Logo Dampress

آخر تحديث : الثلاثاء 19 آذار 2024   الساعة 01:40:09
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
السودان واستمرار التقسيم .. بقلم : الدكتور محمد رقية
دام برس : دام برس | السودان واستمرار التقسيم .. بقلم : الدكتور محمد رقية

دام برس :

لقد زرت السودان لأول مرة في صيف عام 2004 على رأس وفد رسمي بناء على الدعوة الموجهة لنا من  الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية ومركز الاستشعار عن بعد في السودان لمتابعة تنفيذ الاتفاقية التي وقعناها معهم بنفس العام, والتي قمنا من خلالها على مدى عدة سنوات بإجراء مسح جيولوجي لمناطق شمال شرق السودان المطلة على البحر الأحمر الغنية بالمعادن وخاصة الذهب ووضع خرائط جيولوجية لها باستخدام الصور الفضائية بمقياس 1/ 100000

إن أول مايلفت نظرك هوغنى هذا البلد بكل أنواع الثروات وطيبة هذا الشعب وكرم الضيافة لديه وحبه للسوريين بشكل خاص.

كان يشكل هذا البلد قبل تقسيمه في عام 2011 باقتطاع 644 ألف كم2 منه لدولة جنوب السودان , أكبر بلد افريقي وعربي من حيث المساحة التي تجاوزت 2,5 مليون كم2 أي مايعادل  مساحة معظم دول أوروبا الغربية مجتمعة وتحديدا" مساحة فرنسا , اسبانيا ’ المانيا , بريطانيا . ايطاليا , النمسا , بلجيكا , سويسرا , هولاندة , النروج , لوكسمبورغ. وغناه الذي يفوق الوصف بالموارد الطبيعية وثرواته ؛ الزراعية ، والحيوانية، والمعدنية، والنباتية، والمائية. والنفطية, ويشكل حقيقة سلة الوطن العربي الغذائية, ووفقا لتقديرات منظمة الإتحاد العربي للصناعات الغذائية، يتمتع السودان بحوالي 46% من إجمالي الأراضي العربية الصالحة للزراعة البالغة مساحتها 471 مليون فدان تقريبا، مقابل 20% في الجزائر و18% في المغرب و10% في العراق. وهو الدولة الأولى في العالم بانتاج الصمغ العربي , هذا فضلا عن امتلاكه لنحو 24 مليون هكتار مراعيَ، و64 مليون هكتار غابات يمكن أن تستغل في تجارة الخشب وصناعة الورق، ومواد صناعية أخرى عديدة.

 يمتلك السودان أكثر من 130 مليون رأس من الماشية , ويبلغ احتياطي السودان من النفط المؤكد 6.8 مليار برميل (2010) ، وهو بهذا يحتل الرقم 20 في العالم.

تغطي الصخور الاندفاعية الغنية بالمعادن أكثر من نصف مساحة السودان  ويوجد في هذا البلد أكثر من ثلاثين نوع من الخامات المفيدة , من بينها  الذهب والفضة والنحاس والزنك  والرصاص والحديد والكروم والمنغنيز والكوبالت والبلاتين والنيكل   والعديد من مواد البناء والرخام وغيرها. وينتج أكثر من 100 طن من الذهب سنويا" و60 طن من الفضة .  أثبتت الدراسات وجود مخزون هائل من اليورانيوم  بإقليم دارفور واقليم كردفان ، ويتميز خام اليورانيوم الموجود في السودان بأنه من النوع العالي النقاوة

لقد تنبه الغرب الاستعماري وأمريكا وإسرائيل إلى خيرات وثروات السودان منذ ستينيات القرن الماضي  , كيف يمكن لهم أن يتركوا بلدا" بهذه المساحة وهذه الثروات أن يعيش سعيدا" مستقرا" ؟؟؟  لذلك  بدؤوا في تنفيذ مخطط لتفتيت السودان وإشغاله بالحروب الأهلية لإضعافه وإحكام السيطرة عليه وعلى ثرواته، خوفا من أن يصبح السودان دولة إقليمية قوية وقوة مضافة إلى الوطن العربي، وهو ما يتعارض وبصورة مباشرة مع مصالح الغرب واسرائيل في الشرق الأوسط وأفريقيا.  لذلك تغاضوا عن استلام الاخوان المسلمين الحكم من خلال تحول النميري عام 1983 بمساعدة الزعيم الإخواني حسن الترابي وتطبيق قوانين الشريعة الاسلامية في السودان, ثم  الإنقلاب العسكري لعمر البشير عام 1989 . لقد كان تطبيق الشريعة في هذا البلد , الذي يوجد جزء كبير من شعبه غير مسلم وخاصة في الجنوب من أكبر الأخطاء التي ارتكبت بحق البلد, مما أدى إلى اندلاع الصراع من جديد بعد أن كان هادئا" منذ اتفاقية عام 1972 , وهذا ما أراده الغرب الاستعماري وفي سبيل زيادة الضغوط على البشير من قبل الغرب واسرائيل تم تحريك  أعمال العنف في  اقليم دارفور عام 2003 على خلفية التدخل الخارجي والصراع الاستعماري على الموارد والطاقة, حيث يتميز هذا الاقليم بوجود  محزون هائل من اليورانيوم العالي النقاوة ، وحقول النفط  الضخمة . ممااضطر الرئيس البشير الى توقيع اتفاقية سلام  عام 2005 مع رئيس الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان جون قرنق في (كينيا)،والتي شكلت البداية لتقسيم السودان وانفصال الجنوب عنه والذي تم عام 2011 وفق بنود هذه الاتفاقية, ويذلك حققت اسرائيل والغرب الاستعماري الهدف الأول لهم بفصل جنوب السودان عن شماله وأصبح الجنوب قاعدة كبرى لأسرائيل وخسر السودان 80 بالمئة من نفطه لصالح الجنوب , ولم يكتفوا بذلك بل ، أقدمت هذه الدول على التأثير على المحكمة الجنائية الدولية فقامت هذه الأخيرة بإصدار قرار باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، ذلك القرار الذي قد يكون القشة التي قصمت ظهر البعير وليبقى سيفا" مسلطا" على رأس الرئيس السوداني لتنفيذ كل مايطلب منه وهكذا كان .

