دام برس :
كان الفكر القومي العربي في نهايات القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين الرد المباشر على ظهور القومية الطورانية التي أججها قائد تركيا مصطفى كمال الذي أسس لحزب تركيا الفتاة و جمعية الإتحاد و الترقي ، و الذي كان له اليد الطولى في تدمير الإمبراطورية العثمانية كما فعل غورباتشوف و بوريس يلتسن في إنهاء الإتحاد السوفييتي ، لم يكن المفهوم القومي العربي قبل ذلك متبلوراً بنفس الحدة و كان يتماهى مع الجسور التي تربطة بالدين الاسلامي الحنيف لكون هذه البقعة الجغرافية تعتبر مهداً للرسالات ، لقد تزامن تطور الفكر القومي العربي في نهايات القرن التاسع عشر أو فلنقل بأنه كان ردة فعل على مشاعر الكراهية ضد العرب التي رسختها مفاهيم القومية الطورانية و الحركة الكمالية في تركيا ، و التي عملت على تدمير الإمبراطورية العثمانية بأيدي القوميين الأتراك ، و لم يكن ذلك سوى الرد العملي التي عملتعليه الصهيونية العالمية بعد رفض السلطان عبد الحميد منح اليهود الموافقة لإقامة دولة إسرائيل على تراب فلسطين ، و هذه حقائق لا يشوبها أي شك .
و لا نزال نؤمن أن المرحلة التي عاشتها مكونات الأمة الأصيلة التي أقامت و ما زالت تقيم على جغرافيا الشرق الأوسط كانت في عمقها فعلياًو واقعياً عروبية الهوى و الذي كرس فيها الانتماء العروبي خصوصاً بعد انقضاء النصف الأول و الانتقال إلى النصف الثاني منالقرنالعشرين ارتبط عضوياً بالسياسات الوطنية و القومية العربية التي كرستها القيادات و الأحزاب الثورية الجديدة التي ظهرت بعد خسارة العرب لحرب فلسطين 1948 و التي تجلت بمحاربة الاستعمار القديم الاحتلالي و الاستعمار الجديد بصوره المختلفة الاقتصادي و في تشكيل الأحلاف المكبلة لإرادات الشعوب العربية و الإنتصارات التي تحققت في عام 1956 و غير ذلك الكثير ، و لقد تميزت المكونات البشرية الأصيلة و صاحبة الجذور العميقة في الجغرافية الشرق أوسطية بتلاقيها و توحدها حول القيم الدينية المشتركة و العادات و التقاليد كما وحدتها غريزة الالتفاف حول القيادات التي تملك كاريزما القيادة و الغيرية و الطهر و المصداقية و العطاء ، و لذلك لم تعطي شعوب المنطقة بالاً للإنتماءات القومية أو الإثنية التي أفرزت هذه القيادات الكاريزمية كما في حالات صلاح الدين الأيوبي و نور الدين زنكي و ابراهيم هنانو و سلطان باشا الأطرش ومحمد كرد علي و علي بوظو و الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي ، و غيرهم من القيادات التاريخية التي رحلت عن عالمنا المعاصر ، و إنما كان ولاؤها و التفافها حول القيادات الكاريزمية التي تميزت بها تلك الشخصيات الفذة و الآسرة من خلال انتصاراتها في صراعاتها ضد الاستعمار و الصهيونية ، و التي نتج عنها انهيار كل الحواجز و العراقيل التي تبلورت ما بين الإثنيات و الأفكار الطائفية و العشائرية ليجتمع الجميع تحت مظلة العروبة و المواطنة.
من هنا فإننا نرى في طرحنا لمفهوم العمل على إقامة الدولة القوية التي تضم جغرافياً كل مكونات المنطقة الأصيلة و نركز على كلمة الأصيلة ضرورة الإعتراف بالحقوق الإنسانية لكل هذه المكونات من المحيط إلى الخليج ، و التي زاد عديدها و بالرغم من أن الغالبية البشرية لمكونات الأمة تتمتع بالجذور العربية فإن المكونات البشرية الأصيلة الأخرى في منطقتنا باتت عديدة أيضاً ، ابتداءً من البربر و الأمازيغ و الطوارق و النوبيين و الأقباط و الأفارقة ، و في محيطنا القريب الكرد و التركمان و الشراكسة و الأرمن ، و الآراميين و الآشوريين و السريان و غيرهم كثير ، و نحن هنا نشير إلى التباينات البشرية ما بين المكونات ، دون الولوج في الموضوع الطائفي الشائك .
إن ولاء ما يمكن أن نسميه بالأقليات للدولة الهدف و للأمة لا يمكن أن يتم إلا من خلال شعورها التام بالمساواة و بدون تحفظ مع بقية المكونات دون الرجوع إلى مفهوم الأكثرية و الأقلية و لن يتم ذلك إلا بإعطاء حقوق المواطنة الكاملة للجميعبدونِ شكٍ أو مواربة إلا فإننا نفسح المجال للقوى العالمية و الإقليمية و التي لا تضمر سوى الشر لهذه المنطقة بأن تبني الجسور مع ضعاف النفوس من خلال تأجيج الحقد و الكراهية ما بين مكونات المجتمع البشرية و زرع بذوو ر الفتنة و الخراب ، و هذا ما بتنا نراه حقيقةً واقعة في الشمال الشرقي السوري من زرع بذور الفرقة التي تقف ورائها القوى الإنفصالية الكردية المتمثلة في الـ PYD و حزب العمال الكردستاني .
إن ما نطرحه الآن من أفكار لا يمثل بأي حالٍ من الأحوال انقلاباً على القومية العربية و تاريخها و تراثها ، إنما تمثل في رأينا تطوراً إيجابياً للفكر القومي في صورته الوطنية و التي تساوي تماماً ما بين كل مكونات الأمة دون منةٍ أو ريبة .
الحل الوحيد في دولتنا التي ندعوا إليها هو تطبيق مبادئ المواطنة الحقة بكل ما تعني الكلمة من معنى و التي تمنح الحقوق للجميع دون النظر إلى المكون القومي أو الإثني أو العشائري أو الطائفي ،لا بد من اليقين لدى الأغلبية بأنها لا تتصدق و لا تقدم الأعطيات للمكونات البشرية الأقلاوية و إنما تساوي نفسها مع الآخرين من المكونات البشرية و بذلك يتم قطع الطريق على كل من تسول له نفسه التآمر على مستقبل هذه المنطقة من العالم التي آن لها أن ترسخ أركانها و تحقق ذاتها و تبني مستقبلها و تقيم دولتها الواحدة رداً على محاولات التمزيق و الفدرلة بأشكالها المختلفة و الخبيثة ، و في ذلك ما يعيد بوصلةَ هذه الأمة إلى مسارها الصحيح ، و يخرجها من دائرة الولاءات للقوى العالمية و القوى الإقليمية إلى دائرة المشاركة في صنع القرار في هذه الرقعة الجغرافية و في العالم .
إن التطور التلقائي لدى أبناء المكونات البشرية و تحقيق العدالة ما بين أهل الريف و الحضر ، و تأمين الخدمات المدنية للجميع ، هو الذي سيؤدي بالنهاية إلى ذوبان الفروقات و الرواسب التي أيقظتها مشاعر الإحباط و عدم المساواة و الفقر و الجهل ، علماً بأن هذه المشاعر تمت تغذيتها من خلال أعداء الأمة إمعاناً في الكيد لها و تفتيتها للقضاء على أي توجه وحدوي يربط الجميع و من هنا فإننا نرى أن انتهاج المواطنة الصرفة هو الحل الوحيد لكل المشاكل التي تعاني منها المكونات البشرية لهذه الأمة .
نعود و نكرر بأن ما نطرحه ليست أفكار طوباوية و لا هي أحلام اليقظة ، فالأمثلة أمامنا كثيرة و كلنا ندرك كيف حققت القوى العظمى والدول الكبيرة استقرارها و تقدمها كما في شعوب الهند و الصين و الاتحاد الروسي و الاتحاد الأوروبي و أخيراً الولايات المتحدة الأمريكية ، كل هذه الشعوب تنعم بحرياتها في معتقداتها و أفكارها و تتحدث لغاتها المختلفة ، و إن الاستمرار التلقائي لاعتماد اللغة العربية كلغةٍ رسمية و لغةً للتواصل سوف يدعم البنية الجديدة التي ندعوا إليها خاصةً أن ما يزيد عن 50% من المفردات لجميع اللغات الأخرى الأخرى في منطقتنا هي عربية ، و هذا ما يتيح المجال للتلاؤم المعرفي ما بين كل مكونات الأمة كما هي الحال في اللغة الإنكليزية المعتمدة في الولايات المتحدة الأمريكية .
لا بد لجميع السوريين من التلاقي سواءٌ في الداخل أو من غادر أثناء سني الأزمة ، و لا بد من عودة كل من غادر في الشتات ، للمشاركة في بناء سورية الجديدة و التي نعول على قيامتها لتون النواة الجديدة التي ستلتف حولها جميع المكونات البشرية في شرقنا و لتكون الرد الحقيقي على الخنجر الصهيوني المنزرع في خاصرتنا ، إنها الفرصة الحقيقية لالتقاء الحكام و الجماهير لوضع الخطوات الثابتة لقيام الدولة القوية المحورية المنشودة التي ستؤمن مصالح و أهداف و أحلام و آمال و طموحات كل المكونات البشرية الأصيلة في هذه المنطقة من العالم .
2017-09-28 19:44:31 | ماما ماما...يا انغاما |
يا بوران دوري....دوري | |
هانيبعل |