Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 19 نيسان 2024   الساعة 12:57:51
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
’’شام’’: هكذا أسماها والدها الشهيد .. 7 حزيران ذكرى الولادة والشهادة

دام برس - سهى سليمان :

الطريقُ إلى المنزلِ طويلٌ وجميل، على جنباتهِ أشجارِ السرو والصنوبر والسنديان، تحيطُ بك جبال ووديان من الصبرِ والشموخ، حيثُ صور الشهداء على ناصياتِ الشرفِ مرفوعة، وراياتُ الفخر بيادرُ مزروعة، تغزلُ السماءُ من خيوط ضيائهم قصائد النصر، يحرسون الأرض، يجوعون... يعطشون... ينامون على التراب، يتفيأون ظلَّ السماء، تُحرق أجسادهم وتُيتم أطفالهم، وتُرمل نساؤهم، لكنهم لا يستسلمون ولا يركعون، لأنهم مؤمنون أن طريقهم النصر أو الشهادة.

تزور بيوتهم ليحيطوكَ بحبهم وكرمهم، يشرفوكَ بلقائهم، يفتحون قلوبهم، ليحدثوكَ عن قصصِ شهدائهم، ومن تلك القصص قصة الشهيد علي محمد خليل أو (هاني)، وهو من محافظة طرطوس ـ منطقة الشيخ بدر ـ قرية بشمعة، مواليد 1979، متزوج وله ولدان، صبي اسمه "محمد" وبنت اسمها "شام".

مؤسسة دام برس الإعلامية زارت زوجة الشهيد السيدة أريج عمران في منزلها، وهي مواليد عام 1985 من قرية حمام قنية، متواضعة عطوفة، لتنثر لنا بعضاً من أحزانها وأشجانها:

الشهداءُ: رجالٌ للعهد أوفياء

الشهادةُ حياة الخلود، ماذا أضاف َاستشهاد زوجك لقيم الشهادة لديك؟

إن الشهادة هي أنبلُ ما يمكن أن يقدمه الإنسان فداءً لوطنه وأرضه، فهي نورٌ يضيء الأرض، والشهيدُ نجمةٌ تسافر إلى جنات الخلود، يفوحُ من دمهِ عبق الطيب والمسك... ليس هناك أكرم من الشهيد، ضحى بروحهِ من أجلِ أن يصونَ وطنه، وأقسم على حمايةِ البلاد وكان وفياً للعهد.

لا شكّ أن بفقدانك الزوج فقدت أشياء كثيرة... ماذا فقدت؟

كان زوجي وما زال محفوراً في ذاكرتي، لا يغيب عني لحظة، كان لي الأب والزوج والأخ، صديقاً، مؤمناً بالله، متفانياً بحياته من أجل إسعادنا.

عندما اتفرجُ أنا وأولادي على برنامج "أسرار الصمود"، نبكي كثيراً، وخاصة ولدي محمد رغم أن عمره الآن 5 سنوات، وعندما استشهد والده كان بعمر السنتين ونصف، لكنه يتذكره بشكل كبير، حتى أنه عرفه عندما رأى جثمانه في إحدى الصور على شبكة الإنترنيت، لكنه لا يستطيع الحديث عن والده، يهرب من الإجابة وتدمع عيناه.

لقد فقدتُ باستشهاد زوجي كلّ معاني الحياة الجميلة، كلّ الضحكات التي كان سببها، فقدت السندَ الذي كنتُ أتكأ عليه لأتابع حياتي معه، ولكن تركَ لي أمانة يجب أن أكون صبورة وقوية لأصون الأمانة.

ولادة "شام" وشهادة "علي"

زوجكِ استشهد في قرية انخل بريف درعا، لو أكرمتنا بسماع القصة منك؟

في 30 كانون الثاني 2013 وضعت مولودتي الجديدة في المشفى، وعندما عُدت إلى المنزل أخبرني زوجي أنه طُلب إلى خدمة الاحتياط، لم يتوانَ عن الالتحاق بالخدمة، وعندما كنت أسأله عن الوضع لم يخبرني بتفاصيل كثيرة عن ريف درعا، بل كان دائماً يقول لي إننا بخير، لكن آخر إجازة جاء فيها إلى المنزل كان ينظر إلى الأولاد وكأنه يودعهم لآخرَ مرة، وزرعَ وردةً في جانبِ المنزل والتقطَ مع الأولاد بعض الصور.

بكلماتِ الحزنِ وعينين تضيء بالدمع تضيف:

عندما انتهتْ الإجازة ووجبَ عليه أن يلتحقَ بقطعته، سألتهُ كما كلّ مرة ماذا تريدُ أن أوظب لكَ من الأغراض (طعام، وشراب، وألبسة وغيرها من المستلزمات الضرورية)، فاجأني حينها بجوابه، "لا أريد شيئاً" بل أخذَ معه صورة العائلة فقط، التي كنا قد التقطناها قبل يوم من انتهاء الإجازة.

قبل ساعاتٍ من استشهادهِ تحدثتُ معه على الهاتف الجوال، وقالَ إن الحاجزَ الذي كان عليه هاجمهُ المسلحون ما اضطرهُ الأمر مع رفاقهِ إلى الالتجاءِ إلى حاجزٍ آخر، لكنّ الوضع كان صعباً جداً، وتحدثَ إليّ وكأنه يودعني، وأوصاني بنفسي وبالأولاد، وعدتُ في اليوم التالي عصراً للاتصال به لكن رقم الهاتف كان خارجَ التغطية، حينها عرفتُ أن ما كنتً أخشاهُ وما كان يتمناه هو قد حدث.

لقد استشهد زوجي في تاريخ 7/6/2013، وهو ذكرى تاريخ يوم ولادته نفسه، وحتى الآن لم يكرمني الله بدفن جثمان زوجي.

أرواحُ شهدائنا في أعلى عليين

ماذا أخبروكِ أصدقاءُ الشهيد؟

أخبروني أصدقائه ورفاقه في السلاح أنه استشهد، لكنهم لم يتمكنوا من إخراجِ جثامينهم خارجَ القرية، وخاصةً بعد الهجومِ العنيفِ من قبل المسلحينِ الذي تعرضوا له، لكنهم استطاعوا دفن جثمان زوجي مع جثامين عدد من الشهداء في أطرافِ القرية.

بحرقةٍ وغصةٍ في القلب تضيف:

لديّ أيضاً أخ مصاب، طُلب إلى خدمة الاحتياط مع زوجي في اليوم نفسه، وأُصيب في يوم استشهاد زوجي، والآن هو فاقدٌ لقدرةِ تحريك يدهِ بعد إصابته بشظايا أدت إلى قطع الأوتار فيها.

ما هو شعوركِ حيال عدم قدرتكِ على دفنِ زوجك في القرية؟

جميعنا مؤمنون بقضاءِ الله وقدره، ونعرفُ أن الموت حقّ، لكن الموت من أجل الوطن هو أشرف الموت وأنبله، والجسدُ فانٍ والروحُ هي الخالدة، ولا زال لديّ أمل بعودته، لا أدري لماذا يراودني هذا الشعور، لقد رأيتهُ في منامي يرتدي زيّهُ العسكري ويحملُ صديقته البندقية، وقد تبعته في طريقٍ حتى وجدتُ وردتان من الزنبقِ لونهما أبيض، وقال لي انتبهي عليهما لأني سأعودُ إليكم.

قبلةُ النومِ في كلّ يوم

كانَ محمد يركضُ في المنزلِ كالنحلِ ليجمعَ الرحيق، أما "شام" كانتْ تغطّ في نومٍ عميق، حتى استيقظتْ على حديثنا، لتبتسمَ في وجهنا وترى ملائكة الأرضِ يضحكون.

رزقك الله بولد وبنت وأنت الآن مسؤولة عن تربيتهما كيف تستطيعين تعويضهم عن فقدان الأب؟

انظر إليهما وأبكي كثيراً، لقد كان زوجي فرحةُ البيت وسعادته، واهتمامهُ يفوق الوصف، كرّسَ نفسه لإسعادنا، الحياةُ صعبة، وتربيتهم ليستْ بالأمر السهل، وخاصة أنهم في عمرِ الورد، مسؤوليتهم كبيرة جداً، واتمنى من الله أن يعينني على تربيتهم وأن أتمكن من تأمينِ لهم مستقبل كريم.

