Logo Dampress

آخر تحديث : الجمعة 19 نيسان 2024   الساعة 22:16:33
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
حدث ويحدث في سورية .. مخطط أمريكي أم صهيوني ... بقلم : القانونية أمل عبد الهادي مسعود
دام برس : دام برس | حدث ويحدث في سورية .. مخطط أمريكي أم صهيوني ... بقلم : القانونية أمل عبد الهادي مسعود

دام برس:

إن ما حدث ويحدث في سورية كان مروعاً ومذهلاً على كافة المستويات  والسياسية والأخلاقية؛ إنه حدث لا يمكن مقارنته بأي حدث من أحداث التاريخ لا في الوطن العربي ولا في أي منطقة أخرى من العالم. ما حدث في سورية يتجاوز أية حرب أو نكبة أو فوضى حدثت في العالم أو في الوطن العربي ويفوق ما حدث للعراق بعد غزوة هولاكو، وعند انهيار النظام في الاتحاد السوفيتي، لكن الجيش العربي السوري ظل قائماً واستمرت أغلب مؤسسات الدولة قائمة تمارس أعمالها حيث لم تسقط أو تختفي.

ولعل مكمن الخطورة في الحرب على سورية أنها أعادت البلاد التي كانت قطعت أشواطاً كبيرة على السلم الحضاري، عقوداً للخلف بعد أن أصبحت الكثير من المدن والقرى خراباً شاملاً بالطريقة التي يريدها الغزاة الإرهابيون. وإذا ما سلمنا أن الدعم الأمريكي والخليجي لهذا الخراب لم يكن في مصلحة الشعب السوري، فسيكون من السهل علينا الاقتناع بأن أمريكا لم تكن هنا محررة للشعب السوري كما تدّعي، وهي لن تعمل أيضاً في المرحلة المقبلة من أجل مصلحة سورية والسوريين؛ إنها لم تعمل في الماضي ولا في الحاضر ذلك، لا في سورية ولا في أي بلد في العالم، بل هي لم تعمل إلا على تدمير الشعوب والحكومات والأنظمة الوطنية ونهب خيراتها، ولم تعمل إلا على استعبادها وسحقها وإلحاقها بها. إن إدراك هذه الحقيقة يشكل نقطة انطلاق أساسية للموقف الذي يجب أن يُبنى إزاء أمريكا وحلفائها.

لا يمكن لأمريكا أن تكون مع سورية ومع شعبها، ولا مع أي شعب آخر في العالم غير إسرائيل، وإسرائيل فقط، حتى لو تعارض هذا مع مصالح أمريكا والشعب الأمريكي. إن الانطلاق من هذا الفهم سوف يزيل الافتراق والتباعد النظري بين السوريين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ويكون أساساً لوحدتهم ووقوفهم صفاً موحداً في مواجهة هذه الهجمة الأنكلوصهيونية.

لقد تحوّل بلدنا الذي كان من الممكن أن يكون أغنى وأقوى البلاد العربية وأكثرها أماناً إلى أفقر وأتعس بلد، وبدلاً من أن يكون سنداً وظهيراً لفلسطين تحوّل إلى ساحة لجهاد الفلسطينيين وهذا لا يمكن أن يكون إلا بفعل قوى شريرة ماكرة وخبيثة.. ولا يمكن أن يكون مجرد صدفة أو نتيجة لهفوة أو لخطأ في التحليل الفكري والنظري. من الصعب أن نحمّل في هذه اللحظة التاريخية أي فرد أو حزب أو مجموعة أفراد أخطاء مورست في الفترة الماضية , مسؤولية جميع الأخطاء والنكبات التي حلت في سورية. وما أصاب الدولة والمجتمع السوري في آذار عام 2011 هو ما أصابها عندما غزاها الصليبيون والتتر والمغول.. الأمر ذاته يتكرر أكثر من مرة مما يؤكد أنه ليس عيباً فردياً أو سطحياً أو عابراً، بل عيباً بنيوياً وصميمياً عميقاً وشاملاً يحتاج إلى وقفة مطولة.

إن التركيز على ما جرى في سورية والعراق هو لأن ما حدث في هذين البلدين قد يكون كاشفاً لما جرى للأمة كلها منذ غزوة هولاكو وحتى اليوم.. كما يمكن أن يضيء لنا درباً وإن كان ضيقاً إلا أنه قد يكون كفيلاً بإخراجنا من هذه الهوة السحيقة التي نوشك أن نسقط فيها. والمدقق لما جرى في سورية اليوم من خراب وتدمير وفوضى وانقسامات وانشقاقات وتقهقر وخضوع البعض للهيمنة الأنكلوصهيونية يجد أنه ليس سوى نتيجة لمؤامرة صهيونية إمبريالية حيكت خيوطها في الدوائر الغربية بدقة وتأني وبرود أعصاب، ونفذت خلال فترة طويلة.

والحقيقة أن أية مؤامرة خارجية لا بد لها حتى تمر على أي شعب من الشعوب من أن تستند إلى قوى محلية عديدة سواء أكانت نخبة مثقفة أو قوى طامعة في السلطة. إن خيانة هؤلاء لأمتهم أو وطنهم أو شعبهم وانسياقهم مع القوى الخارجية أو الأجنبية أو المعادية لا يمكن أن تكون كافية لتفسير انجرارهم إلى تلك المؤامرة الكبرى والدنيئة، إلا إذا كانت مصالحهم قد أصبحت جزء من تلك المصالح أو أنهم أصبحوا جزءاً من المشروع الصهيوني والإمبريالي أو أنهم قد اندمجوا فيه اندماجاً تاماً. ومثل هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق إلا بالاستناد إلى بنى سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية مهترئة أو مفككة أو تابعة أو ملحقة أو ضعيفة، أتاحت وتتيح لهذه القوى والقيادات ممارسة وتنفيذ المؤامرة أو ذلك المشروع المرعب، والذي عبر عنه  بن غوريون في رسالة وجهها إلى رئيس وزراء الكيان الصهيوني موشي شاريت بتاريخ 27 شباط 1954 باعتبار إقامة دولة مسيحية داخل حدود لبنان الاصلية، "إحدى المهمات الرئيسية في سياستنا الخارجية"، فقد كتب بن غوريون: "يعتبر إنشاء دولة مسيحية هنا أمراً طبيعياً قائماً على جذور تاريخية تدعمه قوى نافذة في العالم المسيحي, سواء كانت كاثوليكية أو بروتستنتية. قد تبدو هذه الخطوة مستحيلة في الأيام العادية لكن الوضع سيتغير وسيتصرف الضعفاء تصرف الأبطال في فترة الإضطراب والثورة أو في حال اندلاع حرب أهلية".

وقد رغب بن غوريون باستغلال الاضطرابات التي عانت منها سورية إثر الإطاحة بالرئيس السوري أديب الشيشكلي لكنه لم يوفق آنذاك. وإذا كان بحثُ ما جرى لهذه الأمة منذ بدايتها، فإن ذلك يستلزم تحليل ما حل بهذا الشعب، وهو أمر مطلوب لإلقاء ضوء على الحاضر والمستقبل. ومما يؤكد استمرار الحلم الصهيوني، وأن هذه الكارثة هي مشروع أنكلوصهيوني، ما جاء في أكثر الكتب رواجاً عام 2003 للكاتب الفرنسي إريك لوران، تحت عنوان: "العالم السري لبوش"، حيث يعالج الكاتب قضايا إشكالية؛ مثل من يحكم أمريكا اليوم حقيقة؟ هل هم المنظرون الإيديولوجيون أم المؤسسات الأمريكية؟ أم الشركات العملاقة وصانعو السلاح؟ أم العناصر المتشددة في اليمين الأمريكي المتحالف مع اليمين الصهيوني؟ وقد جاء في أحد فصول الكتاب إن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تتحد اتحاداً وثيقاً مع طموحات الليكود الصهيوني، فهل هي مجرد صدفة أملتها ظروف صعود بوش الذي يمثل اليمين المتشدد وشارون الصهيوني المتشدد؟ أم هي رغبة اليمين الأمريكي في خدمة مصالح اليمين الإسرائيلي انطلاقاً من واشنطن؟ ومع أنه يصعب الجزم كما يرى لوران، إلا أنه يعتقد أن من المؤكد أن الصقور في الإدارة الأمريكية يعتبرون سياسية الليكود هي السياسة الوحيدة القادرة على فرض الاستقرار المطلوب والسلام لإسرائيل والمنطقة كلها.

ويرى الكاتب أن ريتشارد بيرل وشركاؤه الصهاينة المتنفذين في دوائر الإدارة الأمريكية يرون صراحة أن من الضروري قلب البنى الموجودة في الشرق الأوسط كله رأساً على عقب لحرث تربة جديدة ملائمة لمصالحهم تتفق مع رؤية أرئيل شارون تماماً ونتنياهو (اليوم). فإذا كان حكام المنطقة هم أصدقاء لأمريكا, وإذا كانت مصالحها الاقتصادية، خاصة البترولية والسياسية والأمنية والثقافية، مؤمنة على خير وجه في أغلب البلدان العربية، فلمصلحة من يريد المحافظون الجدد (بناء على رغبة ريتشارد بيرل) قلبها، الذي قال: "بما أن معذبي الأرض يائسون لدرجة أنهم لم يعودوا يخشون أن يموتوا بشرف تحت نيران الشيطان الأكبر لذلك فإن علينا أن نستبق الأمور ونعمل على سحقهم سلفاً قبل أن يفكروا بالموت بشرف ضدنا".

وفي ذات السياق نجد كتاباً آخر لكاتب فرنسي اسمه جان فرانسوا تفيل صدر في عام 2002 بعنوان: "الهوس المعادي لأمريكا"، يقول: (إن وفاء أمريكا لإسرائيل يمثل لغزاً للاختصاصيين في التحليل الاستراتيجي ويشير إلى أن جميع الدراسات التي تعالج هذه القضية لم/أو لا تقدم أية إجابة شافية لحل هذا اللغز). ومن المؤسف أن أغلب منظرينا وكتابنا يعتقدون أن هذه المسألة محسومة, مع أن الكثيرين في الغرب يعتبرونها قضية إشكالية تحتاج إلى إعادة دراسة وبحث.. وليسوا مستعدين لمناقشة أو حتى لسماع أي رأي آخر لما اعتادوا على ترديده كالببغاوات من أن إسرائيل ليست إلا قاعدة أو ثكنة متقدمة للإمبريالية العالمية في المنطقة.

وعليه فإن نفي أو إثبات مثل هذه الرؤية لا يمكن أن يتم إلا من خلال دراسة شمولية للعلاقة بين نشوء الإمبريالية عامة، والصهيونية، لاسيما وأن الاحتلال الانكليزي والفرنسي للبلاد العربية في القرن الماضي إنما كان بتحريض من الصهاينة، وأن الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان إنما كان بتحريض من الصهاينة أيضاً، لخدمة الحركة الصهيونية وإسرائيل بالذات من أجل فرض خارطة جديدة على المنطقة ـ غير تلك التي وضعت لها بعد الحرب العالمية الأولى ـ تقوم على صهينة المنطقة لتصبح إسرائيل الدولة القائدة والمهيمنة عسكرياً ونووياً واقتصادياً فيها، والوحيدة التي يحق لها أن تعيش بأمن وأمان وازدهار.. وأن ما اطلق عليه اسم النهضة العربية أو "التغريب" أو "الأوروبة" في المنطقة التي قامت بها كل من الدولة العثمانية أو فرنسا أو بريطانيا أو أمريكا منذ نهاية القرن الثامن عشر، وبالتحديد منذ غزوة نابليون لمصر، لم تكن تخلو من عملية تهيئة لتهويد مصر تحديداً، ثم الانطلاق منها إلى تهويد فلسطين فالمنطقة كلها..

وعلى عكس ما رُوّج خلال الخمسين سنة الماضية من أن مصر مركز الثقل في المنطقة العربية، فإن الحقيقة هي أن دمشق وبغداد هما مركز الثقل الحقيقي في المنطقة عسكرياً واقتصادياً وبشرياً، ومن حيث الموقع الاستراتيجي. كما أن قراءة سريعة لتاريخ المنطقة الإسلامي تُظهر لنا أن مصر لم تحكم المنطقة العربية في أي يوم من الأيام، وأن العاصمتين العربيتين اللتين حكمتا المنطقة كانتا إما دمشق أو بغداد، وأن التركيز على مصر إنما كان يهدف إلى التغطية على الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية والعلمية والبشرية والثقافية للبلدين.. وما الحرب الإرهابية والكونية عليهما اليوم إلا لعزلهما عن المنطقة.. ومحاولة لتدميرهما لدورهما الأساسي في مقاومة المشروع الصهيوني. وعندما يشير الرئيس بشار الأسد إلى أن فلسطين ستبقى البوصلة، فإن ذلك من أسباب الثقة بالنصر على هذا المخطط، ولأنه يدرك أين الخطر وأين تتم صناعة المؤامرة.
مصدر الخبر: SNS

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz