Logo Dampress

آخر تحديث : السبت 20 نيسان 2024   الساعة 17:48:08
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
سورية مهد الحضارة - المدن المنسية العتيقة ... بقلم : يونس أحمد الناصر
دام برس : دام برس | سورية مهد الحضارة - المدن المنسية العتيقة ... بقلم : يونس أحمد الناصر

دام برس:
عندما نتكلم عن الحضارة السورية, يتوقف العقل على أعتاب هذا التاريخ مدهوشا", و الأكثر إدهاشا" بأن هذه الحضارة شملت كل بقعة من مساحة سورية, فكل حجر في سورية يحكي تاريخاً وكل تلة تكتنز ثروة أثرية , وما تم الكشف عنه هو جزء يسير من هذا التاريخ, و الكثير لا زالت تكتنزه الأرض السورية  التي تداولت على أرضها العشرات من الحضارات القديمة رافقت وجود الانسان على الكوكب, بحيث يمكن اعتبار هذه البقعة من الأرض هي الأم للبشرية ما حدا بالسيد أندريه بارو (بالفرنسية: André Parrot) وهو عالم آثار فرنسي متخصص في الشرق الأدنى القديم للقول : "لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان؛ وطنه الأم...  وسورية ".
و كلما قامت حضارة على أرضها جاء عديمي الحضارة و أجلاف الصحراء وحاولوا تخريبها من المغول الى التتار إلى موجات الاستعمار القديم و الحديث و ربما لن تكون آخر هذه الموجات ما يسمونه ربيعاً عربياً و هو في الحقيقة غزواً جديداً للقاتل الأمريكي من إبادة الهنود الحمر إلى يومنا هذا مروراً بافغانستان و العراق  و استهداف آثارنا هو بدون شك الغيرة من هذا التاريخ و العمق الحضاري لوحوش لا تاريخ لهم في سجل الحضارة الانسانية ولا تاريخ لهم سوى سفك دماء الابرياء و نهب ثروات الشعوب و لجهلهم لا يدركون بأن الحضارة هي نتاج مادي لمجموعة من البشر حضاريون بأخلاقهم و علمهم و أدبهم و هدم و تخريب الحضارة المادية لا يلغي هذه الحضارة التي سيعيد بنائها أحفاد الذين أنتجوها أول مرة  .
من صفحات التاريخ السوري الحضاري و المشرق دائماً هي ما نسميه اليوم المدن المنسية (لأن سكانها هجروها منذ أكثر من ألف عام ) وهي المدن  التي نشأت على سلسلة كتل جبلية قليلة الارتفاع بين محافظات حلب وإدلب وحماة بين القرنين الأول والسابع الميلاديين  وتعتبر جزءاً مهماً من تاريخ سورية وحضارتها.
وتتوزع هذه المدن على كتلة جبل سمعان وكتلة جبل بريشيا والأعلى والدويلة والوسطاني وكتلة جبل الزاوية في الشمال السوري بين القمم الجبلية والسفوح والوديان ويطلق عليها علماء الآثار المدن المهجورة أو القرى المنسية أو العتيقة.
وقدر عالم الآثار جورج تشالنكو أعداد هذه المدن والقرى بـ 778 موقعاً منها135 تقوم على خرائب مسكونة و322 موقعاً قامت على أنقاضها تجمعات سكنية حديثة و321 موقعاً محفوظاً بشكل مناسب غير أن تغييرات كبيرة حدثت في تلك المنطقة نتيجة التوسع السكاني والسكن فيها واستخدام حجارتها للبناء وأراضيها للزراعة ولم يعد عدد هذه القرى والمدن يتجاوز60 موقعاً.
وبنيت المدن والقرى المنسية وفق أسلوب معماري واحد أطلق عليه علماء علم الآثار اسم ( فن العمارة السورية)  تمييزاً عن فن العمارة الكلاسيكية اليونانية والرومانية جعلها تستحق الحفاظ على جمال عمارتها كونها محوراً لنشاطات سياحية تثير الإعجاب بجمالها وعظمة بنيانها وفرادته وهي تتميز بأسلوب زخرفة جميل لا مثيل له في العالم من الداخل والخارج وتعكس مرحلة من مراحل تطور فن الفسيفساء من الأسلوب الكلاسيكي واعتماده الأساطير الوثنية إلى الأسلوب الديني ولاسيما المسيحي ببساطته واهتمامه بالجمال الروحي واعتماده على الرموز الروحية والزخرفة النباتية والحيوانية,  ما شكل مرحلة في الانتقال إلى فن الفسيفساء الإسلامي.
تطور بناء الكنائس:
كما أن أصول فن العمارة الكنسي المعروف بالروماني تعود إلى نماذج قلب اللوزة ودير سمعان.
وتشمل المدن المنسية المواقع التالية.. قلعة كلونة كيمار - قلعة نجم برج حيدر-النبي هوري- كفرقدو أو كفر قابو- براد و دير براد- كنيسة المشبك-خراب شمس وتعتبر البارة إحدى أهم المدن المنسية وتبعد عن سرجيلا قرابة 3 كم وتزخر بآثارها التي تعود لعصور مختلفة , فيها بيوت حجرية وأديرة مثل دير سوباط , وفيها معاصر زيوت وثلاث كنائس وأضرحة ضخمة , ويقع إلى القرب منها حصن عربي هو قلعة أبي سفيان.
وتحكمت البارة بالطريق التجاري الواصل بين آفاميا وأنطاكيا وفيها العديد من معاصر الزيتون والمخازن والآثار الإسلامية مثل القلعة والمسجد.
سرجيلا:
سرجيلا : قرية ماتت حينما هجرها أهلها قبل 1300 عام.
حزموا أغراضهم ونظفوا منازلهم ورحلوا مخلّفين للتاريخ بيوتاً مبنية بالحجر الصلب ومعصرة ومقابر وكنيسة وجامعاً .
و لم يعرف بعد سبب الهجرة , ثمانية عشر عاماً من الدراسات تناولت قرية سرجيلا السورية وأبنيتها للرد على التساؤلات عن الحياة اليومية لأهالي تلك القرية واستخلاص طريقة حياة أهالي مئات القرى البيزنطية الأخرى المنتشرة على منحدرات جبل الزاوية في شمال سوريا.
سرجيلا , هي من القرى الأثرية التي تقع على هضبة كلسية تعطي صورة واضحة عن وضع الأرياف بين الفترتين الرومانية والبيزنطية وفيها أبنية كثيرة وكنائس وحمامات بنيت عام 473 ميلادي.
وتتميز بيوتها وكنائسها وقبورها , بأنها بنيت على نمط واحد و كان يتكلم شعبها السريانية وتعرضت للحروب والزلازل والكوارث الطبيعية وحررت على يد نور الدين الزنكي عام114 , وتعود القبور في سرجيلا إلى العهد الآرامي والعموري , وتتميز بالقبر الهرمي وهو عبارة عن برج اسطواني يرتفع فوق قاعدة يبلغ ارتفاعه ما بين15و30 متراً.
وتقسم مقابر سرجيلا إلى نوعين:
غرف محفورة بالصخر، ونواويس ضخمة منحوتة بحجارة المنطقة.
ولم تسمح الحفريات الأثرية بتحديد المقلع الذي استُخرج منه الصخر فقط، بل أيضاً بتحديد تاريخ استخراج كلّ من النواويس السبعة الموزعة على الموقع وطريقة العمل.
أولاً : كانت تُحفَر الصخرة التي ستُنحَت لاحقاً إلى ناووس، وذلك بحسب المقاسات المطلوبة، ثم توضَع على ألواح خشبية مستديرة وتحاط بالحبال ويجرّها الحمير إلى خارج المقلع، فتوضع على القاعدة التي صنعت خصيصاً لها، ومن بعدها يبدأ نحتها من الداخل لتتحوّل إلى ناووس يوضع بداخله الجثمان ويأتي الغطاء المخروطي الشكل من فوقه.
ومن الواضح أن الناووس لم يكن يستعمل لشخص واحد، بل مداورة لكلّ أفراد العائلة الواحدة , و تخفي منازل سرجيلا أسرار خمسة قرون من السكن والحياة اليومية التي كانت تدور في كنف الزراعة ونحت الحجر.
جبل بريشيا:
وأما جبل بريشيا أو برايشا في إدلب, فيحتوي قلاعاً وخرائب بيزنطية ترجع إلى القرنين الخامس والسادس الميلاديين ومعظم عماراتها هي دور للعبادة وأخرى للسكن, وتشتهر كنيسة قلب لوزة قرب حارم بأنها من أجمل كنائس العالم.
ومن مدن إدلب المنسية ,  ترمانين والدانا وسرمدا وتل عقبرين والأتارب وتلعادة وهي مازالت مأهولة وتضم أوابد بيزنطية وتنتشر فيها مغاور كثيرة كما في قرية المغارة في جبل الزاوية حيث أعيد في العهد البيزنطي استخدام المغر.
براد وقصر براد:
ويحتضن جبل سمعان مدناً منسية عدة,  منها براد وقصر براد وبرج حيدر ودارة عزة وباسوفان وخراب شمس إضافة إلى خرائب أثرية تحيط بقلعة سمعان مثل تقلة ورفادة والقاطورة وست الروم ودير سمعان "تيلانيسوس" الذي يحتوي حياً للحجاج وداراً للضيافة وكنيسة وفنادق وثلاثة أديرة وهي تتاخم قلعة سمعان التي اتخذت شكل الحصن في القرن العاشر الميلادي.
كنيسة القديس سمعان العمودي :
كان القديس سمعان العامودي صاحب طريقة التعبد على عامود قد عاش بداية القرن الخامس وترهَّب في الدير وبنى عموده المشهور الذي بلغ ارتفاعه40 متراً ولم ينزل عنه طوال39 عاماً, فتحول المكان إلى محج أقيمت حوله كنيسة ( وَ يعترف المؤرخون بأنّها َ كانت لفترة طويلة من أعظم كنائس العالم المسيحي ) على مساحة 5000 متر مربع في العام476ميلادي , واعتبرت آية في التصميم المعماري وأقيمت فيها في فترات لاحقة مساكن للرهبان وطلاب العلم وملاحق مثل المعمودية والرهبانية والفنادق والمدافن , وتبعد قلعة سمعان عن حلب37 كيلومتراً لجهة الشمال الغربي , كما تعتبر نماذج الكنائس التي بناها المعماري السوري العظيم المدفونة رفاته في كنيسة قصر البنات" قيروص فيريانوس" هي الأساس في كثير من الكنائس الأوروبية اللاحقة
كنيسة القديس سمعان العمودي

تعتبر كنيسة القديس سمعان جوهرة كنائس "المدن المنسية" ومن أجمل روائع الفن المسيحي ومن أعظم وأضخم الكنائس التي بنيت في العالم، فأضحت دُرّة فريدة لا تضاهيها كنيسة أخرى بعظمتها وضخامتها. أقيمت الكنيسة حول العمود، وكانت على شكل صليب مؤلف من أربعة أجنحة متعامدة فيما بينها عدا الجناح الشرقي الذي كان يميل مع الحنية ست درجات أي 2.43م منحرفاً نحو الشمال.

ارتبطت الأجنحة مع بعضها حول العمود بواسطة مثمّن قطره 28م كانت تعلوه قبّة خشبية عظيمة وكان يغطي كل جناح سقف خشبي مائل يستند على الجدران بجملونات مثلثية وربما أخذت فكرة الصليب من المدافن ذات الدهاليز الأربعة.
كان كل جناح بحدّ ذاته عبارة عن كنيسة ذات بهو رئيسي وبهوين جانبيين يفصل بينهما صفان من الأعمدة والأقواس البديعة العالية مشابهاً بذلك نمط الكنائس البازيليك المعروفة من القرن الخامس في المنطقة.
بنيت الحنية في الجناح الشرقي حيث أقيم الهيكل فيها، كما أقيمت في شماله غرفة الخدمة (الدياكونيكون) وغرفة الشهادة(المرتيريون ) في الجنوب وهما على شكل نصف دائرة, ومما يذكر أن هاتين الغرفتين تكونان في جميع الكنائس على شكل مربع أو مستطيل.
وأقيم في الجنوب الشرقي من حنية الكنسية الرئيسة كنيسة صغيرة للرهبان لتأدية الفروض والصلوات اليومية كما أقيم في جنوبها دير للرهبان بطبقتين.
مدينة النبي هوري:
مدينة أثرية في منطقة عفرين، شمال غرب حلب و كانت إحدى المدن الهامة في العصر الهلنستي اليوناني, احتلها الرومان عام 64ق.م، ورمّم أسوارها الإمبراطور البيزنطي جوستنيان، هاجمها كسرى الأول عام 540م، وفتحها العرب صلحاً عام 637م على يد عياض بن غنم، وحررها نور الدين الشهيد من أيدي الفرنجة وبنى قلعتها وجدد تحصيناتها وكثيراً من مرافقها، ويحيط المدينة سور في وسطه مدرج دائري ومنصة تمثيل وفي شمال هذا المسرح كنيسة كبيرة (بازيليكا) وأخرى صغيرة، وفي جهة الغرب تقع المقابر، ويقوم قوس التيترابيل في جنوب أسوار المدينة.
و قد كشفت التنقيبات الأثرية الأخيرة عن أجزاء جديدة من الطريق الروماني المستقيم دون أي نقص يذكر في البلاطات المستخدمة لرصف ارضيته ويتوقع أن يكون امتداده من مدخل المدينة الجنوبي حتى بوابتها الشمالية ويحاط برصيف تتوضع عليه أروقة تحملها الأعمدة على طراز الأبنية الأثرية في المدن الرومانية في موقع النبي هوري يعود للقرن الثالث قبل الميلاد
يذكر أن موقع النبي هوري يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد وفيه آثار تعود إلى الفترات الهلينستية والرومانية والبيزنطية والإسلامية ويعتبر اكبر موقع أثري في سورية يعود إلى الفترة الكلاسيكية.
مدينة كيمار:
وأما مدينة كيمار التي تقع في منطقة عفرين بلدية الباسوطة شمال قرية سمعان فهي من أهم المدن الأثرية في الحقبة الرومانية البيزنطية من القرن الخامس والسادس الميلادي وفيها دور سكن وفيلات وكنائس وصهاريج لجمع مياه الأمطار وتتميز بهوائها العليل ما يجعلها مركز اصطياف ممتازاً.
كنيسة المشبك:
وتقع كنيسة المشبك على بعد 25 كيلومتراً عن حلب باتجاه الغرب على الطريق القديمة إلى جبل سمعان, وهي طريق القوافل في أراضي عين جارة , نصل إليها من حلب مروراً بخان العسل, فنسير بين التلال باتجاه جبل سمعان , وأما كالوته في منطقة إعزاز بمدينة نبل فهي قرية قديمة تحوي كنيسة شرقية وأخرى غربية ودوراً قديمة وجواسق وأبواباُ كبيرة لمنازل تعود للفترة الرومانية ثم البيزنطية , وتعد قلعة كالوته المشهورة معبداً وثنياً تحول إلى كنيسة في الفترة البيزنطية ثم حصنت في القرن العاشر وقرية كفر نبو أو كفرنابو التابعة لمنطقة عفرين تعود للفترة الرومانية ثم البيزنطية, وهي حالياً مأهولة وفيها معبد وكنائس تعود لتلك الحقبة.
قرية خراب شمس:
وقرية خراب شمس الكبيرة الواقعة على المنحدرات الجنوبية لجبل سمعان, تحتوي على كنائس وسراديب ومعصرة ومدافن وجواسق ,أما قلعة نجم التي تعود إلى القرنين الثامن والتاسع الميلادي فهي قلعة عربية مهمة في منطقة منبج على بعد110 كم شرقي حلب, وهي مؤلفة من ثلاث طبقات الأولى تحتوي على مستودعات وصهاريج وأبراج دفاعية وممرات سرية تليها طبقة ثانية أرضية تضم قصر الإمارة والحمام والقاعات العديدة أما الطبقة الثالثة فتشكل الطبقة الأولى فوق الأرض فيها مسجد القلعة وبعض الأبنية والمرافق المختلفة.
وتمثل هذه المدن معلماً مهماً من تاريخ سورية وعمارتها وحياتها الروحية في القرون الميلادية الأولى فهي فريدة ليس في سورية فحسب بل في العالم كله لا تزال قائمة لتحكي قصة تاريخ مجيد يحكي ذاكرة الأجداد ويؤكد الاستمرار الحضاري لسورية
ما تقدم هو جزء يسير من الحضارة المدهشة و نقطة فسيفساء صغيرة في لوحة الفسيفساء الكبيرة المسماة سورية , على أمل الكتابة عن نقطة مضيئة أخرى قريباً بعون الله  . 

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz