دام برس:

استبق الرئيس بشار الأسد في حديثه الأخير للنقابات المهنية بدمشق، قبل ايام، الهجوم الإعلامي المعادي المتوقع على حديثه، بهجوم استباقي لافت ومهم، حيث كرر أكثر من مرّة أن هذا الإعلام سيقوم كعادته بتشويه الخطاب ومضمونه واللعب على المفردات وتغييب المعنى الحقيقي له وقلب المعطيات، وهذا ما حدث فعلاً. ولم يأتي تنبيه الرئيس الأسد من فراغ أو للخوض في المجال الإعلامي، ولكن هذا التنبيه الذي كرره السيد رئيس الجمهورية يعكس عدة نقاط، يمكن الإضاءة على بعضها؛

أولاً، إن لسورية وللرئيس بشار الأسد شخصياً تجربة مريرة مع الإعلام المعادي، الذي دأب منذ بداية الحرب على سورية القيام بحملات للتضليل وقلب الحقائق وتزويرها وتلفيق المعلومات الكاذبة ونقل أخبار غير صحيحة، سياسية وعسكرية ودبلوماسية وإعلامية ومن ثم البناء عليها وكأنها حقائق دامغة... الخ، بغية التشويش على الموقف السوري وتغييبه وتجهيله وإضعافه والإساءة إليه. وعندما يستبق الرئيس الأسد الهجوم المتوقع على خطابه الواضح والشفاف والواقعي والصريح، فإنه ينبّه إلى الحملة اللاحقة التي ستطاله، وهو بالتالي ضرب هذه الحملة في الصميم وأنهكها قبل بدئها، وأفرغها من محتواها ومن الكثير من قوتها وتأثيرها على المتابع والمواطن العربي.

ثانياً، إن قيام الرئيس بشار الأسد بالرد الإستباقي على الهجوم المتوقع، يعكس حالة مهمة ووضعاً لافتاً في الإعلام السوري بشقيه العام والخاص، وهو أنّ هذا الإعلام لم يتمكن في السابق ولا يتوقع أن يقوم حالياً بالطبع، بمواجهة حملات الإعلام المعادي بالشكل المطلوب. وكثيراً ما تأخر الإعلام السوري في مرات سابقة ومناسبات مشابهة عن الحدث ومشى خلفه، فاقداً عنصر المبادرة ومتكأً على الموقف السياسي بدل دعمه وتوضيحه ونشره. وللحقيقة فإن الإعلام السوري كرر عادته الكلاسيكية في التعاطي مع الخطاب ومع الأحداث الكبيرة، ولم يقم بأي خطوة مهمة لترجمة مضمونه إلى واقع أو لغة إعلامية مفيدة وعملية. وهذا القصور الإعلامي سببه الرئيسي كما بات واضحاً ومعروفاً غياب المهنية الإعلامية في الكثير من مفاصل العمل الإعلامي سواء المرئي أو المكتوب أو المسموع.

لقد قدّم الرئيس الأسد، ومثل عادته في كلّ مرّة، قراءة موضوعية وعرضاً متميزاً للأحداث والوقائع وبطريقة متقدمة ودقيقة وشاملة لفت إليها حتى الأعداء.. وكان أحرى بالإعلام السوري أن يمارس مهنية إعلامية تتعامل مع الخطاب بطريقة أخرى وألا يحول هذا الخطاب أو أي مناسبة أخرى إلى همروجة إعلامية تتعاطى مع الحدث بشكل آني بل كان الأحرى بالإعلام السوري أن يكون قامة أخرى تضيف إلى ما قدمّه السيد رئيس الجمهورية عبر تحويل كلامه إلى منهج عمل واضح  مستفيداً من المعلومات والجرأة التي تحدث بها بدل أن يتكيء عليه.. فهل يتعلم هذا الإعلام في المرات القادمة..؟! نأمل ذلك .