دام برس:
بعض الكتاب في صحافة مملكة القهر والإستبداد المسماة "السعودية" يعيشون أوهام الحرية والديمقراطية إلى حد الزعم ان لاأحد يتدخل في مقالاتهم او الحد من التعبير عن آرائهم في القضايا الشائكة التي يشكل فيها النظام السعودي طرفا تدميريا !
وللحقيقة يجب ان نعترف أن هؤلاء "لايكذبون" فمن يعمل في إعلام آل سعود لأكثر من ربع قرن من الزمن ليس منافقا اومتهما كما يشاع عنه وإنما هو مؤمن ـ بل شديد الإيمان ـ  بالفكر الوهابي الذي يحكم مملكة القهر والإستبداد ، أو مجرد مرتزق مأجور !
وبتعبير أكثر صراحة نقول ان من يؤمن بالفكر القومي  لن يعمل في صحيفة سعودية أو يمينية أو محافظة جدا كالنهار اللبنانية مثلا ، تماما مثلما لن يعمل من يعادي القومية العربية في صحافة تؤمن بالعروبة وترفع شعار "البوصلة باتجاه فلسطين"!
ويتباهى عادة الكتبة في صحافة مملكة القهر والإستبداد بالتحالف التاريخي للسعودية مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية إلى حد يصدقون فيه أن الإدارة الأمريكية لاتتخذ قرارات استراتيجية ومصيرية تخص المنطقة دون مشورتهم ومراعاة مصالحهم !
ولهذا السبب على الأقل يمكن أن نفهم الغضب الذي أصاب كتبة مملكة القهر والإستبداد من الولايات المتحدة الأمريكية التي ابرمت الإتفاق النووي مع إيران على الرغم من رفض أسرة آل سعود واعتراضها على أي تقارب غربي مع "محور الشر" !!
وكان الكاتب السعودي المتحدر من أصول فلسطينية ويحمل الجنسية اللبنانية جهاد الخازن أبلغ من عبر عن غضبه بقوله فور إبرام الإتفاق النووي التاريخي : ياعرب اتفقوا علينا !!
طبعا لم يقل لنا الخازن من هم العرب الذين غدرت بهم أمريكا لأنه يختزل العرب بحكام آل سعود فقط أما سائر العرب الذين ابرقوا للحكومة الإيرانية مهنئين بالإتفاق كالإمارات والكويت وسلطنة عمان فلا يدخلون في عداد : ياعرب اتفقوا علينا !!
طبعا .. سورية التي وصف الزعيم العربي الراحل عاصمتها دمشق بقلب العروبة النابضة   هي بنظر الكاتب السعودي الخازن ليست عربية ولا لبنان ولا الجزائر ولا اليمن الذي يهدر السعوديون دم شعبه ـ متخذين من إسرائيل القدوة والمثال ـ على مدار الساعة بذريعة كونه تحالف مع إيران !
بل لو استثنينا الأنظمة التي تتلقى الرشاوى من آل سعود .. فعن أي عرب يتحدث الخازن ؟
الإكتشاف الفذ الذي نشره الخازن قوله : "المفاوضات لم تكن بين إيران والدول الست إياها، بل بين الولايات المتحدة وإيران" ..
ماهذا الإكتشاف العبقري من هكذا كاتب سعودي مخضرم متحدر من اصل فلسطيني؟
هل هناك من غبي في الإعلام لايعرف أن المفاوضات الفعلية كانت منذ انطلاقتها منذ اكثر من عشر سنوات ـ ولاتزال ـ  بين إيران والولايات المتحدة .. ولو لم يكن الأمر كذلك لماذا يهدر وزير خارجية أمريكا وقته بالتواجد شخصيا في المفاوضات ويُرغم نظرائه الأوروبيين ويتمنى على نظيريه الروسي والصيني المشاركة الشخصية ايضا في المفاوضات ؟
الإكتشاف الآخر ـ بل الأخرق ـ الذي يعلنه الخازن قوله :"الاتفاق يعني إطلاق يد إيران في الشرق الأوسط مقابل وقف طموحها النووي العسكري مدة محدودة".
يستغبينا الخازن على طريقة آل سعود فهو يوهمنا أن الإدارة الأمريكية ساذجة وغبية إلى حد انها قررت إطلاق يد إيران في الشرق الأوسط !
ومن الطريف أن هذا الإستنتاج يتطابق تماما مع ماتنشره الصحافة الإسرائلية .. يالها من مصادفة !!
والوهم الثاني الذي يسوقه الخازن قوله ان إيران وافقت على وقف طموحها النووي العسكري مدة محدودة ، وكأنّ الخازن لم يقرأ ـ أو لايريد أن يقرأ ـ مايؤكده الإيرانيون منذ سنوات وعلى لسان مرجعهم الأعلى الخامنئي بأن السلاح النووي حرام !
ولا نظن أن الخازن  ساذجا إلى درجة لايعرف فيها أن إسرائيل هي من يروج لفكرة أن إيران تسعى لامتلاك سلاح نووي !! 
ويصل بنا الخازن إلى خلاصة فذة : حسناً، دول الخليج كلّها غير راضية عن الاتفاق، والمملكة العربية السعودية صرّحت علناً، بأن الاتفاق خطر، وقد يحفّزها على بدء برنامج نووي!
اولا هل سلطنة عمان التي لعبت دورا اساسيا في التوصل للإتفاق غير خليجية ؟
وهل الإمارات التي تربطها علاقات اقتصادية قوية بإيران وكانت أول المباركين غير خليجية ، بل هل الكويت المرحبة غير خليجية ايضا ؟
لايمكن أن نفهم مايقوله الخازن إلا إذا عرفنا انه يختزل العرب ـ كل العرب ـ  بالسعودية فقط ؟
وإذا كان الإتفاق سيحفز السعودية على بدء برنامج نووي .. حسنا فلتساعدها الولايات المتحدة أو فرنسا أو حتى روسيا في مسعاها .. ماالمانع ؟
بل ماعلاقة رغبة السعودية بالبدء بتنفيذ برنامج نووي بالإتفاق مع إيران .. إلا إذا كانت إيران بعد الإطاحة بشرطي الخليج الشاه ودعمها لحركات المقاومة أشد خطرا من 300 قنبلة نووية في الترسانة الإسرائيلية ؟
ترى لماذا لايجيب الكاتب السعودي المتحدر من أصول فلسطينية على السؤال : لماذا لم تنفذ السعودية المالكة للمليارات برنامجا نوويا منذ ستينات القرن الماضي بعد الكشف عن امتلاك الصهاينة للقنبلة النووية ؟
ام ان دعوته لمثل هذا الأمر لم تكن مطلوبة وملحة وضرورية إلا بعد ظهور الخطر الإيراني !
الغريب في الأمر أن يؤكد الخازن "ان الرئيس الأمريكي اطلق يد إيران في العراق وسورية ولبنان وربما في اليمن والبحرين ودول أخرى .."  وكأنّ هذه الدول ـ باستثناء البحرين ـ كانت تسبح في البحر الأمريكي ، بل لماذا لايأخذ بوجهة النظر الأخرى وهي أن رؤساء امريكا منذ أكثر من 50 عاما أطلقوا يد إسرائيل في المنطقة برمتها وألزموا معظم دولها باتفاقيات إذعان وأقامة علاقات اقتصادية وأمنية علنية وسرية مع قادة العدو تبوأت صدارتها دول الخليج !
لعل الكاتب من وجهة نظر سعودية سيرد : امريكا الحليفة الإستراتيجية لإسرائيل صديق دائم وحميم للخليج في حين إيران بعد ثورتها على الشاه الذي كان حليف امريكا وشرطي الخليج تحولت إلى عدو لدود لمجرد رفعها شعار : الموت لإسرائيل !