لقد رعت االولايات المتحدة وبعض الدول الاقليمية كالكيان الصهيوني وساعدت حركة التمرد في الجنوب منذ انطلاقها ودعمتها في المحافل الدولية وهي لم  تفعل ذلك مجانًا، فهي ترى أن خلق دولة جديدة وحليفة لها في هذا الحيز الجغرافي الغني بالموارد الاساسية (ماء وزراعة ونفط وغاز) يلائم مصالحها، خصوصًا إذا كانت هذه الدولة قاعدة عسكرية. فهي تتمتع بموقع استراتيجي في قلب افريقيا. قرب منابع نهر النيل وعلى مقربة من القرن الافريقي، وهي ليست بعيدة من الساحل الافريقي الغربي حيث يمكن تسهيل حركة مرور انابيب النفط والغاز من شرق افريقيا والخليج عبر القارة الافريقية باتجاه المحيط الاطلسي.
إن إنفصال الجنوب ليس هو المحطة الأمريكية الاخيرة، فالمحطة الثانية لواشنطن هي فصل شرق السودان الغني بالذهب والعديد من المعادن لضمان أمن البحر الاحمر وامن اسرائيل ، والمخطط سيؤدي الى مطالبة اهل الشرق بالانفصال من خلال قيام الموساد عبر محطات وكالة المخابرات الأمريكية الموجودة في جيبوتي، وأسمره، وأديس أبابا، بالدعم اللوجستي والعسكري لمتمردي شرق السودان , لكي يتم ابعاد السودان عن البحر الاحمر لتأمين امدادات البترول وتحقيق امن اسرائيل وابعاد إيران ،. وهذا ماكشف عنه المهندس الطيب مصطفى القريب من  مراكز صناعة القرار في الحكومة السودانية   في إحدى مقالاته . وبالرغم من مرور ( 12 ) عام على توقيع اتفاقية سلام شرق السودان فإن الأوضاع مازالت  متفجرة . ولو اصبح السودان مغلقاً دون اى منفذ بحرى مع ظروف الاحتقانات القبلية  والمناطقية فانه سوف يعيش أوضاعاً كارثية اقتصاديا وامنياً واجتماعيا. لهذا يتوجب على الحكومية السودانية  أن تتخذ كل التدابير التي تمنع هذا المخطط الخطير.

والهدف اللاحق هو فصل اقليم دارفور الذي يقع في الجزء الغربي من السودان ويطل على حدود ثلاث دول خارجية ( ليبيا , تشاد , افريقيا الوسطى , بالإضافة إلى جنوب السودان )  والذي تصل مساحته إلى نصف مليون كم2  , أي بقدر مساحة اسبانيا  ويتميز بغناه  بالنفط و اليورانيوم  و15 نوع  أخرمن المعادن الهامة . وحالياً تقوم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز الموساد  الاسرائيلي بعملية دعم واسعة لمتمردي دارفور، وذلك من أجل السيطرة ووضع اليد على منطقة جبل مرة وجنوب دارفور التي تتضمن ثالث أكبر مخزون لليورانيوم , ورابع أكبر مخزون من النحاس في العالم،

ولا يغيب عن ذهننا النزاع المسلح في جنوب كردفان والنيل الأزرق الذي بدأ في أيلول من عام 2011 بعد انفصال جنوب السودان

لم تكن مسألة انفصال الجنوب بالنتيجة الصادمة فقط وإنما كانت كارثة سياسية، استطاعت أن تلفت نظر الهوامش الأخرى إلى امكانية الانفصال مستقبلا" وزادت من ثقة الحركات المتمردة على دعم القوى الاستعمارية الكبرى لها في تحقيق أهدافها.

ختاما" نقول  ان تقسيم دول المنطقة الى كيانات صغيرة ضعيفة، هو استراتيجية  أمريكية , غربية , صهيونية مرسومة منذ فترة وخرائطها موجودة في ادراج الدول الاستعمارية. وما يحدث الآن على مساحة الشرق الاوسط وشمال افريقيا هو تطبيق لهذه السياسات التي تسعى إلى السيطرة على الموارد المختلفة، ومنع أصحاب الحق من استثمارها والاستفادة منها لصالح شعوبها  . ومن هنا يمكن فهم ما يجري اليوم في منطقتنا من تصفية القضية الفلسطينية ورسم خرائط جديدة للمنطقة وتقسيم دولها وخلق كيانات ضعيفة مصطنعة  تأتمر بتعاليم الصهيونية العالمية وتنفذ مطالبها . ورغم أنهم استطاعوا أن يحققوا بعض مخططاتهم في السودان , إلا أنهم أصيبوا بفشل ذريع في بلاد الشام وستكون مقبرة  مخططاتهم  الجهنمية في سوريا  والى الأبد .

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz