دام برس :
في ماهية السياسة دائما يتطرق الحديث عن جناحيها خاصة في حضرة الطلاب بالكليات المتخصصة .عن الدبلوماسية والحرب.ويخطيء من يعتقد أن السياسة هي الطرف الآخر نقيض الحرب .لكن واقع الدراسات الأكاديمية تفتتح مدخلها إلى علم السياسة بمجموعة من التعاريف .انتصرت إلى وضع التعريف الأدق .ويصطلح الحكام استخدامهم مفردة السياسة إشارة إلى ممارسة العمل العام لإدارة شؤون البلاد ..وماكان ليمكن أن يتولى الحاكم رئاسة الإدارة لو لم يكن هناك صلاحيات واختصاصات وأُطُر تتألف منها وبدقة المسؤوليات التي يمارسها الرئيس..أي رئيس.
ويحكمنا هنا محددان : -
الأول : الغايات التي تتألف منها مقاصد أصحاب المصلحة من الحكم .وهي التي تفرض على الإدارة _ الرئيس_ الإتجاه بالسياسة نحو الدبلوماسية أو الحرب .
وهذا في مجال العلاقات الدولية .
المحدد الثاني: مدى معرفة الرئيس وبدقة مم تتكون صلاحياته والتي ينبغي أن تفرض الممارسات لمقاصدها.وأن الأصيل _ صاحب الحق_ ..الشعب قد جمع من حزمة تنازلاته الفردية حصة عليا حددها بالترك _ المشروط_ لتتشكل منها صلاحيات الرئيس في الإدارة .
وأن الشعب يحاسب عليها وله الحق في المتابعة واسترداد كامل التفويض إن لم يستجب الحكم لمعطيات الوكالة .
إن الرئيس عبدالفتاح السيسي قد جاء بتفويض عارم وقعته الجماهير المصرية في توقيت يعجز كتبة التاريخ عن وصفه.
ومن الإنصاف أن نوجز الرد على مدعي عسكرة الحكم في مصر وإتيان السيسي بالإنقلاب المسلح.أنه يجب وبهدوء شديد مراجعة القواعد المستقرة في القيم الديموقراطية .لنخلص إلى أن الديموقراطية أسلوب ممارسة واختيار حر عبر الإقتراع المباشر .وماوعى العالم المتمدين طريقة لنزاهة الممارسة الديموقراطية سوى صندوق الإنتخابات.والذي هو مجرد وعاء يضع فيه الناخب المواطن رأيه واختياره .بما يحيط هذا الصندوق من شفافية ونزاهة .ويتولى عن الشعب أفراد أو مؤسسات حماية الممارسة وإعلان ناتج فرزها ..
والمدعون أن رئيساً أتاه الشعب إنتخاباً وخلعته البندقية وجاء السيسي رئيسا بالإنقلاب ..هم بالمطلق مخطئون.
لأن الشعب الذي يختار ..قد ابتدع وسيلة أكثر جدية وشفافية _ وهو المُعلم_ انتزع كل صلاحياته وكامل حقه في الممارسة والإختيار .أزاح المؤسسات واللجان والنواب .وخرجت الملايين إلى أوسع مكتب للتوثيق على سطح الكوكب الأرضي ..ليلغي وكالة أعطاها عبر الصندوق إلى مرسي.
_ وهنا أبلغ الرد على الذين تشدقوا بأنه كان يجب أن يستكمل مدة الرئاسة _ لأن الموكل ضبط الوكيل يعمل خارج نطاق الوكالة وحدودها .
فخرج المصريون الى الميادين يبصمون بأقدامهم وتقرأ حناجرهم بيان إلغاء الوكالة وتجريد مرسي من الصلاحيات .وتوكيل الوكيل اللائق _ في يقين المصريين_ لتنفيذ القرار الشعبي الموثق .فلم يعد مرسي الرئيس .ولم يعد المنتخب .ولم يعي العالم أبجدية المصريين المبتكرة لترسيخ قيمة جديدة للقيم الديموقراطية...
وتم انتخاب السيسي رئيساً..ويحضرني سؤال غاية في الأهمية: هل وعى الرئيس عبقرية الشعب المصري .؟
إن الوعي بعبقرية المصريين يفرض بدوره إلى جانب صيانة محددات السياسة _ دبلوماسية وحرباً). وفي حال اليقين الكلي بالإلمام بمصدر السلطات وكونها حاصل جمع تنازلات الشعب ليتكون من مجموعها الصلاحيات التي يمارسها الرئيس سياسةً بجناحيها في العلاقات الدولية لحماية الأمن بمفهومه الشامل الوطني والقومي.
وإدارةً لترميم أوجاع المصريين وتعافيهم للشفاء ومايستلزمه من انحياز..
إن الشعوب لاتنتصر لمن يمارس إفقارها وإمراضها وتخلفها وإن استبد الحكم وكان قادرا عليها ..
لذلك فثمة فارق كبير في صلاحيات الرئيس _ أي رئيس_ بين ماهو السياسة بذراعيها..وبين ماهو الإدارة التي تثمر توازن حقوق الأمة والفصل بين مكوناتها الطبقية للحيلولة دون استئساد طبقة على حساب الطبقات بتجريف عوائد فائض عرقها وجهدها دون محاسبة .
الأمر الذي يفرض دوراً للدولة ..الحاكم .الرئيس المنتخب ..
ومالم يتعاظم دور الدولة بما يوازي ثقل وحجم التفويض الجماهيري .عبر الصناديق التقليدية - المصنوعة من الخشب أو الزجاج- أو الصناديق المستحدثة بعبقرية المصريين للتصويت الجماعي في الميادين ببصمة الأقدام وتلاوة الحناجر...ثمة كارثة وخلل وانحراف بالسلطة حال الممارسة بالإدارة.
وفي مصر .
سابق السيسي الزمن ..نعم .نقلة كبيرة في الإنشاءات ..المدن والطرق ._ لانتكلم هنا عن السياسة الحرب والدبلوماسية وماتفرضه من إعادة تسليح الجيش _
بل نحصر كلامنا عن الإدارة ..حقوق المصريين ونصيبهم العادل وآليات الممارسة .
يتباهى وزير قطاع الأعمال بالتوجه لبيع الشركات الرابحة ..و إن كانت خاسرة أو تم تخسيرها لهدف بيعها لاستيراتيجيتها في البنية القومية والأمنية لمصر .ويتباهى بعبقرية لاتخلو من غباء الإلمام بالحد الأدنى للمعرفة بالمصريين وقدراتهم على المحاسبة والعسيرة أيضاً وقتما يشاؤون.بأن البيع بالطبع سيكون للأجنبي .وقدم الوزير نفسه إلى التاريخ والمصريين باعتباره أحرف سمسار وهو يقول _ احنا هنبيع مصنع الحديد والصلب شيلة واحدة .
هل يعلم رئيس الإدارة ووزير حكومة البيع أن التخلص من مصانع الحديد والصلب يفقد مصر قدرتها بل يقطع الطريق على الصناعات الحربية ويضع الإدارة على المحك للإضطرار على ممارسة السياسة بدون قوة ردع تمكّنها من حشد رأياّ دولياً حول موقفها الدبلوماسي المدافع عن صوابية حقوقها وأمنها القومي والإقليمي ..كما تُضعف قدرتها على الذهاب إلى الحرب حالما تكون الأخيرة هي الحل الأوحد .
ولاعتبار الإدارة في حقيقتها مشروع يتألف من خطط وآليات .ولاعتبار الخطط والآليات بالتالي تستهدف منتوجات محددة في ذهنية واضع تلك الخطط وموفر الآليات .
ولايمكنني قبول الخطط بالمطلق ..فلاتوضع الخطط لذاتها .بل للمجتمع وبعد دراسة احتياجاته لتحقيق السلام الإجتماعي ومن أجل الرفاهية ولن تتحقق رفاهية مجتمع لم يسلم طبقياً وتم حرمانه من التناغم الطبقي بفعل شرزمة من أصحاب رؤوس الأموال .
ولن يجدي أبدا الأداء الإداري في إدارة شؤون
المصريين في ظل الظروف الكابوسية التي تحياها الطبقات المعدمة دون أن تعود الدولة تخطط للإقتصاد الوطني وتدير تنفيذ الخطة مع إعطاء دورا للرأسمالية الوطنية .
ولن يتحقق ذلك ويؤتي ثماره المرجوة منه من دون مجتمع يؤلف تكويناته السياسية دون تأميم ويطرح للتجربة الحزبية طُرُقاً تساعدها على التعافي والعودة إلى فتح الطريق والآن لانتخابات إدارات محلية مع إغلاق الباب أمام ثقوب القوانين التي تجعل نظام الإنتخابات النيابية والشعبية بالنظام الفردي لما لهذا النظام من القدرة على مأسسة الفساد والرشوة وتضليل الناخب والبطش بحقوقه وبالتالي بالهدف من الإنتخابات .ويؤجل الإسهام في إنضاج الوعي العام لعدم طرح أحندات فكرية للإدارة أو سياسية للحكم .بما يجعل نظام الإنتخابات هذا معوق رئيس في النمو وعقبة أمام التنمية.
فلا أرى على أجندة الرئيس السيسي للآن مشروعاً يسهم في فتح الطريق وإزالة الإنسداد الإداري والسياسي .ولا أرى سعياً أو ذهاباً جاداً نحو حتمية إنتاج مجالس محلية منتخبة .
وكنا في زمن مبارك نعارضه لعدم قناعتنا بوضع إطار لرؤية المستقبل وكيف ستنتقل السلطة.
ونحن ياسيدي الرئيس نخشى على مصرنا ..ونطلب وهذا حقنا أن نتعرف على آليات نقل السلطة ونعرفها وتعرفنا ولانترك الأمور لوقتها وقد يحين ولم نعرفها _ تلك الآليات ولم تعرفنا _.
ربما يهاجمني البعض معللا أن هذه الأمور جلية في الدستور .
وقد كان لدينا في السابق دستور ونصوص .
لكننا نهيب بالرئيس أن يعطينا طريقا نستحقه وتعوزه مصرنا اليوم .طريقا لانفاضل فيه في كل الإنتخابات بين شخوص ..بل بين برامج وأفكار .
نناشد الرئيس أن يدرج هذا الإستحقاق على أجندته في الإدارة ليتمكن الشعب من الممارسة الواعية لاختيار دقيق للإدارة ..وللسياسة.