دام برس:

إن  تاريخ الشعوب مليء بالأمثلة التي تظهر أن الأطراف الراغبة في تحقيق أغراضها  الأستعمارية تختلق الذرائع المختلفة التي تساعدها في ذلك سواء حربا" أو سلما" وتجعلها قادرة على تبرير هذه الحروب أو الرغبات لاحقا" وإعطائها نوعا" من العدالة والحقوقية.  ففي الحرب الأمريكية الإسبانية عام 1898 كانت الذريعة انفجارالبارجة ماين في مرفأ هافانا الكوبي و على الرغم من أن الحكومة الإسبانية سارعت إلى تقديم اعتذارات لا تتناسب و حجم الحادث فقد أصرت الحكومة الأمريكية على تحميلها المسؤولية، - علما أن سبب الإنفجار بقي مجهولا- و اندلعت الحرب، و تخلت إسبانيا بنتيجتها عن كوبا وبورتوريكو والفلبين لصالح الولايات المتحدة. كما  إن ذريعة قذف باي الجزائر للقنصل الفرنسي  بمروحيته الورقية  سببت الاحتلال الفرنسي للجزائر في 5 تموز من عام 1830 واستمر حتى تموز من عام 1962 لمدة 132 عام . وإن ذريعة مقتل دوق النمسا على يد الصرب في 28 حزيران من عام 1914 كان السبب في اندلاع الحرب العالمية الأولى , كما أن  حادثة  الهجوم على محطة إرسال "غلايفيتز" القريبة من الحدود البولونية  اعتبر ذريعة لبدء  الحرب العالمية الثانية في أيلول من عام 1939 , وهي أوسع حرب في تاريخ البشرية و حقيقة الحادثة، كما اتضحت في وقت لاحق، أن مجموعة من النازيين أمرت بارتداء بزات بولونية، و اختلاق اعتداء على إذاعة "غلايفيتز" غير البعيدة عن الحدود البولونية. و تم تنظيم الحادث على نحو يوحي أنه هجوم بولوني مدبر. و احتجت المانيا على هذا "العدوان" و أكدت أنها سترد عليه بقوة. و في اليوم التالي كانت القوات الألمانية تعبر الحدود البولونية-الألمانية لتبدأ الحرب العالمية الثانية.

و كثيرا ما تلجأ الدول الراغبة في شن حرب أو احتلال منطقة محددة إلى  عملية تزوير تاريخية من أجل إلقاء اللوم على الطرف الذي تعتدي عليه متهمة إياه بأنه السبب. و تستمر عملية التزوير تلك فترة من الزمن، و يتم الإصرار على صحة الرواية الرسمية رغم تكشف الحقائق في كثير من الأحيان.ولنا في العدو الغاصب لأرض فلسطين العربية خير مثال.

إلا أنه في الثلاثين سنة الأخيرة أدت ذريعتان خطيرتان إلى تغيير مجرى التاريخ العالمي في هذه الحقبة :

الأولى ذريعة هبوط الطائرة الإلمانية الصغيرة قرب كاتدرائية ست باسل بجوار الساحة الحمراء في موسكو  بتاريخ 28أيار، 1987 والتي كان يقودها الطيار الألمانيّ ماثياس روست والتي سمحت للزعيم السوفياتي غورباتشوف بالتخلص من ماريشالات الجيش السوفياتي الكبار , ومهد ذلك إلى تفكيك الاتحاد السوفياتي في عام 1991 وانهيار المعسكر الاشتراكي وإلغاء حلف وارسو وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم كقطب أوحد بلا منازع على مدى أكثر من عشرين عاما" ومن خلال ذلك عمدت أمريكا وبتدخل مباشر من حلف الناتو على تفكيك يوغسلافيا , الدولة المؤسسة لمنظمة دول عدم الإنحياز عبر رئيسها جوزيف بروس تيتو مع الرئيس جمال عبد الناصر ورئيس الوزراء الهندي  جواهر لال نهرو في مؤتمر باندونغ عام 1955, وإن لتفكيك هذا البلد إلى ست دول متناحرة له معاني كبيرة , يجب التوقف عندها كثيرا".

والذريعة الثانية تفجير مبنى التجارة العالمي في نيويورك في 11 أيلول عام 2001 بصدمه بطائرات مدنية , والتي سمحت للولايات المتحدة الأمريكية بإعلان الحرب الوهمية على الإرهاب وغزو الدول واحتلالها.  فتم غزو أفغانستان واحتلالها منذ ذلك التاريخ , ثم غزو العراق واحتلاله وتدمير مقدراته والتمهيد لتقسيمه منذ عام 2003  وصولا إلى الربيع العربي الصهيوني  في نهاية عام 2010 الذي تم من خلاله تدميرمعظم الجمهوريات العربية  ومحاولة تحويلها إلى دول فاشلة خدمة للعدو الصهيوني لكي يسيطر على المنطقة بأكملها بالتنسيق مع حكام ممالك وإمارات الرجعية العربية وتركيا الإخوانية, وعلى رأسهم بني سعود الوهابيين وآل ثاني وأردوغان الإخواني,  إلا أن الصمود السوري على مدى 69 شهرا" قلب المعادلات جميعها وأظهر روسيا مجددا" كقوة عظمى مع دول البريكس , مناهضة بذلك القطب الواحد لإعادة التوازن للعالم والذي ستضح معالمه أكثر في السنوات المقبلة .