دام برس:

قامت إدارة شركة قمر "النايل سات" بحجب قناة "المنار" الفضائية اللبنانية ومنع بثها بذريعة ارتكاب المحطة المحجوبة مخالفات جسيمة للعقد المبرم بينهما من خلال بث مواد إعلامية تتضمن الكراهية وإثارة نعرات مذهبية وطائفية. وبصرف النظر عن العقد الناظم للعلاقة بين القناة وإدارة القمر المذكور، فهل يحق للأخيرة ممارسة دور الرقيب على المادة الإعلامية التي تبثها القناة أم أنها مجرد مزود خدمة يمكن وصف العقد المبرم بينهما أنه عقد إيجار حسب رأي بعض الفقهاء، أو عقد مقاولة عند البعض الآخر، على اعتبار أن الغرض الجوهري للعقد هو العمل أو الخدمة التي يقدمها المزود للمستفيد، والتي تتلخص في استخدام ترددات القمر من خلال الحصول على المعلومات والخدمات المتوفرة عليها مدة من الزمن مقابل بدل نقدي (كاشتراك).

            ولما كانت حرية الإعلام تعدّ من الركائز الأساسية لحرية الرأي والتعبير والوعاء الذي تصب فيه، فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948 على أن لكل إنسان: "الحق في حرية الرأي والتعبير عنه بما يتضمنه ذلك من اعتناق الآراء بمأمن من التدخل وحرية التماس المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها بمختلف الوسائل دون تقيد بحدود الدولة".. مما يعني أن لكل إنسان أو وسيلة إعلامية الحق في التعبير الحر، وبما لا يلحق الضرر بالآخرين، والحق في البحث العلمي والاجتهاد والتنقيب عن المعرفة شرط المحافظة على النظام العام والصحة العامة وعدم المساس بأمن البلاد واستقلالها وسيادتها.

          لذلك إذا كان الهدف من العقد المبرم بين قناة "المنار" وإدارة "النايل سات" تنظيم البث التلفزيوني، يبقى الأصل أن الإعلام حرّ ويمارس هذه الحرية الإعلامية في إطار الدستور والقوانين النافذة، وبالتالي يفترض أن يقتصر دور إدارة "النايل سات" على منح الرخص والإجازات باستثمار ترددات القمر، وليس حق مراقبة البرامج والإشراف على البرامج السياسية، وخاصة النشرات الإخبارية.. وإنما فقط منع بث البرامج الإباحية التي تخالف الآداب العامة والأخلاق العامة والبرامج التي تثير النعرات الطائفية أو تتناول بالنقد والتجريح المعتقدات الدينية لمناطق الاستقبال.

           من هنا، فإن قرار إدارة "النايل سات" لامسوّغ له إلا تقييد حرية الرأي والإعلام والتضييق على الحريات الإعلامية والانتقاص من ديمقراطية الممارسة السياسية في لبنان. ويعدّ من التدابير الرامية بالعودة بالإعلام إلى تجربة الإعلام الموحد والتي يعبّر عنها بالقول: "صوت واحد" "صورة واحدة". وهذه الرقابة اللاحقة من إدارة القمر على نشرات الأخبار الفضائية وخاصة اللبنانية تحطّ من قدر لبنان ومن مصداقيته، ومن حرية التعبير التي كفلها الدستور اللبناني ومن سمعته.. وهو المعروف بديمقراطيته وإبداعه الفكري والحضاري. ولمّا كان سلوك المحطة لا يخالف النظام اللبناني العام ويتحرك ضمن نطاق قانوني ثابت محدد بنصوص تشريعية ويستند قبل كل شي إلى أحكام الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

        وبالنظر إلى دور فضائية "المنار" كوسيلة إعلامية في تكوين الرأي العام المقاوم وتفوقها في مجال الجمع بين الصوت والصورة بما جذب المشاهدين إليها: فالصورة التي تبثّها تجذب عيون المشاهد والكلمة المصاحبة لها تجذب آذانه، وبذلك تحقق لها التأثير المضاعف على غيرها من وسائل الإعلام المماثلة؛ ويمكن القول أن مبررات الحجب مهما بلغت لا يمكن أن تنهض أمام حرية الرأي والإعلام، وممارسة الرقابة عليها تتعارض مع شرعة حقوق الإنسان والقانون الدولي بنصوص واضحة لا لبس فيها ولا غموض.

             وكان الحري بالإدارة المذكورة واحتراماً لحرية التعبير والإعلام عند وجود مخالفة مشكو منها، اللجوء للقضاء المصري أو اللبناني أو الدولي، وليس اتخاذ القرار بوصفها رقيباً بالوكالة عن الشعوب بحجب القناة والخضوع للأهواء السياسية للدول التي لاتعترف بحق الرأي وحرية الإعلام، وأن تجعل من نفسها سجّاناً للكلمة الحرة والمقاومة، وأن تمنح نفسها سلطاناً فوق سلطان الدول التي تتلقى البث فيها، وتعيد ذات التجربة مع الإعلام السوري عندما رضخت لاملاءات القوى الداعمة للإرهاب وحجبت القنوات السورية عن القمر المذكور؛ فلا استطاعت تلك القوى المتسلطة على إدارة "النايل سات" التأثير على ديمومة الإعلام السوري في معركته ضد الإرهاب، ولن تستطيع اليوم منع قناة "المنار" من الاستمرار في مواجهة العدو الصهيوني وأدواته من العصابات التكفيرية.

 المصدر : محطة أخبار سورية