Logo Dampress

آخر تحديث : الثلاثاء 23 نيسان 2024   الساعة 10:31:39
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
هل إدلب ستقرر وضع تركيا في الناتو ؟ الثعبان التركي والكيس الروسي .. بقلم : نارام سرجون
دام برس : دام برس |  هل إدلب ستقرر وضع تركيا في الناتو ؟ الثعبان التركي والكيس الروسي .. بقلم : نارام سرجون

دام برس :

في السياسة التي تحركها القيم العليا والعقائد والايديولوجيات تبدو السياسة عملا متعبا يشبه عمل القاضي الذي لايريد ان يظلم احدا في قضية كل من فيها مظلوم .. فالايديولوجية والعقائد والنظريات قيود والشفافية مذهب مقدس .. اما السياسة التي يحركها تجار السياسة ورجال الاعمال فان كل مايقال فيها يخضع لقوانين السوق والدعاية والاعلان والمضاربات .. ولذلك عندما يريد تجار السياسة الترويج لبضائعهم ومشاريعهم فانهم يقومون بعملية ترويج وتأثير نفسي على الناس كما يفعل التجار في ترويج بضائعهم واعلاناتهم .. فهناك من يتحدث عن سلعة فاخرة او ممتازة ويحولها الى حلم او فرصة لمن يشتريها .. حرية وديمقراطية أو حرب او سلام او استسلام ...

وتجار السياسة الغربيون وغيرهم في عالم اليوم قدموا لنا مثالا على تلك الأمواج المتلاحقة من التصريحات التي جرفت في طريقها الناس الذين تركوا انفسهم يستسلمون للموجة الطاغية .. ففي الربيع العربي ساد شعور طاغ لدى الجمهور انهم يفعلون الشيء الصحيح وانهم يعيشون زمن الثورة والحرية بسبب موجات الحرية والديمقراطية والتوق الى الكرامة .. وبعضهم جرفتهم أمواج الساعات والايام المعدودة للنظام السوري الذي اقتنع كثيرون انه انتهى وقضي الأمر فيه .. فحار الناس وبعضهم استسلم ومنهم من قفز من السفينة ظانا انه نجا .. وتبين للناس بعد فترة ان ساسة العالم كانوا تجارا ملاعين وورطوا الناس في مواقف غير موفقة واقتادوهم بالموجة الى الحرب والمنافي والتشرد .. وأن ساسة العالم كانوا يعتمدون اسلوب التجارة والشطارة .. فيطلقون امواجا من الاخبار المتلاحقة والتهديدات النهائية .. موجة اثر موجة حتى يختل توازن الناس ويتركوا أنفسهم تحملهم الموجة .. ليغرقوا فيها او ترميهم كما ترمي الفيضانات الأنقاض في مصبات بعيدة ..
ولذلك فان الحديث عن التموضع التركي اليوم يخضع لهذه القاعدة التي يقوم بها تجار السياسة في العالم .. فهناك من يقدم تركيا للناس على انها امام تحول كبير وانها ربما تنشق عن حلف الناتو وتعلن الطلاق مع اميريكا .. ويستندون في هذا الامر على حادثة الانقلاب العسكري التي قصمت ظهر العلاقة بين اميريكا واردوغان .. ويتم استعمال الانقلاب مثلما استعملت حادثة ديفوس التي ظن الناس ان اردوغان سيصل من دافوس الى تركيا وسيطرد السفير الاسرائيلي فورا بعدما شرب حليب السباع وقال مالم يقله تركي لاسرائيلي منذ نشوء اسرائيل .. وأن اردوغان سيكمل جميله بعدما رأى هذا التقدير العارم له في العالم الاسلامي وفي تركيا وكان الدعم اللامحدود بمثابة تفويض له لاتخاذ القرار الذي يريد .. وطبعا كان انقلاب دايفوس قد لحقته عملية سفينة مرمرة والتي جعلت الناس يتوقعون ان تركيا قد تركت العلاقات مع اسرائيل وودعتها الى الابد .. وكان بعض الناس رومانسيين ووصل بهم الامر انهم صاروا يعتبرون تركيا جزءا من محور المقاومة ويتوقعون في اي لحظة ان تنضم تركيا رسميا الى محور المقاومة .. ولكن انقلاب دافوس تبين انه خدعة .. وان اسرائيل تحالفت سرا مع تركيا لتهديم العالم العربي .. فتركيا ستستفيد واسرائيل ستستفيد .. الاولى ستثأر من العرب الذين طعنوا امبراطوريتها في الظهر عام 1914 وتسببوا في كارثة تفكك الخلافة العثمانية .. كما انها ستعود تدريجيا عبر تنظيمات اخوانية لتتسرب الى العالم العربي الذي سيكون جائزة ترضية من الناتو واسرائيل عن خذلانها في وجهتها نحو عضوية الاتحاد الاوروبي .. اما اسرائيل فانها استفادت في انها كسبت حربا عظيمة ودمرت الخطر العربي عن بكرة ابيه في الربيع العربي وسيعطيها مددا وحياة طويلة .. وكلنا ندرك الان ان تركيا نفذت كل التزاماتها وحققت لاسرائيل كل ماتريد ولم تخسر اسرائيل حتى سفيرها ولم يخرج سفير تركيا من اسرائيل الا لقضاء اجازة استجمام تغطت بمسرحية انه استدعي للاحتجاج على اسرائيل ..
يبدو لغير الحصيف أن وضع تركيا هو الافضل لها هذه الايام بسبب تموضعها الذكي بين روسيا واميريكا ولعبها للأوراق بمهارة فهي تقبض من الطرفين وتتدلل على الطرفين رغم انها مختلفة مع الطرفين .. فهي متمسكة بموففها من الحكومة السورية ومن معركة ادلب رغم مغازلتها لروسيا .. وهي ايضا رغم خلافها مع أميريكا فانها تفاوضها على اكراد سورية .. مما حيّر الناس .. وهذه الحيرة هي من ضمن سياسة التمويه الاردوغانية والغربية التي تقدم عرضا على مسرح السياسة عن استدارة تركية وعن تشنج بينها وبين الغرب بسبب الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا الذي هو احد الديكورات او الاكسسوارات التي تستعمل لاضافة الكثير من الجدية على نية تركيا في ان تتزحزح بعد تموضع واستقرار في البيت الاميريكي منذ زمن عدنان مندريس .. ومن يتابع التصريحات التركية وخاصة تلك التي يجيد اردوغان صياغتها باضافة البهارات والفلفل والصراخ عليها لتصبح شهية يظن ان تركيا خرجت من حلف شمال الأطلسي او انها ستخرج حتما وانها انتقلت للسكن في الحلف المغاير وانها ستحول قاعدة انجرليك الى حميميم روسية.. ومما أكسب هذا التصور والانطباع جدية هو معركة ادلب .. آخر معركة لتركيا في الشمال السوري ..
في ادلب يبدو الروسي الذي كاد منذ سنتين يخوض حربا مع تركيا ويمحوها في سورة غضبه من حادثة اسقاط الطائرة الروسية .. يبدو اليوم وكأنه يجامل كثيرا تركيا في ادلب بل ويكافئها بان يترك لها القرار الذي تريده في ادلب فهي تبدو وكأنها هي التي تقرر ايقاع المعارك .. ترفع صوتها او تخفضه .. ترفع سبابتها .. وتقف كشرطي المرور للقوات على طرفي النزاع .. وفي خضم المعركة فجأة يتم التذكير بالصراع على البقاء بين صفقة السلاح الروسي اس 400 وطائرة ف 35 الاميريكية .. وتبدو هنا تركيا مثل العروس التي يتخانق عليها شابان وكل منهما يريدها عروسا له .. فيما هي تمسك وردة وتقطف بتلاتها .. واحدة ل اس 400 واخرى ل ف 35 .. اس 400 .. ف 35 .. اس 400 .. ف 35 .. وهكذا .. فيما هي تتدلل .. مرة تغمز للعريس الروسي وتسير معه الى باب غرفة الدخلة .. وتتركه لتعود لتغازل الشاب الامريكي وتعانقه .. ولايزال العالم لايعلم من سيحظى بالعروس التركية ..

تبدو اميريكا مهتمة بالعروس التركية وكأنها تدفع لها المهور الغالية فرأس الاكراد بين يدي ترامب وهو سيقدمه لتركيا كما قدم هيرودس رأس يوحنا المعمدان لسالومه .. وهو يمنع سورية من تحرير ادلب ويرفع اشارة الفيتو على معركة ادلب .. ويحاول ترامب كسمسار وصاحب تجارة العقارات يحاول ان يقدم لتركيا عقارا سوريا هو ادلب كعربون محبة وثقة .. وهو الذي اشتهر بأنه يهدي عقارات لايملكها .. فهو أهدى القدس والجولان لنتنياهو .. ووقع على الورق انه تخلى عنها لشعب اسرائيل .. وهو يمنع معركة ادلب كمن يقول انه سيعطي ادلب كما اعطى الجولان .. وهناك طابور اعلامي يكتب ويسرب عن صفقة بين الروس والامريكيين للسماح ببقاء ادلب في عهدة تركيا كجائزة ترضية ..
ومما يزيد التشويش ومصداقية هذه الاخبار لدى بعض السذج هو الصمت الروسي عن الدور التركي والمبالغة في ارضاء تركيا وعدم ازعاجها ويبدو العريس الروسي حريصا على كسب ود العروس .. والبعض صار يكتب عن ان اتفاقات بوتين الاقتصادية مع تركيا لاتستحق ان يخسرها من اجل ان يكسب ادلب !! فتركيا مهمة جدا لروسيا اكثر من ادلب ..
ولكن تركيا الاطلسية لايمكن ان يسمح لها بتغيير التموضع .. فالاطلسي الذي يعتبر تركيا ثاني أهم اعضائه لايمكن ان يسمح لاردوغان بأن ينقل تركيا ببساطة الى محور روسيا .. ولايقبل منها حتى الحياد في الصراع مع روسيا .. واذا قررت تركيا تحدي اميريكا في هذا فان اميريكا ستنسف تركيا من الداخل نسفا لأن الاميريكيين لم يكونوا في تركيا عبر قواعدهم وعسكرييهم ونشاطهم الاقتصادي وتغلغلهم في الجيش التركي لم يكونوا يتريضون ويصطافون ويأكلون المشاوي التركية .. بل كانوا يتموضعون عميقا في اللحم التركي حتى العظم .. فالامريكيون منغرسون في اهم مفاصل المؤسسات الرئيسية والقرار التركي الاقتصادي والمجتمع .. وهم يعرفون اين وضعوا القنابل الموقوته وساعة تفجيرها وسيدمرون تركيا قبل ان تصل الى ايدي الروس .. وهم تعلموا من خسارتهم لايران الشاه ان يكونوا في اي بلد مزروعين عميقا وليس فقط في النخب السياسية والعسكرية كما كان الوضع في ايران الشاه .. وبمجرد سقوط النخب العسكرية والسياسية لم يبق شيء لاميريكا في ايران ..

وروسيا تدرك ذلك وتعرف اهمية تركيا في الناتو وموقعها الجغرافي والعسكري .. والروس ليسوا واهمين ولايحلمون ان يقتلعوا تركيا من أشداق الناتو .. ولكنهم يحاولون احتواء تركيا بابعادها عن مناطق نفوذهم التقليديةجنوب تركيا .. فجنوب تركيا عربي يتمثل في سورية والعراق واللذين كانا تقليديا منطقة نفوذ روسي .. وروسيا تعود تدريجيا الى عالمها القديم الذي خسرته بتفكك الاتحاد السوفييتي .. وابعاد تركيا عن مناطق نفوذ روسيا التقليدية هو ابعاد للناتو الذي تموضع في العراق وسورية .. والعملية الروسية هي عملية تشبه مراحل اصطياد الثعبان .. حيث يمسك من ذيله ويزج برأسه في كيس ثم يتم دفعه في اعماق الكيس واغلاق الكيس باحكام .. ورأس الثعبان التركي في ادلب السورية .. وذيله في شرق الفرات .. والكيس مصنوع في سوتشي.. ولذلك يعطى التركي عرضا بالاس 400 .. والتمهل في ادلب .. والروسي يدرك ان الكلمة الفصل لقرار تركيا هو لأميريكا .. صاحبة الثعبان ..

لذلك يخطئ من يظن ان ادلب هي موضع بحث او مساومة وأنها هي التي ستقرر ان كانت تركيا ستتحول الى محور روسيا أم لا .. او انها من اجل الاحتفاظ بادلب ستنحاز ضد اميريكا .. بل ان اميريكا تريد لتركيا البقاء في ادلب ضد رغبة روسيا ولاتمانع وصول اس 400 لغايات تمويهية او استطلاعية .. ولكنها لن تقبل على الاطلاق باهانة سلاحها ورفع قيمة السلاح الروسي وسمعته التي ستتضرر عندما تتسلح دولة ناتو بسلاح من عدو الناتو .. وقد توقف الصفقة في آخر لحظة ..

ادلب تنتظر الأسابيع القادمة .. لأن الثعبان يراوغ ولايريد ان يدخل الكيس .. ولكن مهما حاول فانه لامحالة سيدخل الكيس وسيرمى خارج ادلب .. والثعبان مهما غير جلده فانه سيبقى ساما ومرقطا .. اي ان تركيا لايمكن ان تكون الا عدوة طبيعية لروسيا وسورية .. وهي دولة ناتو .. مهما غيرت جلدها .. ونوع صواريخها .. الى اس 400 او اس 500 .. كما ان روسيا لاتملك ان تعطي لتركيا .. الا كيسا فارغا .. مهما كان مكتوبا عليه .. اس 400 أو اس 500 .

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  2019-06-24 02:26:10   تركيا
على الارض هو ما يهم المواطن السوري و كل التحليلات السياسية. هي حبر على ورق ....وجود ًالثعبان في محافظة واحدة و لكنه يهدد اربع محافظات لا تنفع معه المعاهدات و الصداقات و خط الغاز !!!!!
عمر الخيام  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz