Logo Dampress

آخر تحديث : الخميس 25 نيسان 2024   الساعة 19:24:55
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
القيصر يشرف على ولادة قيصرية للعالم الجديد.. بقلم: بديع عفيف
دام برس : دام برس | القيصر يشرف على ولادة قيصرية للعالم الجديد.. بقلم: بديع عفيف

دام برس:

تتوالى الأحداث سريعاً جداً. لم تعد التطورات الدولية تحسب بالأشهر ولا بالسنوات، ولا بالأسابيع، هي أسرع من أن تكون يومية؛ هي ساعية وربما أسرع. وهذه التطورات ليست من النوع البسيط والعادي، بل هي في معظمها من النوع الدراماتيكي الذي يترك بصمته على السياسات والعلاقات الدولية في المستقبل، وعلى التوازن الدولي.

قبل سنوات كان الحديث عن نزع السلاح، ثم الحدّ من التسلح، ومنع انتشار الأسلحة النووية، تطبيق اتفاقات "ستارت".. كانت تلك مشاكل في حقبة الحرب الباردة. لكن مشاكل العالم اليوم أكثر تداخلاً والتصاقاً، وهي عابرة للحدود بشكل أكبر وأسرع؛ ألم يتحولّ العالم إلى قرية صغيرة؟! مشاكل العالم اليوم كثيرة ومتنوعة؛ التغير المناخي؛ الأمراض المنتشرة، الفقر، الجوع... لكن أهم التحديات(challenges) وأخطرها على الإطلاق، الإرهاب العابر لسيادة الدول وحدودها التقليدية نتيجة الفوضى السائدة في العلاقات الدولية بعد السياسات الأمريكية وهيمنة الأحادية القطيبة لأكثر من عقدين (unipolarity).

في الأسبوعين الأخرين، بدا العالم كله رهينة التنظيمات والحركات الإرهابية؛ من إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء المصرية إلى التفجيرات الدامية في جنوب لبنان، إلى التفجيرات الواسعة في قلب أوروبا؛ باريس. الأحداث المأساوية في هذه الدول، وإلى جانبها الحرب المفتوحة على سورية منذ خمس سنوات تقريباً، تؤكد اختراق الشبكات الإرهابية لحدود الدول وعدم اعترافها بها؛ مثلها مثل الشركات العابرة للحدود، مثل شركات الخلوي أو الشركات الاقتصادية الكبرى مع فارق الأهداف والغايات. بل إن هذه الشبكات تستفيد من اختراق هذه الحدود وتعمل على إزالتها كلياً كما يحاول تنظيم "داعش" الإرهابي فعله على الحدود بين سورية والعراق، أو كما حاولت "جبهة النصرة" الإرهابية على الحدود بين لبنان وسورية، أو كما أظهرت التحقيقات في جرائم باريس أو في كيفية إسقاط الطائرة الروسية.

وإذا كان العالم كله يقف خائفاً مرتبكاً من تعزيز الإرهاب لعناصر قوته، فإن ما يلفت هو "تنحي" الولايات المتحدة عن دورها المهيمن (hegemonic) الذي مارسته بصخب واستفزاز عقب سقوط الاتحاد السوفييتي، وتجلى ذلك في حربها على العراق وأفغانستان. الولايات المتحدة الآن وعبر "القيادة من الخلف"، التي يمارسها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، تذعن "لحدود" "القوة" التي تمتلكها وتعترف بشكل غير مباشر أنها ليست راغبة، أو لم تعد قادرة بأن تمارس دور شرطي العالم الوقح والقبيح. هذا الانزواء الأمريكي يرافقه "اهتراء" الدور الأوروبي الذي فضحته الأوضاع الاقتصادية والأزمات المتتالية؛ قضية اللاجئين مثلاً، بعثرت أوروبا وكادت تسقط الاتفاقيات الأوروبية، ولاسيما اتفاقية "شينغن"، حيث برزت سياسات أوروبية تعكس حاجات الدول الأوروبية الذاتية ولا تعكس سياسة أوروبية موحدة؟؟ فهل يعقل أن تتمكن سورية من استضافة واستيعاب أكثر من مليون لاجئ عراقي إبان الحرب الأمريكية على العراق قبل عشر سنوات، فيما تعجز أوروبا كلها عن استيعاب مئات الآلاف منهم؟!

هذا الاهتراء الأوروبي والتراجع الأمريكي، أفسح المجال لقوى كثيرة صاعدة لتملأ الفراغ؛ بعض هذه القوى كانت موجودة وهي تعود الآن لممارسة دورها كقوة عظمى مثل روسيا التي تحتل مكان الاتحاد السوفييتي تدريجياً. وهناك بعض القوى الأخرى التي بدأت تلعب أدوراً مختلفة؛ اقتصادية أو سياسية أو عسكرية؛ الصين ومجموعة دول البريكس وإيران وتركيا. لكن ولادة العالم الجديد تبدو "قيصرية" بالدرجة الأولى. والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخبير الاستخباراتي والمجرّب والقوي، يؤكد في كل مرّة أنه قرأ تجربة السقوط الأمريكية بمنتهى الدقة والعناية واختار اللحظة الدولية المناسبة ليتقدم إلى الأمام بمنتهى البراغماتية والعملانية، ويمكن تلمّس ذلك في عدة جوانب، منها؛

أولاً، نسج الرئيس بوتين علاقات دولية واسعة تقوم على التعاون الاقتصادي والتنسيق السياسي والامني وفتح قنوات الاتصال مع الآخرين بعكس سياسة جورش بوش الإبن؛ "من ليس معنا فهو ضدنا"؛ الرئيس بوتين يعتمد سياسة الشراكة الاستراتيجية مع الصين ويشكل تحالف البلدين روسيا والصين معاً، ثقلاً دولياً مهماً وفاعلاً لأول مرّة، تجلت تأثيراته في أكثر من مكان، ولاسيما في مجلس الأمن الدولي واستخدام الفيتو المزدوج ضد القرارات الغربية المجحفة بحق سورية. وفي علاقاته مع دول الجوار( أي الاتحاد الأوراسي)، خلق الرئيس بوتين فضاء رحباً للتعاون الدولي والإقليمي باتت دولٌ كثيرة ترنو للانضمام إليه، كما أكد بوتين نفسه في مقاله بمناسبة منتدى "التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ" في الفلبين تحت عنوان "نحو تعاون منصف ومنفتح"، حيث قال بوتين إن 40 دولة تنظر في إمكانية إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع الاتحاد الأوراسي الاقتصادي، حيث أبرمت اتفاقية مماثلة بين الاتحاد وفيتنام هذا العام.

وفي هذا السياق، اقترح الرئيس بوتين التعمق في التكامل الاقتصادي الإقليمي. وفي مثال على الشراكة الشفافة، أشار بوتين إلى اتفاقية ما بين الاتحاد والحزام الاقتصادي لطريق الحرير. كما أكد بوتين في مقالته أن أنشطة بنك بريكس (تكتل يضم كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) وبنك البنية التحتية الآسيوية للاستثمار، تساهم في تعزيز استقرار النظام المالي العالمي.

وهذه المنظومات الاقتصادية التي قرّبت ألمانيا وبريطانيا منها وأغرتهما بالانضمام إليها،، سوف تشكل خياراً عالمياً آخر لتعزيز التنمية والتطور في بلدان عديدة، وستضع البنك الدولي وصندوق النقد الدوليان على المحك لإثبات إمكانية المنافسة أو حتى الاستمرار، لاسيما وأن المنظومات الجديدة تطرح التعامل بعملة بديلة للدولار الأمريكي، وبعيداً عن أسلوب الهيمنة والسيطرة.

وإلى جانب سياسات الشراكة الاقتصادية نجد الرئيس الروسي ينحو دائماً نحو استيعاب السياسات الإقليمية للدول "المتنمرة" ذات الأهمية الجيوسياسية، مثل تركيا والسعودية. الرئيس الروسي حاول وصل أكثر من "شعرة معاوية" مع كلا البلدين لاستيعاب وتحجيم وتخفيف تطرف سياسات النظام السعودي ومغامرات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العديد من القضايا ولاسيما المسألة السورية والحرب على سورية. وبالأمس، وبعد اعتداءات باريس، وبعد الاتصال مع نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند، طلب بوتين من قواته المرابضة في المتوسط التنسيق مع حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول في كيفية مواجهة الإرهاب وقصف مواقع تنظيم "داعش" في سورية في تعبير آخر عن البراغماتية الروسية رغم الخلافات بين موسكو وباريس.

ثانياً، دعمُ المواقف والخيارات بالقوة العسكرية الاستراتيجية. يعرف الرئيس الروسي بالطبع أن العالم لا يحكم بالنيات الحسنة فقط، وأنه يجب وضع حدٍّ للكثير من أحلام القادة؛ قادة الدول وقادة الإرهاب. في قمة العشرين في تركيا قبل يومين، أوضح بوتين أن أكثر من أربعين دولة تموّل الإرهاب وأن من بين الحاضرين من يموّل ويدعم الإرهاب. هل تحسّس هؤلاء رؤوسهم؟ أجل!! لأن أحداً منهم لم يردّ أو يجادل بوتين في الأمر لأنهم يعرفون ما يقومون به..!

والرئيس بوتين يعرف أيضاً أنّ تحقيق عظمة بلاده وإثبات قوتها وترسيخ دورها على الساحة الدولية يحتاج امتلاك القوة العسكرية النوعية والمتطورة. وكلّنا يذكر في السنوات الماضية الأسلحة الروسية الجديدة التي تم استعراضها، والتدريبات النوعية للجيش الروسي والمناورات العديدة والمكثفة التي قام بها جنود "الرئيس الرفيق الأعلى".

ولعل الدعم الروسي السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والعسكري للجمهورية العربية السورية، والذي تجلّى سياسياً في مجلس الأمن الدولي، وعسكرياً في الغطاء الجوي الروسي للجيش العربي السوري في مهماته القتالية، يعطي فكرة كبيرة عن الخطوط الحمر لروسيا ولقيادتها. القاذفات الاستراتيجية تغطي الأهداف الاستراتيجية لموسكو وحلفاءها في المنطقة؛ الصواريخ العابرة من بحر قزوين أو من المتوسط، هي رسائل سياسيةـ عسكرية أكثر منها قتالية ضد تنظيم "داعش".

            في النهاية، فإن النظام العالمي الذي بدأ يولد "قيصرياً" على الأرض السورية، سيأخذ شكل مراكز القوة الجديدة، والتحالفات الدولية الجديدة بعد أن أدرك بوتين وآخرون خطأ تجربة الأحادية الأمريكية واستحالة قيادة العالم من قبل دولة واحدة مهما بلغت من القوة.

 المصدر : محطة أخبار سورية

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz