Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 29 آذار 2024   الساعة 00:45:44
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
العدالة الاجتماعية الفريضة الغائبة في بر مصر !! .. بقلم الدكتور محمد سيد احمد

دام برس :

تعد قضية العدالة الاجتماعية أحد المفاهيم المركزية فى الفكر الانسانى بصفة عامة والعلوم الاجتماعية بصفة خاصة, والعدالة الاجتماعية مطلب انسانى عالمى فيمكن القول بما لا يدع مجال للشك أن تاريخ البشرية بما يحمله من صراع طبقى بين من يملكون ومن لا يملكون كان يهدف وما يزال الى تحقيق حد أدني من العدالة الاجتماعية, وردم الفجوة بين الأغنياء الذين يحصلون على كل شيئ بسهولة ويسر وبين الفقراء الذين يحصلون على متطلباتهم الحياتية اليومية بصعوبة وعسر, ويمكننا أيضا التأكيد على أن الأديان والرسالات السماوية كانت تهدف ضمن ما تهدف الى إقرار العدالة الاجتماعية بين البشر, وما الثورات التى شهدها التاريخ الإنسانى إلا وكانت أحد أهم أهدافها ومطالبها الرئيسية تحقيق العدالة الاجتماعية داخل المجتمعات التى شهدتها.
وإذا انتقلنا من العام الى الخاص فالمجتمع المصرى أحد المجتمعات التى ناضل الفقراء والكادحين فيها من أجل العدالة الاجتماعية على مر العصور, فمنذ العصر الفرعونى والفقراء والكادحون يطالبون بالعدالة الاجتماعية من الحاكم وتسجل جدران المعابد الفرعونية العديد من القصص والروايات التى تؤكد كلامنا وتدعمه فما شكوى الفلاح الفصيح للفرعون الآله من جور وظلم موظفيه إلا مطالبة بالعدالة الاجتماعية, وما نضال الشعب المصرى ضد قوى الاحتلال عبر التاريخ القديم والحديث إلا بهدف التحرر من الاستغلال والحصول على حقوقهم المشروعة فى خيرات بلادهم .
وفى العصر الحديث الذى يؤرخ له بالحملة الفرنسية على مصر والتى تولى بعدها محمد على باشا مقاليد الحكم, ومنذ اللحظة الأولى كان يرغب فى تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية بين المصريين خاصة الفلاحين الذين كانوا يعانون أشد المعاناة في ظل نظام اقتصادى ظالم كان يعرف بنظام الالتزام حيث كان الحاكم يوزع أراضي الدولة على مجموعة من الملتزمين الذين يسددون الضرائب للدولة نيابة عن الفلاحين ثم يتولوا هم جمع الضرائب من الفلاحين وكانوا يجمعونها أضعاف مضاعفة بخلاف تسخير الفلاحين للعمل فى أراضيهم الخاصة التى كان يطلق عليها أسم ( الوسيه ) وهو ما دفع الفلاحين للهروب من الظلم والقهر والاستبداد وترك الأرض الزراعية, لذلك حين جاء محمد على باشا ألغي نظام الالتزام وأحل محله نظام الاحتكار فأصبح هو المالك الوحيد للأرض الزراعية وبدأت الدولة فى جمع الضرائب مرة واحدة فى العام مما أشعر الفلاح بنوع من العدالة الاجتماعية وفى هذا الصدد يسجل المستشرق وليم ادور لين أن الفلاحين بعد إلغاء نظام الالتزام عندما كانوا يقابلون الملتزمين القدامي كانوا يتفاخرون أمامهم بأنهم أصبحوا فلاحي الباشا يقصدون محمد على باشا المالك الجديد لأرض مصر.
ومع مرور الوقت بدأ المصريون يشعرون بغياب العدالة الاجتماعية مع أبناء وأحفاد محمد على باشا الذين منحوا الأرض على شكل هبات لبعض العائلات من المقربين منهم بدون وجه حق فتشكل الاقطاع الذى امتلك مئات وآلاف الأفدنة وقام بممارسة الظلم والقهر والاستبداد بالفلاحين المصريين أصحاب الأرض الحقيقيون, وعندما جاءت ثورة يوليو 1952 قام جمال عبد الناصر بالانتصار للفقراء والكادحين من الشعب المصري وعلى رأسهم الفلاحين فكانت قوانين الاصلاح الزراعي التى انتزعت الأرض من الاقطاعيين لتوزع على الفلاحين ليشعروا بالعدالة الاجتماعية المفقودة, ثم كانت جملة السياسات المنحازة للفقراء والمهمشين الذين كانوا يمثلون أكثر من 80 % من الشعب المصري فتغيرت الخريطة الطبقية تماما حيث تشكلت الطبقة الوسطى المصرية التى تراوحت تقديراتها بين 35 و45 % وفقا للتقارير والدراسات العلمية فى مطلع السبعينيات ويرجع ذلك لوضع جمال عبد الناصر قضية العدالة الاجتماعية فى مقدمة أولوياته.
ومع صعود الرئيس السادات لسدة الحكم قرر التخلى عن السياسات المنحازة للفقراء والكادحين والمهمشين والتى حققت لهم قدر لا بأس به من العدالة الاجتماعية, فكانت سياسات الانفتاح الاقتصادى وإطلاق آليات السوق وتبنى السياسة الرأسمالية التابعة وهى السياسات التى تعمل لصالح الطبقات والفئات والشرائح العليا داخل المجتمع وتزيد من معاناة الطبقات والفئات والشرائح الوسطى والدنيا, ومع مرور الوقت بدأت معاناة الفقراء تعود من جديد وبدأت مناداتهم بتحقيق العدالة الاجتماعية وكانت انتفاضة الخبز فى 18 و19 يناير 1977 خير شاهد وخير دليل. 
وجاء مبارك ليسير على نفس نهج السادات ووفقا لنفس السياسات التى تعمق الفجوة بين الأغنياء والفقراء وصبر المصريون كثيرا قبل خروجهم ثائرين عليه فى 25 يناير 2011 مطالبين بالعدالة الاجتماعية ضمن مطالب ثورتهم عليه. ورحل مبارك وجاء المجلس العسكرى والعدالة الاجتماعية غائبة. ورحل المجلس العسكرى وجاء مرسي والعدالة الاجتماعية غائبة. ورحل مرسي وجاء عدلى منصور والعدالة الاجتماعية غائبة. ورحل عدلى منصور وجاء الرئيس السيسي ومازالت العدالة الاجتماعية غائبة بل تزداد كل يوم معاناة الفقراء, لذلك يمكننا أن نقرر بأن العدالة الاجتماعية هى الفريضة الغائبة فى بر مصر وإذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة لتخفيف الأعباء عن كاهل هؤلاء الفقراء فسوف ينفجرون حتما, اللهم بلغت اللهم فاشهد.

 

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz