Logo Dampress

آخر تحديث : الخميس 28 آذار 2024   الساعة 15:51:17
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
أين دول الخليج في التبعية لأميركا ؟
دام برس : دام برس |  أين دول الخليج في التبعية لأميركا ؟

دام برس :

منذ فترة ليست بالقصيرة كانت تُطرَح على نفسي أسئلة حول تلك الأموال التي تنفقها السعودية في العالم العربي والإسلامي على التعليم القرآني وبناء المدارس والجامعات أهي فعلاً في سبيل العِلم أم أن وراءها أغراض سياسية؟ كانت تلك الأسئلة تُحرجني لكن بعد فترةٍ من القراءة والتأنّي في الواقع الوهّابي تبيّن لي أنها مدارس وجامعات لـ"تفقيس" المذهب الوهّابي ورضوخ لبعض الدول من خلاله إلى السيطرة سعودياً على أهم الدول العربية والإسلامية بواسطة هذا المذهب. الذي لا يعرف إلا النبش في القبور والاتّهام لمَن يخالفه بالشرك والتكفير.

مذهب يقوم على إسقاطات سياسية هجينة، وبالتأكيد ليست إسقاطات دينية، فمنذ نشأة الدولة السعودية والتحالف قائم بين المذهب الوهّابي والسلطة السياسية "الحُكم الوراثي" على أن يكون هو مصدرها وأن تكون هي علّة وجوده، فأضحى لاحقاً أهم المذاهب الإسلامية من الوجهة السياسية السعودية وأحيلت المذاهب المعروفة والعاملون بها في أكثر من بلد إلى مذاهب لا يعتد بها، بل أنها في نظرهم غير سلفية.

مع أنها مذاهب يشهد لها وجميعها، بالتأكيد ليس شريعة مُقدّسة كما يقول أصحابها، إلا أن المذهب الوهّابي أريد له بقوّة المال والسياسة أن يكون شريعة، صاحبه والعامل به لا يخطئان، ومن رأى فيه على أنه اجتهاد شخصي رُمي بالدَجل، وما يحدث اليوم في أغلب البلدان العربية والإسلامية من خراب ودماء ودمار هو بسبب دُعاة هذا المذهب وأدعيائه، وهو بالتالي أضحى مذهباً سياسياً يحمل مفهوم النازية والميكيافلية، مع أن الكل يتّفق على أن المذاهب الإسلامية هي اجتهاد بشري ولا يوجد من العلماء مَن ادّعى أنه أصاب الحقيقة من دون سواه. ما عدا محمّد بن عبد الوهاب، بل إن الإمام مالك ذهب إلى القول "كلكم راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر"، مشير إلى قبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والكل من أصحاب المذاهب الأربعة يقولون ذلك ما عدا المذهب الوهّابي الذي تم تقدسيه، ومحاولة نشره بقوّة المال لأهدافٍ سياسيةٍ تحت غطاء قتل "الصوفية" لأنهم"مشركون" وهم مسلمون باتفاق أهل المذاهب الأخرى، وما يحدث الآن في سوريا واليمن، وباكستان، وما حدث من قبل في العشرية الحمراء في الجزائر هو نتاج هذا الفهم الخاطئ للدين.

وبعيداً عن التأويل وعن الحُكم المُسبَق والتصوّر الخاطئ، وبعيداً عن الظنّ وإن كان الظنّ لا يغني من الحق شيئاً، أقول هناك مواقف سيّئة ومن دول عدّة صنعت الإرهاب وأطاحت بنفسها في بؤر التوتّر لها ولغيرها من دون أن تأخذ الاحتياط اللازم لذلك. هناك دول جنّدت مرتزقة ولها في هذا المبدأ الأسبقية وهي اليوم تعاني وليس لديها حل يمكّنها من إعادة ترتيب واقعها بعيداً عن الظاهرة، ومن دون أن تصيبها في مناصبها. ظاهرة تسخير المرتزقة لإقامة الحروب والانقلابات، وحتى الاغتيالات للرؤساء والزعماء، ظاهرة أوروبية أميركية، مئات الانقلابات قامت بها أميركا بواسطة المرتزقة، انطلاقاً من اليونان مروراً بأميركا اللاتينية وصولاً إلى إفريقيا.

مئات الانقلابات قامت بها الأجهزة الأمنية الفرنسية في دول إفريقيا بواسطة المرتزقة، والنهاية حروب تلد حروب، لكن التحوّل في الظاهرة وبشكلٍ فجائي باتجاه دول الشمال الأميركي هي الأهم، فقد عانت تلك الدول من سلسلة انفجارات هزّت المجتمع فيها هزّات عنيفة في بعض الأحيان كما حدث في أيلول/ سبتمبر بأميركا، الحدث أدّى إلى تفجير البرجين الرمزين لأميركا، وقتل أكثر من أربعة آلاف أميركي. وما حدث لها أيضاً في نيروبي والتدمير الذي أتى على السفارة الأميركية فيها، وفي لبنان وسقوط أكثر من 200 فرد من المارينز في لبنان لوحدها، لم تكن ظاهرة المرتزقة ذات صلة بالإسلام. لكن حين تحالفت السعودية مع أميركا، في الحرب في أفغانستان ضدّ روسيا تحوّلت الظاهرة إلى حربٍ دينيةٍ بالوكالة، ومن أطرافٍ عدّة، وضد أطراف عدّة، وأُلبست لباس الدين، وهي تمارس اليوم في بلدان عربية بما يخدم أميركا وإسرائيل وبما يُناقِض الدين، وهنا وبعد نهاية الحرب الروسية بخروج روسيا من أفغانستان بدا التعامل مع الظاهرة كظاهرة حرب ضدّ أيّ طرف إسلامي مقاوِم، دولاً أو جماعات، انطلاقاً من التصوّر الجديد لمفهوم العدوان الجديد كما حدّده المُحافظون الجُدد في الولايات المتحدة الأميركية العدو القديم للاتحاد السوفياتي سقط.

العدو الجديد في نظرهم وهو الإسلام المقاوِم بدأ ينمو، إن الأيديولوجية الشيوعية سقطت بسقوط الاتحاد السوفياتي، وتفكيك حلف "وارسو" لكن الأيديولوجية الإسلامية. بمفهوم المقاومة في نظرهم هي القوى المُناهِضة للرأسمالية وللهيمنة الاستعمارية، من هنا جاءت نظرية الفوضى الخلاّقة، باعتبار التنظير لها المُسبَق، بأنها لا تأتي حصادها إلا عبر غلاف ما يُسمّى بالدول المعتدلة وبالتالي حرب بالوكالة. كانت دول الخليج الحاضِنة لها أو أنها على الأقل تحدّ من ظاهرة تنامي المدّ الإسلامي المقاوِم بعيداً عن العداء لإسرائيل، كانت الجزائر أول مَن احترق بالفوضى الخلاّقة  "الإسلامية" قبل أن تصبح غلافاً لمُصطلح سياسي عسكري "الربيع  العربي". وقتها وقف العالم كله صامتاً والبعض منه تدخّل بواسطة الأجهزة الاستخباراتية، وكانت فرنسا تعوّل على امتداد الفوضى هذه إلى العُمق الاجتماعي والإقتصادي في الجزائر. فسارعت إلى شراء بعض ديون الجزائر كي تكون سبباً غير مباشر للهيمنة من جديد.

الأكثرية لا تعلم أن التخطيط لهذه الفوضى في الجزائر كان مُقرّراً سنة 1985أي مع بداية سقوط سعر برميل النفط بفعل سعودي أميركي، والجزائر تعتمد اقتصادياً على النفط. فرنسا ساهمت في الأحداث في الجزائر في أكثر من زاوية، بل إنها لما انخفضت حدّة التوتّر فيها راهنت على المديونية. مديونية الجزائر اتجاه صندوق النقد الدولي، وافتعلت عدّة أحداث لها لاحقاً في منطقة بلاد القبائل، غير إن الوعي الوطني كان صمّام المواجهة في كل تلك الأحداث، لقد جهّزت دول عربية الوهّابية تحت غطاء السلفية في تلك الأحداث. لم تكن تدري أن السلفية التي أنشأها إبن باديس وغرسها في الأمّة هي الوعي بالواقع والأخذ بمبدأ التناصُح والتصالُح، هي قمّة السلفية بمفهومها الديني الذي جاء بها كل الأنبياء.

لكن الوئام الذي أعاد الشعب الجزائري إلى قلب الواقع واليقين السياسي القائم على مبدأ الوفاء والإخلاص للوطن ودم الشهداء، لم يعجب الكثير ممَن كانوا ينتظرون سقوط الجزائر في التجزيئية، لأن منطق الفوضى الخلاّقة أساسه التجزيئية، وهذا ما يلاحظ اليوم عالمياً حين ظهر بُعدها الخفيّ على سطح الأحداث كظاهرةٍ انتحارية ضد الجميع. لكن يمكن لأيّ منا طرح السؤال التالي: ما الفائدة من وراء هذه الظاهرة بالنسبة للبلدان العربية التي انخرطت فيها بالمال والإعلام؟ هناك رؤيتان:

أولاهما: أن بعض دول الخليج تعاني من التخمة مالياً، وتعاني من الانحسار الجغرافي، وبالتالي فإنها دخلت في اللعبة الدموية من هاتين الزاويتين. فضلاً عن بعض الوعود التي أعطيت لها من طرف أميركا بالخصوص، في أنها ستكون زعيمة الوطن العربي "السعودية، والإمارات، وقطر". وبالتالي تقضي على انحسارها الجغرافي، وإن كان ذلك يُعدّ ضرباً من الممارسة للجنون بوعي ذلك أم بعدمه، إن التاريخ لا يُصنَع في المحافل الوهمية ولا يمكن عكسه بمرارة الواقع، وإن الفوضى في النهاية هي سبب هذا الوَهم. وأن الجغرافيا لا تصنعها الأحداث بل العكس هو الصحيح، وإن الخطأ لا يبرّر منطق الدوام المطبوخ على الأوراق أياً كان مصدر هذه الأوراق.  

وثانيهما: إن بعض هذه الدول العربية "دول الخليج" بحكم فضائها الاستراتيجي القائم على الفساد والانقسام الطبقي، الطبقة الأولى فيه تعبث بالمال، وتسلك خطوط التواصل إلى الانحدار بدل الصعود وقد بدأت تحسّ أنها في طريق فقدان ما هي عليه من ترف ومن سلطة سلالية. لأن المنطق يقول إن فعل الخطأ حبله قصير، فضلاً أن المذهب الديني الذي تسوّق بواسطة خطاياها صار جافاً وغير قادر حتى على استقطاب هامش الواقع. هذا الإحساس بالزوال من الواجهة أدّى ذلك كله إلى تجنيد كل ما لديها من أوراق لإدارة الفوضى خارج حدودها قصد المحافظة على عروشها.

ثم إن المذهب الذي تسوّقه على أنه دين السلف ثبت أن دُعاته هم مُجرّد تماثيل من وَهْمٍ، وهنا جاءت الفتاوى القائمة على التحريض على الدماء بدءاً من الفتاوى الوهّابية التي تُدين الآخر بالكفر لأنه من مذهب آخر كالصوفية والشيعة والأباضية. وتعمل مناجل إظهار مذهبها الوهّابي المُناهِض للدين الصحيح بإنسانيته وحضارته اللتين تشترك فيهما البشرية عامة، بل وتأخذ به الحضارة الإنسانية بعيداً عن الرؤى الانعزالية، بعيداً عن القول والعمل بما يخالفه.

لقد أضحى كل من لديه لحية داعية، وهو لا يفقه في الدين إلا قليلاً ولا صلة له بما يجري من مُتغيّرات في الحدث الاجتماعي والدولي شيئاً. وفي التاريخ ثلاثة مواقف، أولاهما للاستهلاك، وثانيهما للاستهداف، وثالثهما للبناء ورسم معالج جديدة. والذين لا يُميّزون بين هذه المواقف هم الذين احتضنتهم الأخطاء وبنوا حياتهم على اللهو سواء داخل بيوت الدعارة أو داخل القصور.

محمّد لواتي
رئيس تحرير يومية المُستقبل المغاربي

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz