Logo Dampress

آخر تحديث : الخميس 28 آذار 2024   الساعة 15:51:17
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
في عيد الشجرة، هل ستفرغ الغابات من أشجارها

دام برس - خاص :

في رسالتنا السابقة من طرطوس كانت كلماتنا الأخيرة في ظل عدم توافر مادة المازوت أو توافرها بأسعار مرتفعة جداً، "هل سيضطر المواطن في الريف البارد إلى الاستمرار بقطع الأحطاب مفرغاً الغابات من أشجارها، لا عتب على ذلك المواطن في ظلّ شتاء لن يرحم الفقير؟".

واليوم نسأل هل ما زال شعار "ازرع ولا تقطع" الذي تربى عليه أجيال عدة، منفذاً، أم أنه أصبح طي النسيان. تلك الشجرة التي شجعنا على زرعها أصبحت خبراً يتداوله الناس وما تم زراعته منذ أكثر من عشرين سنة أصبح الآن رماداً في مدفأة الكثيرين.

لقد اشتهر الساحل السوري عامة وخاصة في ريف طرطوس والمناطق المحيطة به بغاباته ذات الأشجار البرية المعمرة، وثرواته الحراجية الغنية، التي تتضمن أشجار الصنوبر والسنديان والبلوط والكينا وشجيرات البطم والغار والحور وغيرها، تلك الأشجار التي تغطي جبالها وتزين وديانها وتلونها باللون الأخضر لتزرع في نفسك راحة وسكينة وهدوءاً منقطع النظير.

وتبلغ مساحات الغابات في سورية حوالي 520 ألف هكتار منها 232 ألف هكتار غابات طبيعية والباقي تحريج اصطناعي، ويبلغ عدد المحميات والحدائق النباتية ومناطق الوقاية 31 محمية ومنطقة بمساحة إجمالية تصل إلى 184521 هكتاراً.

تشكل هذه المساحات ثروة بيئية واقتصادية وسياحية وصحية بما تمتلكها من مقومات الطبيعة وبما تمثل من دور كبير في عملية التوازن البيئي.

وفي مثال على ذلك كانت غابة مصياف القريبة من ريف طرطوس تشكّل متعة للناظرين والمسافرين القادمين من دمشق إلى القرى، لتتحول بين ليلة وضحاها إلى خيال ومنظر يندى له الجبين، فأكثر من 10 آلاف دونم من غابة مصياف دمر بشكل كامل.

في غفلة أو ربما بمساعدة الحرس ونواطير الغابات، أقدم بعض المجرمين على حرق عشرات الآلاف من الأشجار، لتبدأ بعدها عملية الاحتطاب والقطع لتتحول الغابة في لحظات إلى صحراء تتلطخ أرضها ببعض الندبات.

أحرقت وجار عليها البعض وأفرغوها من أشجارها لينخر البرد عظامها وتصبح عارية، يخجل من كان يعرفها أن ينظر إليها.

ولا شكّ أن هذه الحرائق المفتعلة التي بلغت المئات في غابة مصياف وما يجاورها ليست بهدف قطع الأشجار للتدفئة المنزلية أو الاحتياجات المحلية فبعضها يهدف إلى الاستيلاء على الأراضي أو يعمد البعض على افتعال الحريق ليقطع بعد ذلك الأشجار ويبيعها في السوق السوداء واستغلال حاجة الناس للتدفئة وفي ظل غياب مادة المازوت فإن هؤلاء التجار لا ينكفئون عن القيام بجرائمهم مستهدفين غابات أرياف طرطوس ومحيطها لتحويل تلك الجبال الخضراء إلى جبال قاحلة.

فريق دام برس تحدث مع العديد من المواطنين متسائلاً عن سبب قطع الأشجار حيث كان جوابهم الأوحد هو من أجل التدفئة، ففصل الشتاء بدأ وحتى الآن لم يوزع المازوت عليهم وكون المناخ في مناطق ريف طرطوس ومصياف بارد جداً يضطرون إلى قطع الأشجار من أجل تدفئة أطفالهم، مؤكدين أن أغلبهم سجل دوره في شعبة الحراج للحصول على الحطب لكن الكثير منهم ما زال ينتظر من حوالي 5 أشهر، حيث بدأ فصل الشتاء ولم يأتِ دوره وهذا ما يضطره مجبراً إلى قطع الأشجار من الأراضي الحراجية، مؤكدين أن أطفالهم لهم الحق أيضاً أن يحصلوا على القليل من الدفء في الشتاء.

كما استغرب المواطنون عن فرض عقوبة بحق من يقوم بالتحطيب لغرض التدفئة والذي لا يملك دخلاً كافياً لشراء الحطب أو حتى تأمين المازوت بأسعاره المرتفعة إضافة إلى توفير ما يلزم من المال لمعيشة ولصحة ولتعليم الأطفال في المنزل، فيما لا يفرضون عقوبة بحق من يقوم بعمليات التفحيم بكميات كبيرة ومن دون رخص بغرض بيعه في السوق السوداء بحجة أنهم لم يعرفوه أو لم يتم ضبطه.

بالمقابل أبدى بعض المواطنين امتعاضاً من قطع الأشجار معتبرين ذلك جريمة كبرى ينبغي فرض عقوبة كبيرة على فاعليها، حيث أكدوا أن تراخي القضاء بتطبيق قانون الحراج وتعليماته التنفيذية دفع الكثير من ضعاف النفوس للتعدي على الغابة بشكل جائر.

كما أشاروا إلى أن دائرة الحراج لجميع الحراس والمخافر تسمح للمواطنين بالتقليم ولو كان جائراً شرط الحفاظ على الهيكل الرئيسي للشجرة كي لا تموت، علماً أن الشجرة عندما تتعرض لقطع جائر فهي تحتاج لعشرات السنين لتعود لوضعها الذي كانت عليه.

ولا شكّ أن هذا كله يستوجب توعية أكبر من المواطنين والأهالي الذين يقومون بقطع الأشجار بغرض التدفئة لإقامة ندوات ولقاءات توعوية تهدف إلى تعريفهم بطرق التحطيب الصحيحة والتقليم المنظمة وإقامة ندوات ثقافية تعريفية بأهمية الغابة والأشجار ودورها في الحفاظ على التوازن البيئة.

إضافة إلى ذلك ينبغي تفعيل دور حرس الغابات والأحراش الزراعية وممارسة مخافر المواقع الحراجية دورها بشكل أكبر، وفي الوقت نفسه والوسيلة الوحيدة لوقع هذا القطع يجب من الحكومة تأمين المازوت ووسائل التدفئة المريحة.

وتقوم الدوائر المختصة بشكل عام بالاستفادة من الأحطاب كالصنوبر والسرو والكينا لبيعها على شكل أخشاب صناعية، فيما يعد خشب السنديان أفضلها للتدفئة إضافة للبلوط والزعرور والقطلب.

كما تقوم تلك الدوائر بتنمية الغابات من خلال التعريف وتنفيذ أعمال التقليم التحسيني والتفريد للغابات الطبيعية والصناعية والاستفادة من كافة نواتج العمل وبيعه للصناعين، الذين يستخدمونه في صناعة الفحم.

وتتغاضى بعض الدوائر عن قطع الأشجار والتحطيب، مقدرين الظروف الصعبة التي يمر بها المواطن في ظل ارتفاع سعر مادة المازوت وفقدانه من السوق بشكل كامل وعدم توفره ولو بأسعار مرتفعة، لكن بالمقابل يجب أن تكون عملية التحطيب غير مؤذية للشجرة وإلا فإن ذلك يتسبب بموتها فهي عملية تقليم لأغصان الأشجار.

فيما يشدد بعض تلك الدوائر رقابتها وتنفذ أكثر من عشرة ضبوط حراجية يومياً بحق من يقطع الأشجار ويحطبها بغرض بيعها وتخريب الغابة، لكن لا يمكن الإمساك بهؤلاء التجار حيث الإمكانات المتوفرة ضعيفة في ظل وجود هؤلاء التجار المنظمين والمسلحين في أغلب الأحياء.

