دام برس - ريتا قاجو :
الحديث عن العلاقات السورية المصرية ، لا يوقف أذهاننا عند أول تجربة وحدوية شهدتها المنطقة العربية بين البلدين عام 1958 فحسب ، بل يعود إلى أبعد من ذلك بكثير ، إلى فجر التاريخ عندما اتحدت الأرضان في مواجهة استعمار البر وقبائل الغزاة، مروراً بالتضحيات الكثيرة في وجه الاستعمار العثماني، إلى نصر حرب تشرين/أكتوبر ضد الكيان الصهيوني، وليس انتهاءً بما يواجهه البلدان اليوم من إرهاب تحت عباءة الإسلام السياسي ، ومؤامرات تستهدف جيوشهما الوطنية وهويتهما القومية والحضارية.
أواصر وطيدة تعود بجذورها إلى عمق التاريخ ، في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، وكذلك الدور الرائد لكلا البلدين في التأثير على مجرى الأحداث على الساحتين العربية والعالمية، ما يجعل مصير البلدين واحداً في نظر الشعوب قبل حكوماتها.
عند اندلاع الحرب في سوريا، كانت مصر بقبضة الإخوان المسلمين، الذين حاولوا طمس معالم الهوية الحضارية والقومية والتعددية في مصر، وكان من أولى ثماره قطع العلاقات مع سوريا، وتبني مواقف تدعم الجماعات المسلحة بشكل أو بآخر، وهو ما عبر عنه "مرسي" في تصريحاته " العبقرية" مراراً وتكراراً، ومن ثم محاولة أخونة الدولة المصرية، وسياسات الإخوان التي جرّت الكوارث إلى مصر، فانتفض المصريون في وجه مرسي وأسقطوا حكم الإخوان، وبدأ الإرهاب يضرب مصر وشعبها، ويستهدف جيشها الوطني، ونسيجها الديني والاجتماعي، وهو ما كان سبباً فجر ما يمكن تسميته "بصحوة" عند الشارع المصري، الذي أعاد النظر من موقفه من مجريات الأحداث السورية، بعد أن ذاق ما ذاقه من الإرهاب والتآمر على الجيش ونفاق وسائل الإعلام، التي ذاقها من قبله الشعب السوري.
حراك على المستوى الشعبي والحزبي، طالب بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، عد سقوط أوراق اللعبة السياسية في المنطقة، وانكشاف المخططات الغربية، بالإضافة إلى التصريحات الأخيرة للرئيس السيسي والتي رأى فيها الكثيرون محاولة فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين.
وتتوالى الأحداث لتعكس عمق هذه العلاقة ولعلّ ليس آخرها ما شهده المؤتمر العام لاتحاد المحامين العرب، الذي تحول إلى وقفة تأييد وتضامن مع سوريا ، فهتفت حناجر مصرية وعربية للجيش السوري والجيش المصري أيضاً.
السيد سامح عاشور الذي شغل منصب رئيس اتحاد المحامين العرب، والمعروف بانتمائه الناصري، لطالما كان واعياً لحقيقة الحرب السورية ، وصرح متضامناً مع سوريا وجيشها، وفي كلمته الأخيرة عبر عن استنكاره الشديد للصمت العربي حيال مخططات التقسيم التي يشهدها الوطن العربي.
السيدة ناديا الشافعي وهي مواطنة مصرية متابعة عن كثب للأحداث السورية منذ البداية تقول لدام برس أن الموقف الذي عبر عنه اتحاد المحامين العرب ، يمثل موقف غالبية الشعب المصري، الذي استفاق من غيبوبة كان سببها وسائل الإعلام والحرب الممنهجة فاختلطت عليه الأمور في البداية، وأن أعداء سوريا في مصر اليوم يقتصرون على الإخوان المسلمين وبعض الشباب الذين تشحنهم جهات معينة لمصالحها الشخصية وتضيف ناديا : " من الجيد أن يستفيق المصريون ويعودوا إلى صوابهم من الموقف حيال سوريا ولكنهم في نظري تأخروا جداً ".
إذاً هي حرب ممنهجة سلاحها الرصاص والإعلام جعلت الكثيرين يروون من الزاوية الخاطئة ، وفي هذا الصدد يؤكد الشاب المصري أحمد عبد الفتاح لدام برس أن الشريحة الأكبر من المصريين استفاقت لما يحدث بعدما ذاق الشعب المصري مرارة ما ذاقه الشعب السوري من الإعلام الخليجي المتآمر، فأدركوا أن ما يحصل في سوريا حرب على شعبها وهويتها وقيمها ونسيجها الفسيفسائي، أما القلة التي ما زالت متعنتة وتساوي بين أبطال الجيش السوري والجماعات المسلحة لفظها الشعب المصري ولا يمثلون إلا أنفسهم.
اليوم وبعد دخولنا العام الخامس لما يسميه البعض " ربيعاً" عربياً ، وما تشهده البلاد العربية من حروب واقتتالات وانقسامات وكوارث على المستوى القيمي والإنساني أيضاً، بدأ الجميع يعيد النظر في حساباته ومواقفه السابقة، على مستوى الأفراد والحكومات، فما يحصل أصبح لا يحتاج إلى مزيد من التوضيح، وعلى ما يبدو أنه بخصوص سوريا ومصر تحديداً لم تحسب الدول والجهات سيدة الحروب حساباً للتاريخ والجغرافيا والقيم الإنسانية، التي أقصتها الحرب لغفوة واليوم تعود لتقول كلمتها من جديد !