ربما فقدتُ شريكَ حياتي لكنه تركَ لي نجمتان تضيئان لي حياتي، سأربيهم التربية الصالحة ما قدرتُ على ذلك. جلّ ما أتمناه أن أكونَ عند ثقته، قادرةً على حفظ الأمانة.

لقد كانَ عمرُ ولدي سنتين ونصف، وابنتي ستة أشهر عندما اُستشهد والدهما، ورغم أن "شام" لا تعرفهُ لكنها لا تنفكّ عن ذكر اسم بابا، وفي كلّ يوم قبل أن ننام أنا وأولادي يقبّل أولادي صورة والدهم، ويقولون له "تصبح على خير"، وفي الصباحِ أيضاً يلقون عليه تحية الصباح مع القبلة.

مكرمةُ الرئيس وعطفُ الأهل وذوي القربى خففتْ من أعباءِ الحياة

ما هي الصعوبات التي تعانيها لا سيما مع وجود ولدين تحت رعايتك؟

لم أكن أشعر بالصعوبات التي أعانيها الآن مع وجود زوجي، لقد كان كلّ شيء في المنزل، عملَ دائماً على تأمين الاحتياجات الضرورية وكلّ ما نطلبه، لكنّ الآن وبعد استشهادهِ أصبحتُ الأمّ والأب في المنزل، اتحملُ ضغطاً كبيراً بتأمين كلّ احتياجات الأطفال في داخل المنزل وخارجه.

أودّ أن أشكر عائلتي الكبيرة أهلي وأهل زوجي الذين شملوني بعطفهم ومحبتهم، وساعدوني على تجاوزِ هذه المحنةِ القاسية، كما أودّ أن أشكرَ السيد الرئيس بشار الأسد على مكرمته بمنحي فرصةَ الحصولِ على وظيفة، حيث أعملُ الآن في المركز الصحي بقرية حمام قنية وهي قريبة إلى حدّ ما من منزلي، وهذا ما ساهمَ إلى حدٍّ كبير بتخفيفٍ أعباءِ وتكاليفِ الحياة المعيشية الصعبة والغالية.

نستمد الصبر والقوة من أمهات الشهداء

ما هي رسالتكِ عبر مؤسسة دام برس الإعلامية؟

أريدُ أن أوجّه كلّ التحيةِ والإجلالِ لذوي الشهداء، كما أنحني أمامَ تضحياتِ الجيشِ السوري الصامدِ البطل، متمنيةً له النصر، وأترحمُ على كلّ أرواحِ شهدائنا الأبرار والشفاء العاجل للجرحى.

ومع اقترابِ عيدُ الأم أعايد أمي وكلّ الأمهات، وأقبّلُ أيادي أمهات الشهداء لاستمد منهم الصبرَ والقوةَ والقدرة على تحملِ مشاقِ الحياة، فهم من علمونا معنى التضحية، فقدوا أكثر من ولدٍ لهم ولا زالوا مستعدين لتقديم المزيد، هم ذُخرنا وأملنا في الحياة.

في الختام قدّمت زوجةُ الشهيد الشكر لمؤسسةِ دام برس الإعلامية على مبادرتها، وبدورنا نشكرُ حسنَ استقبالها وضيافتها، مؤكّدين أننا مستمرين بالعمل والتزامِ قيم الشهداء والحفاظ على تضحياتهم وصونِ الأمانة التي تركوها لنا، لنكونَ مساهمين بأقلٍ قدر وبكلّ تواضعٍ بتكريمِ ذوي الشهداء الذين هم يكرموننا باستضافتنا في منازلهم العطرةِ بعبقِ الشهادةِ والفخر والكبرياء.

الوسوم (Tags)

السوري   ,  

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  2015-05-16 06:28:17   حسبي الله ونعم الوكيل
أختي أنت واولادك اولاد أختي كم يؤلمني نظرة عيناك تحمل حزن وصبر وغصة .أعانك الله وأعان كل أم وإبنه وأخت وقريبة فقدت عزيز عليها وحسبنا الله ونعم الوكيل على كل من كان له يد في تدمير سوريا يارب أنزل رحمتك على بلدي لك الله أختي الكريمة
بنت الشام العدية  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz