دام برس :

يعاني المهاجرون السوريون من فراق لوطنهم، وخوف على أرواحهم، ولوعة مشاهدة أقرب أقربائهم وهم يلاقون مصرعهم في الحرب الدائرة في سورية، أو تبتلعهم مياه البحر الأبيض المتوسط...
وفي الوقت الذي رأينا فيه كيف خرج الأوروبيون يقدمون المساعدات نقدم لهم نحن مسرحية بحرية بطلها طفل سوري ذو الثلاث سنوات قال في نهايتها: بابا.. أرجوك لا تموت"، آخر كلمات يائسة قالها الطفل "إيلان الكردي"، أثناء مقاومته مع والديه وأخيه الأمواج بعد أن انقلب القارب الذي كان ينقلهم إلى أوروبا.
لقد قُتِل هذا الطفل مرتان، مرة عند غرقه جراء محاولة أسرته الهجرة من سورية إلى اليونان نتيجة الحرب الظالمة ومرة أخرى عند إستغلال هذا الطفل إعلامياً من طرف الغرب للوصول إلى أهداف سوف تظهر نتائجها عاجلاً أم آجلاً...
من جهتها مستشارة ألمانيا انجيلا ميركل ذكية فعندما عرفت بأن اللاجئين فيهم مهندسون وتفنيون ومهنيون طلبت قبول 20000 وخصصت لهم 3 مليار دولار وبعد يوم طلبت زيادة 20000 أخرى وأضافت 3 مليار لتصبح 6 مليار وخاطبت الالمان وقالت لهم
6 مليارات التي سنصرفها عليهم سنربح معهم أضعافها في بضع سنوات وهذا ما شجع دولاً أخرى لقبول بعض اللآلاف مثل فنلندا وفرنسا...
لذلك يُعد العقل البشري النواة والركيزة الأساسية لأي حضارة على وجه المعمورة، ونجد أن من أهم أسباب تقدم الأمة ومواكبتها للحضارة هو مدى اهتمام الدولة ومساعدتها لأصحاب العقول المفكرة والكفاءات العلمية الخلاقة والشابة التي توجد عندها وتأمين الأمن السياسي والاقتصادي والتقدير الوظيفي والاجتماعي لها من أجل الانتقال بالأمة من التخلف والجهل والغوغائية إلى التقدم والتطور والحضارة...
ولكن ...للأسف مانراه اليوم من أوضاع مأساوية تمر بها البلاد من حرب كونية تُشن على سورية الحبيبة من قبل الامبريالية العالمية والرجعية العربية الممثلة بمملكة آل سعود الوهابية التكفيرية وقطر وتركيا الحالمة بالسلطنة العثمانية الجديدة، والخراب والدمار الذي لحق بالبلاد جراء تلك الحرب كانت السبب المباشر والرئيسي لهجرة الشباب والعقول الشابة الى الدول الأوروبية والتي بدورها سمحت بتلك الهجرة لاستقطاب تلك العقول وخاصة الأطباء والمهندسين والفنيين وتسخير تلك الطاقات لصالح الدول الرأسمالية المتقدمة عبر استغلالها وجذبها لأكثر المواطنين حساسية وخطورة هادفة من ذلك إلى السيطرة الفكرية التي تؤدي إلى هيمنة سياسية واقتصادية من سيطرة عسكرية واحتلال الشعوب أرضاً وسماءاً لذلك يتوجب علينا أن نصرخ بكل ما فينا.«ضعوا حداً لكل هذا»
هجرة العقول المفكرة إلى الدول الغربية الرأسمالية هي ظاهرة بارزة وخطيرة للغاية تعوق عملية إعادة الإعمار والتنمية الشاملة والتطور والحضارة...
وبالأمس القريب طالعتنا الأخبار من الغرب وعبر شبكات التواصل الاجتماعي بأنه قد فتح باب الهجرة وتحت مسميات مختلفة منها (الهجرة الإنسانية) للشباب السوريين من ذوي الكفاءات العلمية ومن بعض الأقليات لادعاءه بأنها تتعرض لمضايقات وكبت للحريات الى آخر ماهنالك من ادعاءات كاذبة وباطلة...
وللأسف الشديد بأن الكثير من الشباب السوريين ممن اعيتهم ظروفهم المعيشية وماآلت اليه الأحداث التي تمر بها سورية رأى في تلك الدعوات ضالته للهجرة الى أي بلد للعمل وكسب المال وتأمين العيش الرغيد له لأولاده في القادم من الأيام.
وبنظرة سريعة لطريقة الخروج من سورية الى تلك الدول حكاية خاصة حيث تنتظرهم المافيات الحدودية والسماسرة الذين وجدوا وسيلة لابتزاز هؤلاء الشباب وبمبلغ يصل لخمسة آلاف دولار للشخص الواحد عدا عن وعورة وخطورة الطرق التي يجتازها المهاجر والتي تبدأ من الحدود السورية التركية ومنها بواسطة عبارات أو وسائط نقل شاحنات تنقل البهائم وتبدأ عمليات التهريب والمافيات تنتقل من بلد لآخر حتى يصل بهم المطاف لإحدى الدول الأوروبية ممن فتحت أبواب الهجرة..
وتجري عمليات استقطاب هؤلاء الشباب بوضعهم بأماكن خاصة ومخصصة للمهاجرين من دول الشرق الأوسط والتي تشهد حروباً عبر التنظيمات الإرهابية المرتزقة والتي كانت للدول الأوروبية اليد الطولى في تدفق الإرهابيين الى كل من سورية والعراق ولبنان وبمعنى أوضح أن تلك الدول شاركت مشاركة فعالة في تأجيج الصراع الطبقي والطائفي والإثني في كل الدول التي تشهد حروباً... وذلك بوقوفها مع تلك التنظيمات الإرهابية المسلحة في أعلى منير أممي في مجلس الأمن والأمم المتحدة والدفاع عنها..
وعمليات الغرق التي تعرضت لها بعض العائلات السورية من المهاجرين عبر قوارب صغيرة والتي اشتركت فيها المافيات العالمية وكان مصيرهم الموت المحتم على شواطئ البحار والرمال ومنهم الأطفال والنساء والشباب وتم وضعهم في شاحنات لنقلهم الى حيث أتوا ولكن جثثاً هامدة.
من هنا نرى بأن البلدان الأوروبية والتي تربطها علاقات وثيقة بالولايات المتحدة الأمريكية واللوبي الصهيوني لم تكن يوماً من الأيام مع العرب والشعوب العربية أو مع قضيتنا المركزية فلسطين ولم تقف وقفة جريئة بوجه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وتنطق بالحق العربي المقدس فهي أولاً وأخيراً تنظر وتسعى لمصالحها الشخصية وتمتين اقتصادها وسياساتها المتبعة ومصالح شعوبها ورقيها وتقدمها..
نحاسب ردة الأفعال ولا نحاسب الفعل والفاعل لوجود كان وأخوات كان، الذي يجب أن يحاسب هو المسؤول عمن دعم ومول وشحذ وصدر مرتزقته لقتل السوريين، إنهم دول البيترودولار التي ارتهنت للشيطان الأكبر، والمسؤول عن قنوات الفسق السياسي الإخوانية في الخليج، المشكلة ليست في نظام أو رئيس كما يدعون، المشكلة في الخوارج إنتاج الصهيونية: النصرة داعش وجيش المرتزقة المدعوم من أصحاب العمائم والحالم بالسلطنة العثمانية السفاح أردوكان.
نطالب من ادعى صداقة السوريين أن يأويهم بدل ذرف دموع التماسيح وتصدير صور الأطفال للاتجار بهم..
قالوا المشكل في صدام قتلوا صدام والمشكل قائم قالوا المشكل في القذافي قتلوا القذافي والمشكل قائم، أفيقوا يا أمة ضحكت من جهلها وغبائها الأمم...
إن من يدعون الى استيعاب اللاجئين السوريين لهم أهدافاً ظاهرها الإنسانية والشفقة والرحمة في الوقت الراهن، وباطنها مستقبلي يريدون من الشباب أن ينخرطوا بالمجتمع الغربي ويتناسوا بأنهم مسلمون ويتطبعون بطبائعهم وأخلاقهم الغربية وحريتهم المعروفة بالانحلال الخلقي والديني والانفتاح على كل ما هو مباح لهم.
إن هجرة العقول والكفاءات المبدعة والأقليات تسبب خسارة مالية كبيرة مستمرة للدولة ويؤدي هذا أيضاً إلى حرمان هذه الدولة من قدراتها الإبداعية التي كان بالإمكان أن تسهم في تطوير الوطن ونهوضه وإعماره والعيش بأمن وأمان في أرض الآباء والأجداد.....
إن حب الوطن ما زال يعمر قلوب العلماء العرب وخاصة السوريين المقيمين في المهجرين الأوروبي والأمريكي وما زال لديهم استعداد للعودة إلى الوطن والإسهام في بنائه وتطوره ولكن بشرط توافر الظروف المناسبة وأهمها الأمن السياسي والوظيفي.....
علينا وقف نزيف الهجرة الى الدول الأوروبية وبشكل عاجل جداً والعمل على منع تدفق الشباب الى تلك الدول بوضع استراتيجية فعالة لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة للغاية لذا لابد من أن نبدأ عاجلاً في العمل الدائب من أجل إزالة العوامل الدافعة إلى الهجرة وإغراء الكفاءات الشابة بالبقاء في وطنها من خلال منحها ما تستحق من امتيازات وكذلك تنظيم مؤتمرات للعلماء المهاجرين من أجل الاستفادة من مهاراتهم وخبراتهم وتعزيز دورهم في المشاريع التنموية ومنح مزيد من العناية للعلماء والباحثين ....
وستبقى سورية الأسد موئل الشرفاء والأحرار والأبطال وأرض الأنبياء والرسل وستبقى الملاذ الآمن الذي قل مثيله في العالم من حيث العيش المشترك لجميع ابنائها على السواء ولكل دوره في البناء والإعمار ولتبقى سورية قلب العروبة النابض...
وكلنا أمل أن نعمل معاً وسوياً من أجل إيقاف هذا النزيف المتواصل في أقرب وقت ممكن....

عبد الرزاق خليل شمص