دام برس-عمار ابراهيم :

رغم شراسة الهجمة الوهابية والصهيونية التي اجتاحت سورية بلد الخير والسلام لم يكن الأمر سهلا كي يجد أولئك القادمون من وراء الحدود الطرق معبدة لاستباحة أرضها, فشراسة هؤلاء المجرمين لم تكن أكبر من شراسة مقاتل سوري عشق أرضه ورفض أن يدنسها من سموا أنفسهم ثوارا, ثوار القتل والدم بامتياز نعم,,

بطلنا اليوم هو الشهيد الحي,هو من سطر أروع الملاحم في مشفى الكندي, المعادلة الصعبة التي أرقت الإرهابيين في ريف حلب على مدى أشهر فكان الجندي السوري يعادل 50 ارهابيا حسب الأبحاث التي أجريت ورغم استشهاد عدد من جنود الجيش فلم يرحلوا عنا إلا بعد أن أوقعوا أعداد مضاعفة في صفوف المسلحين ونجي عدد آخر ليحكوا لنا ما عاشه أولئك الميامين في الأيام الأخيرة قبل تفجير المشفى ومنهم البطل علي سلوم

علي سلوم  ابن قرية درتي التابعة للشيخ بدر هو من الناجين القلائل من مشفى الكندي في حلب بدأت الأزمة في سورية .. التحق بصفوف الجيش العربي السوري فور استدعائه للاحتياط .. المكان هو مشفى الكندي في حلب .. هذا المشفى يقع على تلّ مرتفع عما حوله الشيء الذي أتاح لكل من فيها رؤية ما يحصل بالمناطق المحيطة به .. وصف علي بدء الحصار و سقوط الحواجز و بقاءهم صامدين بأعدادٍ و أسلحةٍ قليلة .. في بداية الحصار كانوا تسعين مقاتلاً ، هم صورة مصغّرة عن الجيش العربي السوري العقائدي الذي يضم أبناء سورية من كل المناطق و مختلف الطوائف .. هم من القامشلي و السويداء .. من حمص و دمشق من الغوطة الشرقية و دوما .. و من الرقة و حلب ..‏

المعاناة الحقيقية تجسدت بأقسى أشكالها عند تعرّض أحد الشبان للإصابة .. هي معاناة المصاب و معاناة أصدقائه العاجزين عن تقديم أي عناية طبية في ظل غياب الخبرة و بالتأكيد غياب أي كادر طبي .. روى علي بعض الحالات فبعض أصدقائه نزفوا الكثير من الدماء بينما وقفوا هم عاجزين إلا عن تقطيب الجرح في محاولة لإيقاف النزيف الخارجي .. أحد الشباب تعرّض لإصابة و بُتِرَت ساقه إثرها و بدأ لون ما تبقّى منها بالاسوداد ، لم يتجرّأ أحد على بتر الجزء المتبقي ( عملاً بنصيحة الأطباء الذين كانوا يتواصلون معهم عبر الهاتف ) إلى أن قام شاب من دوما هو محمود قره علي بإزالة العظم المتفتت للمصاب ، أما المصاب و برغم وضعه السيء استمر بالمقاومة و كان يطلب من أصدقائه أن يضعوه على كرسي ليردّ عنهم العدوان عند حدوث أي هجوم ..‏

و غيرها الكثير الكثير من القصص المؤلمة .‏

أثناء الحصار نفد احتياطي الطعام و بقي أبطال مشفى الكندي ثلاثة عشر يوماً بلا لقمةٍ واحدة .. اضطروا لأن يستخدموا الأدوية الموجودة في المشفى كطعام فكان الدواء من شرابٍ للأطفال بنكهة الفريز أو البرتقال رفاهية .. أما مراهم الحروق قال علي واصفاً طعمها بأنها : “ حلوة مثل العسل “ . و تابع قائلاً : “ كنا نتناولها كما هي ، مرهم ، إلى أن نفدت الكمية بعد ثلاثة أيام « .‏

الحادثة المحزنة التي أثّرت على علي سلوم كانت رؤيته للحظة استشهاد شابّين من أصدقائه تعرّضا لضربة من دبابة المسلحين فاستشهدا سوياً ، هذان الشابان كانا يرفضان أن يحاربان أو يأكلان إلا سويّاً و عاشا كل هذه المدة متلازمين إلى أن استشهدا في نفس اللحظة أيضاً .. تابع علي قائلاً : “ قمت بسحبهما إلى داخل المشفى و لم نستطع دفنهما إلا بعد خمسة أيام بسبب كثرة الشهداء و الاشتباك المستمر .. لم يتسنّى لنا الوقت لدفن الشهداء .. هم من شهداء الفترة الأخيرة قرابة عشرين يوماً قبل التفجير الأخير و سيطرة المسلحين على المشفى ، اضطررنا لفتح قبر واحد كبير دفنّا فيه كل الشهداء .. و من استشهد بعدها لم نستطع دفنهم « .‏

في آخر فترة جمع المسلحون قواتهم بشكل كبير بينما كان الصامدون في المشفى قرابة أربعين شخصاً نصفهم غير قادر على حمل السلاح .. ضرب المسلحون المحارس و الباب الرئيسي و المقاومة من الطوابق العليا بالمشفى أصبحت معدومة بسبب استشهاد كل من فيها و بقيت المقاومة من الطوابق الأرضية و دخلت السيارة المفخخة من البوابة و انفجرت ما أدى إلى استشهاد من كان بالطوابق الأرضية إلا خمسة شبّان التحقوا بالكتلة الثانية و التي كان علي فيها .. انقطعت الاتصالات مع القيادة و العمليات .. كان الخيار الوحيد أمامهم القتال حتى الرمق الأخير .. عند دخول المسلحين إلى الكتلة الثانية لم يكونوا يتوقعون رؤية أحد على قيد الحياة مما ساعد الأبطال على الدفاع عن أنفسهم و قتلوا الكثير من المسلحين الذين تراجعوا ليعودوا بأعداد كبيرة .‏

حُوصِرَ علي مع صديقين له في غرفة ، قام أصدقاؤهم ممن استطاعوا الخروج بفتح مخرج لهم مستعينين بمطفأة حريق .. اجتمعوا جميعهم في حفرة خارج سور المشفى قرابة عشرين شخصاً و عزموا على القتال بما تبقى معهم من ذخيرة رغم قلّتها .. أحد الشابين اللذين كانا محاصرين مع علي تعرّض للإصابة و لم يستطع الانسحاب .. كان طلبه الأخير أن يتصل بأخيه و أن يتركوه مع قنبلة ليقوم بتفجير نفسه عند وصول المسلحين إليه ، بقي وحده مع شابٍّ آخر كان فاقداً وعيه تماماً إثر صدمة نفسية لا يعرف أين هو و لا يعرف شيئاً و لا حتى كيف يستخدم السلاح ..‏

أما من تبقّى فقاموا بكسر هواتفهم النقالة حتى لا يستخدمها المسلحون بابتزاز أهاليهم في حال سقوطها بأيديهم .. في هذه الأثناء قام الجيش بضرب الصواريخ و المدفعية على المشفى مما ساعدهم على الانسحاب .. بعضهم ذهب باتجاه الشرق (النيرب) و البعض الآخر ذهب باتجاه السجن المركزي بينما ذهب علي و مثنّى علي باتجاه المدينة ..‏

علي خُلِقَ من جديد .. هي فرصة لحياةٍ أخرى اختار أن يتابع فيها دفاعه عن وطنه ليعود إلى حلب ثانيةً بهمّةٍ عالية و رغبة النصر هي الدافع الأكبر .. علي عبّر عن ثقته بحكمة الدولة صاحبة الخبرة العسكرية و أضاف منتقداً كل من وجّه اللوم للدولة متّهماً إيّاها بعدم التدخل لإنقاذ من في المشفى فقال :‏

« الواقع أننا كنا ستين شخصاً في المشفى ، في حال أراد الجيش أن يقتحم الطريق إلينا سوف يضحّي بقرابة مئتي شهيد على الأقل هذا عدا عن العتاد .. هم لم يتخلّوا عنّا .. كنّا نطلب حوّامة يرسلون أربعة حوامات .. لم يتخلّوا عنّا « .‏

(محطة أخبار سورية)