة إلى شلل في القسم الأيمن أدى لعجز تام في الحركة بأطرافه اليسرى، وقد بقي محمود أكثر من أربعة شهر في حالة غيبوبة تامة، قضاها بين تلك المشافي، إلى أن استفاق من غيبوبته لكنه الآن لا يستطيع الحراك ولا النطق.

رغم الألم... دفء بوجود الابن

أما تلك السيدة التي أثقل كاهلها وأهرم يديها تعب السنين، كانت سعيدة بوجود ابنها بين أحضانها، بغض النظر عن وضعه الصحي الصعب، حيث حدثتنا الخالة أم فراس عن فرحها بأن ولدها بطل ولو كان مصاباً، وستبقى تخدمه ولن تتخلى عن ذلك حتى آخر يوم في عمرها.

وهنا يمد محمود يده ليقبل يدي والديه ويتحدث بكلمات غير واضحة أبداً، حينها فسر لنا الوالدان ما يقول، حيث وجه تحية إلى الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية، على طريقته الخاصة.

تأمين كرسي كهربائي من الأولويات

وفي سؤال للعم أبو فراس عن كيفية علاجه وخاصة الفيزيائي، تحدث قائلاً:

يخضع الآن لجلسات معالجة فيزيائية بشكل أسبوعي، وإن لم يكن التحسن كبيراً لكنه أفضل من الأول، وأخبرنا الطبيب المشرف على علاجه أن الأمر يحتاج لصبر وتأنٍ، والحمد الله هو استطاع أن يكتب أمامكم بعض الحروف وإن كانت أعصاب يداه ترتجف.

لكننا الآن بحاجة ماسة وضرورية لكرسي كهربائي من أجل مساعدته، وعدم تعرضه لآلام في الظهر نتيجة استلقائه على السرير بشكل متواصل، ولا سيما أن ولده لا يستطيع السير أبداً، وإن حصل عليها سيمكنه من الخروج به والسير في الطرقات حتى يستطيع استعادة بعض من صحته أو رؤية أصدقائه في القرية.

 إضافة إلى ذلك عاتب بعض الشيء على عدم حصولنا إلى هذا الوقت على بطاقة خاصة بالمصاب، ولا سيما أن وضعه الصحي سيء للغاية، حيث نشتري أغلب الأدوية على نفقته الخاصة.

وفي الختام أود عبر مؤسستكم أن أشكر كلّ من قدم له المساعدة المادية أو المعنوية أو حتى المتطوعين الذين يقومون بالمجيء إلى المنزل لمتابعة علاجه الفيزيائي، كما أخص بالذكر مشفى الشيخ بدر على كل الخدمات التي قدموها وما زالوا حتى الآن.

وأوجه تحية للجيش السوري، ولرئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد، وأؤكد على اعتزازي بولدي وبجميع الشهداء الذين ضحوا من أجل بلدهم، وادعو من الله عزّ وجلّ الشفاء العاجل لجميع المصابين.

جرحانا... بكم نستمر ونحيا ومنكم نستمد القوة

مع حكاية محمود لن تنتهي لقاءاتنا، فمنهم نستمد وجودنا، وبتضحياتهم نحيا ونعيش بكرامة وعنفوان.

مؤسسة "دام برس" الإعلامية إذ تنحني تقديراً لذوي الشهداء والجرحى، توجه جزيل الشكر لكلّ الأيادي البيضاء التي تساهم في علاج المصابين، كما توجه الشكر لكلّ المتعاونين في الجهات المعنية، وتتمنى عليها تأمين متطلبات المصابين بالسرعة القصوى، أما الشكر الأكبر لعائلة المصاب محمود على حسن الضيافة واللقاء.

"النصر قادم"...