دام برس:
بدت فرنسا خلال الأشهر الأخيرة من مفاوصات النووي الإيراني وكأنها من أكثر المتشددين مع الجانب الإيراني ، وكانت حريصة جدا على تظهير تشددها عبر وسائل الإعلام !
وكاد الإعلام السعودي أن يقنع الرأي العام العربي بأن فرنسا هي المدافع الوحيد في المفاوضات ضد التوصل إلى اتفاق يتيح لإيران "التمدد في المنطقة والتطاول على الشعوب العربية" !
ولم تستطع السعودية صبرا لجلاء الغبار عن المفوضات ومعرفة حقيقة المواقف "الإعلامية" فحرصت على حضور رئيس فرنسا لقمتها الخليجية الأخيرة ، ولتعلن خلالها عن عقد صفقات بالمليارات معه لقاء التشدد الفرنسي الإعلامي ضد إيران !
ولم تخسر فرنسا شيئا من تشددها اللفظي وصواريخها الإعلامية ضد إيران إلى حد زعم وزير خارجيتها أن المفاوضات ستتوقف إن لم تذعن إيران للشروط الفرنسية !
ربحت فرنسا المليارات من السعودية ودول خليجية أخرى ، وكسبت ود إسرائيل "الإعلامي والسياسي" وتأييدها للرئيس هولاند في الإنتخابات القادمة !
ولعل النظام السعودي تفاجأ الآن بالهرولة الفرنسية باتجاه خطب ود الإيرانيين وفي منافسة المانيا وبريطانيا لكسب مشاريع اقتصادية دائمة تتيح زرع نفوذ لفرنسا في إيران تطمح من خلاله للعب دور بارز في أزمات المنطقة ، وهو دور خسرته كليا بعد تورطها الدامي بدعم الإرهابيين في سورية والمشاركة بسفك دماء السوريين !
وهاهي صحيفة "كومرسانت" الروسية تفضح الفرنسيين وتنقل عن باتريك بويان الرئيس التنفيذي لشركة توتال قوله: إن شركة الطاقة الفرنسية تتطلع إلى مشاريع للغاز الطبيعي المسال والنفط في إيران."
ولعل هرولة وزير خارجية فرنسا لزيارة إيران ليس سوى التفاوض على عودة قوية لشركة توتال إلى إيران .
وكما هو معروف فإن الذراع الإقتصادية لفرنسا هي شركة توتال ويحرص القادة الفرنسيين خلال زياراتهم إلى دول النفط والغاز في العالم إلى الضغط عل حكوماتها لتلزيم مشاريع كبيرة وضخمة لتوتال تتيح لها ممارسة النفوذ والهيمنة ولعب دور سياسي في تلك الدول.
وليس مستغربا مايقال أن السبب الرئيسي للإنخراط الفرنسي الدامي في سورية يعود لعدم اتاحة الفرصة لشركة توتال بالفوز بمشاريع هامة في سورية ، بل أن هذا التشدد بإسقاط الدولة السورية "وقطع خطوط الرجعة نهائيا مع النظام" يهدف في النهاية للفوز بحصة كبيرة من مشاريع الغاز والنفط في المياه السورية الإقليمية !
وما يجعل فرنسا تعقد الآمال على عودة ذراعها الإقتصادية إلى إيران هو أن شركة توتال كان لها وجود قوي في إيران حتى عام 2006 حيث كانت تعمل في مشروع للغاز المسال بحقل "بارس" الجنوبي !
وما يسيل اللعاب ويفتح شهية الفرنسيين أن إيران بوسعها أن تصبح من أكبر منتجي الغاز الطبيعي في العالم، إذ تبلغ احتياطياتها منه 34 تريليون متر مكعب أي نحو 18 % من إجماليالإحتياطي العالمي.
وهذه الإمكانية اصبحت متاحة بعد الإتفاق النووي التاريخي الذي سيمهد الطريق لتخفيف العقوبات الدولية المفروضة على طهران ولزيادة صادراتها النفطية.
وهذا مايفسر هرولة دول أوروبية مثل المانيا وبريطانيا اوفرنسا للإعلان عن قرب عودة علاقاتها مع إيران .. حتى قبل إقرار الإتفاق من قبل مجلس الأمن !
وما يؤكد ان فرنسا تنتظر نتائج طيبة هو قولها للإيرانيين بشكل غير مباشر :
حسنا قبلنا بالإتفاق .. ونحن الآن ننتظر الثمن !!
اما مايزيد من جرعة تفاؤل الفرنسيين بعودة قوية لشركة توتال إلى السوق الإيرانية فهو أن إيران غير خاضعة للنفوذ الأمريكي ، وليس مستبعدا أن يلجأ الفرنسيون إلى الروس لمساعدتهم بالعودة إلى إيران خلال فترة قصيرة !!
ولكن .. لاعودة مجانية لأحد إلى السوق الإيرانية فمشاركة توتال في تطوير النفط والغاز الإيراني ستتوقف على الشروط التي ستعرضها طهران على المستثمرين الأجانب!!
وإذا كانت الشروط ستطبق على الجميع .. فمن المؤكد أن هناك شروطا غير معلنة كالتوقف عن التدخل قي شؤون دول المنطقة لتغيير أنظمتها بقوة الإرهاب والتكفير !
بالمحصلة فإن الجانب الروسي الخبير بالشأن الإيراني يعرف تماما الثمن الذي تطلبه إيران لعودة شركة توتال أو غيرها لإيران ..
والسؤال : هل فرنسا مستعدة لدفع الثمن في سورية مثلا لقاء حجز مكان لشركاتها في حفل تقاسم كعكة النفط والغاز الإيرانية ؟!