دام برس - بلال سليطين :
من المؤسف جدا أن مدينة كمدينة جبلة الفينيقية ارتبط اسمها ببعض الشبيحة واللصوص وكتبة التقارير، وتم تصويرها من قبل البعض على أنها مدينة الجاهلين أو الطائفيين أو الموتوريين وذوي النفوذ وما إلى ذلك من صور سلبية حفرت في أذهان الكثيرين ممن لايعرفون شيئا عن جبلة أو لايريدون أن يعرفوا.
عندما يجالس أبناء هذه المدينة آخرين في محافظات مختلفة ومن محافظات مختلفة فإنهم يتلمسون على الفور وجود صورة سلبية تكونت سابقا عنهم، وعن مدينتهم وأهلها الذين يزيد تعدادهم عن مائتي ألف نسمة يضاف لهم مثلهم وأكثر من العائلات الوافدة إلى "جبلة" من مختلف المحافظات السورية.
جبلة التي يسعى البعض حتى من أبنائها لتكريس هذه الصورة لدى الآخرين لأنهم منتفعون منها أو جهلة هذا مستوى تكفيرهم، هي مدينة تعج بالصور الأخرى الإيجابية والتي تشير بوضوح إلى حجم الإرث التاريخي والفكري والإنساني والحضاري لهذه المدينة الساحلية الجميلة الطيبة.
في هذه المدينة التي يتبع لها مجموعة من القرى يوجد آلاف المثقفين والنجوم العالميين الذين لمعوا كالذهب في سماء سورية والوطن العربي والعالم.
اذا تحدثنا بالثقافة والفكر والتراث فإن جبلة أنتجت أدونيس ونديم محمد ونبيل سليمان وحسن م يوسف وجهاد جديد وطه الزوزو .... إلخ، كما أن فيها مهرجانا يسمى باسمها استضاف أهم المثقفين والفنانين العرب ريم الكيلاني أميمة الخليل ابراهيم كيفو خالد الهبر سميح شقير وقد غصت المدرجات بالجمهور الذي يدل حضوره على نوعيته ومستواه.
واذا تحدثنا في الفن فمنها انطلق الفنان السوري العالمي سعيد مخلوف وبهجت اسكندر، وأكثم عبد الحميد وأحمد اسكندر سليمان ....إلخ.
واذا تحدثنا بالدين فإن جبلة أنتجت العلامة الشيخ بشير غلاونجي والعلامة الشيخ محمود سليمان الخطيب، وإليها توجه سلطان الزاهدين ابراهيم ابن الأدهم ودفن فيها وله مسجد يعود إلى مئات السنين، إلى جانب جامع المنصوري الشهير بعراقته .
واذا تحدثنا بالاعجاز البشري فابنها أحمد الزوزو بنى بمفرده قلعة خلد فيها الطراز المعماري لكل الحضارات التي مرت على جبلة، ومثله فعل زهير خليفة فبنى قلعة بطريقته الفنية الخاصة.
واذا تحدثنا بالإنسانية فإنها المدينة التي انطلق منها عبد الرحمن زيتون، هذا الإنسان الذي كان له الفضل في إنقاذ الأميركيين من الغرق خلال إعصار ضرب أميركا قبل سنوات، وقد كتبت عنه حينها كبرى وسائل الإعلام الأميركية.
واذا تحدثنا بالرياضة فإن جبلة مدينة البطل العالمي محمد زيتون صاحب ذهبية العالم في السباحة ٣ مرات، وهي أيضا مدينة السباحين الأبطال العالميين ماهر ومروان صالح، أحمد الحسين، فراس وهمام وردينة معلا، والملاكمين الأبطال أبناء البطل حسين غصون، وفي ألعاب القوة فهي قدمت نور الصوص وفاطمة ريا ومازالت تقدم في غير ذلك من الرياضات حيث تعج بأبطال كرة الطاولة على المستوى العربي، وفريقها بكرة القدم استطاع أن يسجل أول حضور سوري في البطولات الخارجية بفوزه عام ١٩٨٧ على الرشيد العراقي بهدف مناف رمضان.
واذا تحدثنا باللغات فهي بيت الله، فهي بالسريانية جب أيل، ومعناها بيت الإله أيل.
واذا تحدثنا بالآثار ففيها يوجد أكبر مسرح روماني على المتوسط وثاني اكبر مسرح في سورية، وفيها مملكة سيانو، وقلعة المينقة، وقلعة بكسرائيل، وكلها شواهد حضارية في غاية الأهمية.
واذا تحدثنا بالعلم فإننا نذكر المدرس المبدع منيب خضور، أستاذ اللغة العربية الشهير جهاد جديد، إضافة لآلاف الأطباء والمهندسين والصحفيين والباحثين.
واذا تحدثنا بالاختراعات والمخترعين فهي أنتجت أكثر من ٢٣ مخترعا في مجالات مختلفة من الأقمار الصناعية إلى الزراعة المائية.
واذا تحدثنا بالنضال الوطني والقومي فهي مدينة الشهيد عز الدين القسام قائد أول ثورة في فلسطين المحتلة.
بعد كل ذلك الذي هو غيض من فيض فلا يسعنا ذكر جميع من أنتجتهم هذه المدينة الساحلية، بعد كل ذلك إنه لظلم كبير تجاهل كل هؤلاء الجبلاويين المبدعين في شتى المجالات، والتركيز على بعض السيئين والمسيئين، فجبلة بما تمتلكه من إرث فكري وحضاري تستحق أن ينظر لها من خلال هؤلاء المبدعين وليس من خلال أولئك الذي لاتخلوا مدينة سورية منهم، وقد أثبتت الأحداث الأخيرة صحة ذلك خصوصا مع ظهور آلاف السيئين والمسيئين في مختلف المناطق السورية التي شهدت أحداثا مؤسفة.