دام برس – متابعة اياد الجاجة
هادئ وواثق ومطمئن.. هكذا ينقل زوار الرئيس بشار الأسد من اللبنانيين، لكن ذلك لا يعني أن مؤامرة استهداف سورية انتهت، أو هي على وشك النهاية، لأن المؤامرة الواسعة والمتعددة الأطراف، والتي هي في حقيقتها حرب على سورية، دوراً وتاريخاً وإمكانيات، أُجهضت وضُربت في مفاصل أساسية منها، وأصبح حلف استهداف إسقاط سورية في حالة ارتباك واضحة، من دون أن يعني ذلك أنهم سلموا بالأمر الواقع، وبالتالي فهم أمام المأزق الذي بدأوا يتخبطون به، بدأ ينعكس توترات في داخل بلدانهم، لاسيما على المستوى العربي، بعد انفضاح مشروعهم الذي أعدوا له كل السبل والوسائل؛ من الآلة الإعلامية الضخمة، التي تبدأ من الأرض ولا تنتهي بالفضاء، مروراً بتحضير كل الوسائل والأساليب اللوجستية والمالية المذهلة التي تكلف المليارات من العملة الخضراء، ولا تنتهي بالطبع من حشد كل الجماعات الإرهابية من القاعدة وأخواتها، وأجهزة الاستخبارات الغربية والعربية والإسرائيلية.. حتى وصل بهم الأمر إلى محاولات التذاكي والتشاطر، من خلال جامعة الدول العربية أو مجلس الأمن، ففي الجامعة حاولوا إحراج دمشق من خلال بعثة المراقبين العرب، لكن السحر انقلب على الساحر، رغم أنهم علّقوا عضوية سورية في هذه الجامعة المأزومة، والتي لم يعد ممكناً استمرارها على هذه النمط، وحينما فشلوا، تحوّلوا إلى مجلس الأمن، حيث تأكد لهم أن ثمة موازين دولية جديدة تقوم من الرحم السوري، فقد ولى زمن الهيمنة الأميركية والأطلسية، لا بل أكثر من ذلك، بدأت أصوات تعلو في الغرب قبل الشرق حول جدوى بقاء واستمرار الحلف الأطلسي.
مطمئن وواثق الرئيس الأسد؛ حسب زواره، لأن دمشق لا تكتفي بمواجهات العصابات الإجرامية، وتحقيق الانتصارات النوعية التي تعيد الأمن والطمأنينة إلى المناطق التي كانت تعبث بها فساداً وإجراماً، بل أيضاً تكشف حقيقة المشروع الخطير الذي يعد للمنطقة من خلال سورية، التي تُعتبر العقدة الأساسية، فهذه العقدة التي كانت على الدوام على مر التاريخ تشد الأمة العربية، ومفتاح المنطقة، تبين أنها قوية وصلبة وراسخة، بشكل لا يمكن لعقول مشايخ الغاز أن يستوعبوها أو يفكوها بتاتاً.
هل يمكن لآخر ضروب الاحتيال التي يلجأ إليها مشايخ الكاز وورثة عثمان بن أرطغرل وأسيادهم الأميركيين والغربيين.. أن تنجح؟
واثق جداً طبيب العيون السوري الماهر، كما يشدد زواره اللبنانيون، فبعد فشل العرب والغرب في السابق في مجلس الأمن، بفعل التحالف المتين، والذي ينتقل إلى مراحل أكثر تطوراً بين دمشق وموسكو وبكين، من استهداف سورية، بفعل الفيتو، هو هذه المرة أيضاً يضع الحجة على الجميع، من خلال مهمة كوفي أنان، وإن حاول التحريض الإعلامي هذه المرة تصوير صدور قرار مجلس الأمن وكأنه إنجاز لبعض الدول على حساب سورية، لكن الواقع يؤكد أن القرار الأممي جاء في إطار احترام السيادة السورية، وبالتالي فهو يحقق مصلحتها، وهو كان أساساً اقتراحاً سورياً طرحه الرئيس الأسد منذ أشهر، من خلال خطابه على مدرج جامعة دمشق، ثانياً إن القرار أقر واعترف بأن هناك مجموعات مسلحة تمارس العنف والقتل والإرهاب، وهذه المجموعات تتلقى الدعم المالي والعسكري الكبير من دول عربية وإقليمية وغربية، وبالطبع هناك جهات غربية وعربية لا ترغب بانكشاف الحقيقة، وربما لذلك لجأت وستلجأ إلى الإرهاب والتصعيد.. وبصرف النظر عما سيكون عليه موقف أنان بعد انتهاء مهمته، ثمة حقيقة ستكون جلية، وهي أن سورية متمسكة بإصلاحاتها الشاملة، وهذا ما يحمل الخوف إلى الدول الداعمة للإرهاب، لأنها المثل شديد السوء على أنظمة التخلف والظلام والوحشية، وهنا قد يكون سر انغماسها ربما حتى زوالها في هذه المؤامرة.
واثق ومطمئن، الرئيس بشار الأسد، كما ينقل زواره اللبنانيون، الذي وإن كان يشعر ببعض الألم من بعض من كان يعتبر نفسه حليفاً لدمشق، وهو صار له دور ومكانته.. وحتى قيادته من جراء هذه الدعم غير المحدود، لكنه يعتبر أن الأزمة هذه المرة لها حسناتها، لأنها فرزت فعلاً بين الغث والثمين، ولهذا سمع بعض الزوار من الرئيس الأسد اعترافاً بتقصير بحقهم في السابق، وإن بعضاً من يعتبرون أنفسهم أقطاباً في السياسة اللبنانية، واحتلوا مراكز متقدمة في الحكم والسياسة، لم يقدموا سوى النموذج السيئ عن الخيانة الوطنية والقومية.. ونكران الجميل، ثم على الانتهازيين والوصوليين، ومهووسي المال والسلطة أن يعوا ويعرفوا جيداً أن مصيرهم لن يكون أحسن من مصير ذاك الضابط النمساوي الذي خان النمسا، فكان أن رفض نابليون مصافحته، لأن من يخون وطنه يخون كل الناس.
بيد أن الرئيس الأسد يؤكد أن الإصلاحات في سورية تسير بثقة، يريد لها أن تطال أيضاً القوى والأحزاب القومية، وتحديداً حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي عليه أن يجسد أحلام وطموحات كل شرائح المجتمع؛ من الشباب والطلاب والعمال والفلاحين والمثقفين، وكل فئات الشعب المختلفة.
لهذا يريد الرئيس الأسد للحزب في كل قطر عربي أن يجدد نفسه، وأن يتحول إلى حزب وطني مناضل، ينطلق من خصوصية البلد الذي يناضل ويتحرك فيه.. عليه أن يعرف المتطلبات الوطنية والاجتماعية لأهله وشعبه، ويضع البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والوطني الذي يشكل عامل نهوض شامل في المجتمع.
الرئيس الأسد لا يرى ضرورة لقيادة قومية تحرك الحزب في هذا البلد العربي أو ذاك، فعلى حزب البعث العربي الاشتراكي أن يكون وأن يبقى ويظل يحمل أفقاً قومياً وبرنامجاً قومياً، بما يجسد أحلام الأمة في الوحدة والحرية والاشتراكية، لكن عليه أن ينطلق في مشروعه الوطني الاجتماعي وفق خصوصية البلد الذي هو فيه، من دون أن يتخلى عن المشروع والحلم القومي الذي تجسده مبادئ البعث.