لقد صدر في عام 2007 المرسوم التشريعي رقم 25 الخاص بالحراج، موضحاً مفهوم الحراج: "هي المجتمع النباتي البري النامي ضمن النظام البيئي الحراجي"، كما أوضح مفهوم النظام البيئي الحراجي الذي يعد نظاماً طبيعياً ناتجاً عن مجهود بشري أو بشكل طبيعي، ويتكون من الأشجار والشجيرات والأدغال والأنجم والبادرات والغسائل والأعشاب، وذكر توضيحاً لمفهوم حراج الدولة والحراج الخاصة وحرم الحراج والمحمية الحراجية الطبيعية، ليشرح بدوره مفهوم الشجرة والشجيرة  مثل الأرز والصنوبر والسرو والكينا والسنديان والبطم والبلوط وغيرها الكثير من الشجيرات والأعشاب البرية والطحالب والأشنيات.

وأوضح القانون في مواده حق الانتفاع من حراج الدولة للأشخاص المقيمين داخل حراج الدولة من خلال الانتفاع من الأحطاب اليابسة أو الأخشاب اللازمة لصناعة الآلات الزراعية ورعي المواشي باستثناء الماعز والإبل.

كما منع حرث أو كسر أراضي حراج الدولة أو أرض واقعة داخلها أو تشويه الأشجار بأي شكل كان أو اصطحاب آلات أو وسائط خاصة بالقطع أو النقل أو القيام بأي عمل من شأنه الإضرار بحراج الدولة.

وشمل عقوبة الحبس من سنة إلى 3 سنوات من تسبب بنشوب حريق في الحراج أو الأراضي الحراجية من دون قصد نتيجة الإهمال أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة النافذة، فيما يعاقب من أقدم بدون ترخيص على قطع أو إتلاف أو تشويه الأشجار والشجيرات في حراج الدولة بالحبس مدة شهرين عن كل شجرة وبغرامة تعادل مثلي قيمة الضرر الحاصل.

ويتراوح سعر طن الحطب بين 20000 و25000 ل.س في السوق السوداء وذلك حسب النوع، ويختلف ذلك وفق برودة المنطقة وحاجتها، فيما حددت وزارة الزراعة وفق قرارها رقم 303 الصادر بتاريخ 5/12/2011 سعر طن حطب الصنوبريات بـ 1900 ل.س وطن حطب الكينا والكازورينا بـ 1500 ل.س وطن حطب السنديان بـ 3500 ل.س.

يذكر أن وزارة البيئة أكدت أن آثار الأضرار الناجمة عن قطع الأشجار وعمليات التحطيب الجائر ستكون آثارها سلبية على سورية، وعودة الغابات والمناطق الحراجية إلى الحالة التي كانت عليها قبل الأزمة قد يتطلب مئات السنين كما سيؤثر على مختلف جوانب الحياة.

وتظهر التقديرات المبدئية لوزارة البيئة في سورية أن خسائر الحرائق وصلت إلى مليارات الدولارات، وتشير إلى أن الكثير من المحميات والغابات والمناطق الحرجية تعرضت لعمليات قطع جائر أهمها محمية البلعاس في محافظة حماة، والغابات الحرجية الممتدة من منطقة تلكلخ وصولاً إلى محافظة طرطوس.

فيما تظهر مؤشرات أخرى عدم وجود إحصائيات تبين حجم الخسائر بسبب عدم قدرة الضابطة الحراجية في كل المحافظات الوصول إلى كل المناطق التي تحدث فيها التعديات بسبب الظروف الأمنية.

من المؤكد أن عدم توافر مادة المازوت وارتفاع سعرها في حال وجودها كان السبب الرئيسي في ارتكاب جرائم قطع الأشجار، فالمواطن الفقير الذي لا يتعدى راتبه 25 ألف ليرة سورية لن يستطيع بكل تأكيد شراء أطنان من الحطب لا تكفيه طيلة فترة الشتاء، ولن يستطيع شراء 1000 ليتر من المازوت ليكمل شتاؤه هو وأطفاله.

إن توافر مادة المازوت بسعر مقبول وتوزيعها بشكل عادل على الجميع دون استثناء، سيحل مشكلة بالتأكيد وسيخفف من تجريم المواطن البريء، وهذا سينعكس على تجار الأزمة الذين وجدوا لهم تجارة قطع الأحطاب بعد حرق الغابات والذين ينفذون من جريمتهم كما تنفذ الشعرة من العجين عند محاكمتهم.

متابعة وإعداد : سهى سليمان

الوسوم (Tags)

طرطوس   ,  

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz