دام برس:
و نحن نجتاز نهاية العام الرابع للحراك السوري و بعد أسبوعين تعود بنا الذاكرة إلى الأسبوع الثالث من شهرِ آذار 2011 ذلك التاريخ الذي انطلقت فيه المظاهرات في الشوارع السورية مطالبة بالإصلاح و التغيير و استعادة الكرامة ، بعد الهجوع والسبات الشتوي الذي استمر لأربعة عقود و الذي اصاب الجماهير السورية بفقدان الأمل ، كانت تضحية البوعزيزي في تونس الشرارة التي أججت في النفوس الأمل بإمكانية التغيير ، و التي أعقبتها ثورة الخامس و العشرين من كانون ثاني 2011 في مصر الكنانة و التي أدى انفراد مرسي و جماعته بالسلطة إلى الثورة المضادة في 30 حزيران 2013 بعد انتحال إرادة الجماهير المصرية ، لقد استحقت هذه الانتفاضات لقب الربيع العربي الذي جاء ليؤكد بأن الأمة لم تمت و ما زالت قادرة على استعادة زمام أمورها ، و في سورية فاجأت الأحداث الجميع وأظهرت القيادة السورية في تلك المرحلة مواقف إيجابية نسبياً تماهت مع شرعية المطالب التي رفعها الحراك السوري ، و كان ذلك بإلغاء المادة الثامنة من الدستور ، و إلغاء قانون الطوارئ ، و تفاءل الناس بإمكانية التفاعل ما بين جماهير الشارع و القيادة السورية الحاكمة ، و في حينه أيدت السيدة بثينة شعبان بكل وضوح حق الشارع السوري في التظاهر السلمي ، كما أشار رئيس البلاد بأن الستة أشهر الأولى كانت تتميز بالسلمية ، و منذ تلك اللحظة أخذت المشكلة السورية أبعاداً جديدة حيث تبين أن ردة فعل النظام الايجابية لم ترُق للبعض و لم تتفاعل جميع مكونات القرار السوري بنفس الإيجابية و الواقعية التي حاولت القيادة السورية إظهارها في تلك المرحلة ، لم يكن مفاجئاً المواقف و التصريحات الإيجابية التي واجهت بها القيادة السورية العديد من الوفود التي كانت تحمل هم الوطن و تقترح الحلول السلمية ، و رغم جميع الإشارات التي كانت تبشر بأن سورية تختلف عن البلاد العربية الأخرى و أن النظام يسعى لتطوير البدائل والإصغاء لصوت الشارع ، إلا أن الأمور انقلبت رأساً على عقب ، و دخلت البلاد في دوامة الفوضى و الفعل و رد الفعل ، و تعثرت الوعود التي قُطعت للقيادة السياسية بالقضاء على الحراك في أيام و استعادة السيطرة على الأمور و ذلك بإصرار الشارع السوري على التغيير ، و تفاقمت القضية السورية حتى يومنا هذا بعد تدويلها ، و الحقيقة المرة أننا فقدنا مئات الآلاف من الشهداء من كل الاتجاهات بما في ذلك من الفئات الصامتة و من الفئات الموالية للنظام و لم تبق قريةٌ أو حيٌ في طول البلاد و عرضها إلا و فقدت أعزاءً من أبنائها و بناتها ، و هم كلهم أبناء الوطن استرخصوا دماءهم على مذبحه و ما زالت الأعلام السوداء ترفع كل يوم على أسطح منازل الفقراء في القرى و الأرياف في كل مكان من سورية من ريف دمشق إلى حمص و حماة و مدن و قرى الساحل و شمال و شرق سورية و استطاع الموت أن يوحد السوريين بكافة انتماءاتهم في عجزت العقلانية و المواطنة و الولاء للوطن من توحيد خطاهم .
لقد تعقدت المشكلة السورية ، و تدخلت فيها كل القوى الدولية و الإقليمية ، و فقدت سورية كل أصدقائها بل لم يعد لسورية أصدقاء حقيقيون على الإطلاق إلا من خلال المصالح الخاصة التي تسعى إليها كلٌ من القوى الدولية و الإقليمية ، و انتقل الإرهاب العالمي إلى ربوع سورية متميزاً بالدعم اللامحدود من أعداء سورية و استبيحت أرواح السوريين .
نحن اليوم ندخل في العام الخامس للحراك السوري و لما تنتهي المشكلة السورية إلى سواء ، و تزداد القناعة بأن هذا الوطن لا بد أن يكون لكلِ أبنائه ، يعطونه من دمائهم و عرقهم و يتمتعون بسمائه و هوائه و مائه و خيراته ، لقد حان الوقت لإعادة النظر من جميع الأطراف نظاماً و موالاةً من جهة و معارضة من جهة و فئاتٍ صامتةٍ من جهة أخيرة ، الجميع الآن بحاجة إلى استراحة محارب ،لقد أصبح جلياً أن الإصرار على تحقيق النصر ما بين أبناءِ البلد الواحد فريةٌ بعيدةٌ عن الواقعية ضمن المعطيات الواضحة التي تعتمد على إذكاء نار الحرب ما بين الفرقاء بدعم القوى الدولية و الإقليمية التي لن تسمح بالانتصار لأي فريقٍ على الآخر ، حان الوقت لتوقف الجميع و التفكير بعمق و إيجابية و غيرية ، و التساؤل عما تحقق من نتائج حتى يومنا هذا ، و هل هناك بارقة أمل باستعادة الوئام و اللحمة بعد كل ما جرى ، و هل أثمر النهج الذي انتهج حتى يومنا هذا و أتى أكُلهُ ، نحنُ ننظر بعين الأمل و الواقع إلى كل مكونات المجتمع السوري و نخاطب الجميع بل نناشد الجميع باللجوء إلى الحكمة و العقلانية و من هذه الحقيقة المرة فإن كفى كفى التي ولدت من رحم المعاناة السورية و التي تقف على مسافةٍ واحدة من الموالاة و المعارضة و الفئات الصامتة تