Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 19 نيسان 2024   الساعة 22:16:33
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
تقويض مركزيّة “الجهاد” .. بقلم د. عبد اللطيف عمران

دام برس :

تنتظر شعوب العالم النتائج الإيجابية لصمود سورية في مواجهة الإرهاب، وتتطلّع بأمل كبير إلى المساعدة التي يمكن أن تقدّمها في المستقبل للمجتمع الدولي في استئصال خطر الإرهابي العابر للحدود.
ومن الطبيعي هذا التطلّع إلى سوريّة العريقة تاريخاً وحاضراً، فهي التي انطلقت منها الحركة الوطنيّة العربيّة منذ مطلع القرن الماضي، وهي التي كان ولايزال يقال فيها: إن الطموحات السوريّة دائماً أكبر من الإمكانات المتاحة وبناءً عليه تندمج هذه الطموحات بالإمكانات لتغدو أهدافاً مشروعة بمثابة صمّام للأمن الوطني والقومي، البعث أنموذجاً.
وتكمن بمقابل الانتصارات التاريخيّة الكبرى المتتالية لسوريّة على الإرهاب تحديات عديدة من أهمّها ما أفرزته الأزمة الوطنيّة والعربيّة والإسلاميّة في وقت واحد باعتبار أن الإرهاب ليس منظومة محليّة ولا إقليميّة بل عالميّة، وهي لا شك مرتبطة بالمركز وتحديداً بسياسات الهيمنة والتفرّد والقطبيّة الأحاديّة الوريث الجديد لسياسات الاستعمار التقليدي التي قُوّضت بعد الحرب العالميّة الثانيّة.
لذلك تشكل مواجهة سوريّة للإرهاب الجهادي المركزي والإقليمي دفاعاً عن البشريّة كلّها وانتصاراً للقيم الإنسانيّة الأصيلة التي جاءت الأديان السماويّة والأعراف الاجتماعيّة الحضاريّة لتعيد لها بهاءها وحضورها على امتداد الزمان والمكان.
فالإرهاب الذي نقوّض اليوم جحوره الماديّة والمعنويّة هو نسق في استراتيجية “الجهاد” المرتبطة بالمركزيّة الغربيّة، وقد دخل المصطلح بلفظه العربي كما هو في جميع اللغات، وطفا في سرديات علوم السياسة والاجتماع في الغرب منذ الحرب الأفغانيّة ليتضح اليوم أن هذا النسق مدعّم من المركزية الغربية وذيلها الرجعي العربي مادياً ومعنوياً. وهكذا نجد على سبيل المثال في كتابات الأمريكي برنارد لويس، والبريطاني مونتغمري واط وآخرين كثر من منظري النيوكولونيالية الاستشراقية سطوع مفردة jihad- jihadi  الموازية اليوم في دلالتها للإرهابي الذي توافد من أربع جهات الأرض إلى سورية.
فمن يستطيع في هذه الأيام أن ينكر دور المركزية الغربية وذيولها في رعاية الإرهابي “الجهادي” في تنقلاته عبر الحدود وعبر التنظيمات؟ ومن منّا لا يرى كيف تلمّع الميديا الغربية ومراكز الأبحاث الشخصيات “الجهادية” من خلال تسليط تشكيلة متباينة مضطربة من الأضواء عليها حتى غدت هذه الشخصيات حديث العالم من بن لادن إلى الظواهري إلى الزرقاوي فالبغدادي فالجولاني، مروراً بالوهابية فطالبان فالقاعدة فبوكو حرام فجبهة النصرة فداعش… فجميعها شخصيات وتنظيمات متصلة بالمركز لمواجهة المد الشيوعي ونهج التحرر والمقاومة الوطنية.
في هذا السياق أنتج تطهير حلب من الإرهاب صدمة كبيرة ومروّعة لمركزية “الجهاد” وظهرت مؤشرات متتالية لم تكن في الحسبان أهمها تقويض هذه المركزية، وتأكيد أن إيديولوجية الجهادي عصيّة على الاحتواء والتحكّم لأنها في الأصل إيديولوجيا ارتدادية.
فبعد فتح المركزية الغربية أبوابها على مصراعيها أمام الأجندة الإعلامية الداعمة لعبور “الجهاد”، وبعد الضربات القاضية التي يتلقاها  “الجهادي” على الأرض السورية بدأ القلق الإقليمي والدولي استعداداً لاحتواء الإرهابي العائد من سورية أولاً ثم من العراق وليبيا إلى السعودية وتونس ومصر والأردن وتركيا وأوروبا.. إلخ انطلاقاً من التسليم بأن “سورية تمثّل أكبر حشد للجهاديين الأجانب في التاريخ”.
الآن، وبعد عودة هؤلاء إلى بلدانهم من سيستطيع ترويض وحوش العصر الذين لا وطن لهم يعترفون به ولا حدود لأنهم نتاج المركز؟. فالقلق يأكل حكومات تلك الدول وهي تراقب الهجمات الإرهابية النوعية التي يتطلب تنفيذها مهارات عالية وتدريبات خاصة في صنع التفجيرات التقليدية والكيماوية والانتحارية.. والتي لا يمكن اكتسابها داخل البلد فقط، فهي خبرات قوية معنوية ومادية مكتسبة من الخارج وسيتم نقلها وتوطينها، وفوق ذلك يأتي تهديد آخر غير تهديد التنظيمات وهو تهديد أعضاء خلايا العنف الفردي “الذئاب المنفردة”.
لقد أفضت استراتيجية المركزية الغربية بأن “الشرق الأوسط لا هوية وطنية لشعوبه بل هويته دينية” إلى أن يكون “الجهادي” ليس مجرماً تقليدياً أو نمطياً، وليس معنياً بالحرية أو المساواة أو العدالة الاجتماعية أو بالقلق الروحي والشعور الديني. بل هو منتمٍ من حيث يعرف أو لا يعرف إلى إيديولوجية منحرفة تطمح إلى السيطرة والاستعباد عن طريق أبشع صور العنف والإرهاب والإبادة واحتقار الآخر لتحقيق مشروع سياسي لا ديني أبداً، ولذلك يستعير “الجهادي” أساليبه النظرية والعملية من التراث الإيديولوجي الاستعماري ويلتقي في ممارساته الاستيطانية والإجرامية مع الصهيونية والوهّابية.
وها هو العالم يتجه نحو مزيد من التفهّم لأهمية ومصداقيّة ما أكّده الرئيس الأسد وحذّر منه في هذا السياق. فمن غير المفيد أبداً بالعلم والمنطق القفز فوق هذه الحقائق. فقد صارت التجربة السوريّة مدرسة مهمة ومرجعاً مفيداً لتقويض مركزية “الجهاد” الآخذة بالتبعثر، ولتنقية الإسلام التاريخي المحمدي من آثار استراتيجية التحالف الصهيو – أطلسي الرجعي العربي، ولقطع الطريق أمام تحويل الاستعمار العسكري إلى ثقافي تكفيري دائم.
د. عبد اللطيف عمران

اقرأ أيضا ...
تعليقات حول الموضوع
  2016-12-29 02:49:08   نصيحة...لوجهه
يمكنك اخذ عقيدتك إلى جذورها بنجد والحجاز...فيمكنها ان تنجح هناك بالمختصر؛ اكثر................ تحيا سوريا......للسوريين
هانيبعل  
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz