Logo Dampress

آخر تحديث : الأربعاء 24 نيسان 2024   الساعة 03:02:43
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
السوريون بين الهوية السورية والهوية العربية الإسلامية ... بقلم : بديع عفيف
دام برس : دام برس | السوريون بين الهوية السورية والهوية العربية الإسلامية ... بقلم : بديع عفيف

دام برس:
بعد سنوات الأزمة، وفي لقاءاته مع الفعاليات والهيئات المجتمعية السورية، لفت الرئيس بشار الأسد إلى عدد من نقاط الخلل التي مكّنت من انتشار الأزمة. صحيح أن هناك مؤامرة أو لنقل مخططات غربية تنفذ بأياد إقليمية ـ عربية لتخريب سورية، لكن الصحيح أيضاً أن هناك عدداً لابأس به من السوريين الذين ساهموا في تخريب بلدهم جاهلين أو عامدين لذلك. لماذا؟! يبيّن الرئيس بشار الأسد في لقاءاته الحزبية والدينية ومع الوفود العربية أن هناك فراغاً فكرياً، وأن المؤسسات الحزبية لم تقم بدورها وكانت شبه معطلة، وأن المؤسسات الدينية قصّرت في مسؤولياتها وكانت شبه غائبة... الخ.. بالمقابل، كانت مؤسساتنا وإعلامنا يضخ جرعات زائدة من العروبة والقومية على حساب "السورنة" والهوية السورية.

تقديم الهوية العربية على الهوية السورية. منذ عقود، بل وعبر تاريخها الطويل كانت الحضارة السورية والثقافة السورية والأمة السورية منفتحة على الآخر بحكم قدمها وعراقتها ومركزيتها في قلب العالم، وبالتالي اعتيادها على الاختلاط والتمازج. وبسبب هذا الانفتاح كانت أشبه ببوتقة كبيرة تتسع لصهر واستيعاب الثقافات والحضارات الأخرى، تؤثر وتتأثر بها وتتفاعل معها؛ اليونانية والفرعونية والأوروبية والهندية والصينية... الخ. وربما من هنا كانت الجرأة السورية في استقبال الزائرين العرب والسماح لهم بالدخول إلى الأراضي السورية دون الحاجة إلى تأشيرة دخول ودون الخوف من عددهم، وبهدف زيادة الاختلاط العربي وتقوية النزعة العروبية عند هؤلاء..!!

لكن المشكلة كانت في عدم قدرة هؤلاء القادمين من الصحراء والبادية والخليج النفطي ـ التكنولوجي على فهم الأسباب والدوافع السورية، وعدم تقديرهم لما تمنحه سورية لهم من احترام وتسهيلات؟ بالطبع لم يتعاملوا مع الاحترام السوري بالمثل، لأنهم لم يفهموه، - لأنهم طارئون على الحضارة والثقافة ـ أما استخدام التكنولوجيا عندهم فشيء آخر مختلف ومنفصل عن الحضارة والتفاعل الحضاري؛ هل زار هؤلاء مدينة تدمر الأثرية أو قلعة حلب أو مدينة ماري في دير الزور او حتى الجامع الأموي بدمشق؟! أبداً لم تكن هذه وجهتهم. يمكن إحصاء الزوار الخليجيين للمناطق الأثرية أو حتى الدينية السورية بالمئات، من بين ملايين السواح الذين زاروا سورية قبل بدء الأزمة. ربما لو خاطبتْ الدولة السورية هؤلاء باللغة التي يفهمونها لكان احترامهم لسورية أكبر وأعمق؛ كان من الأفضل أن تفرض سورية رسوماً تصل إلى مئات الدولارات على العرب الراغبين بزيارة سورية ثمن سمة الدخول أو رسوم الإقامة... الخ. لو فعلت ذلك لكان الأمر أكثر جديّة ولكانت أكثر مهابة.

الحضارة السورية وهّابة، ولكن! لقد أغنت الحضارة السورية تراث الإنسانية وتجربتها وقدّم السوريون ماضياً وحاضراً الكثير في مجال الفكر والثقافة وشتّى أنواع العلوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلسفة والطب والزراعة، وكانوا أول المخترعين وآخرهم، ولكن تبني سورية في العقود الماضية لفكرة/قضية العروبة وسعيها لإقامة الوحدة العربية، ولو على حسابها، جعلها تقدّم الكثير وتتنازل بالمقابل عن الكثير، وتدفع المزيد من الخسائر المادية والبشرية، وتخسر من قدرتها على النهوض والتقدم، في مواجهة أعداء الأمة العربية.. وكان هذا في كثير من الأحيان ـ وهذا هو الأهم ـ على حساب المواطن السوري.

وهذه الأولوية بالمعنى الواسع، تركت ندوبها على المواطن السوري والشخصية السورية والفكر السوري، وتحديداً عند الخط أو الحاجز الذي قدّمت فيه الدولة السورية أولوية العروبة على "السورنة". وقد تبدت النتيجة في الأزمة الأخيرة في سورية عندما استمع العديد من المواطنين السوريين للخطاب القادم من السعودية أو من الأردن أو من الكويت ولبنان وقدّموه على خطاب دولتهم. الضعف الفكري الذي تحدث عنه الرئيس الأسد تجلى في عدم قدرة بعض السوريين على مواجهة الخطاب المدمّر الذي بثه الإعلام المعادي، وعدم قدرتهم على التحول من حالة العروبية الإيجابية التي اعتادوا عليها والتي تم استخدامها من قبل الدول المذكورة أعلاه، لتفجير سورية وتدميرها، إلى الحالة السورية الداخلية الذاتية.

بمعنى آخر، بدا أن ولاء الكثير من السوريين ممن انشقوا عن الدولة السورية واتجهوا إلى السعودية أو لبنان أو الأردن ودول الخليج، تجاه هذه الدول، أقوى من ولائهم للدولة السورية وللوطن السوري.. ولم يجد الإعلام السعودي مثلاً، صعوبة في مخاطبة السوريين بسبب تربيتهم على احترام المملكة لأهميتها العروبية والإسلامية؛ كيف لا وبعض كتب التاريخ في بعض المراحل الدراسية في سورية، تدرّس حركة محمد بن عبد الوهاب بأنها حركة إصلاحية؟! ربما سورية هي الدولة العربية الوحيدة التي تتقدم فيها "القومية العربية" على "الوطنية" السورية، فيما ترفع الدول العربية شعار؛ لبنان أولاً، والسعودية أولاً، ومصر أولاً... الخ.

من الداخل إلى الخارج وليس العكس. لقد أثبت صمودُ سورية في سنوات الأزمة الخمس أنّ قوة سورية الذاتية رغم كل نقاط الضعف التي تبينت، هي كبيرة ومتأصلة وفاعلة، ولذلك تمكنت سورية من الصمود والبقاء، رغم الحرب العالمية العاصفة عليها. القوة الذاتية السورية ـ الحضارة السورية الغنية والعريقة ـ التاريخ السوري الغني ـ الشخصية السورية الفريدة الولّادة... كل هذه المقدرات وغيرها الكثير، ولّدت وما تزال تولّد طاقة ذاتية تعطي سورية الدولة والشعب، القيادة والجيش العربي السوري، الديناميكية والقدرة على الاستمرار واختلاق المعجزات وإيجاد الحلول ومواجهة التحديات بعبقرية شهد لها العالم حتى الأعداء. ومن هنا كان أيضاً وقوف الأصدقاء مع سورية وإلى جانبها راسخاً وأكيداً؛ سورية تمنحهم المدد الروحي والديني والقيَمي والإنساني؛ الإسلامي لإيران والمسيحي لروسيا والتاريخ والحضارة لكل إنسان يعرف ما تمتلك سورية من أصالة وقيم وتراث إنساني أو مقدّس يمتد آلاف القرون وليس عشراتها.

ولذلك فإنه لا بد من العودة مجدداً للعمل على بناء الإنسان السوري من جديد لتعزيز طاقاته وتفعيلها وتعزيز الهوية السورية والشخصية السورية وتقويتها والتأكيد على أهميتها وتطويرها لتكون نقطة الانطلاق للمحيط والعالم وليس العكس. وهذا يقتضي معالجة مواضع الخلل والثغرات التي تحدث عنها الرئيس الأسد وغيرها أيضاً مما ذكره ولم نتطرق إليه هنا، لإعادة بعث الشخصية السورية بخصوبتها وغناها، ولنفض الغبار عن تِبرها الأصيل.

مصدر الخبر: SNS

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz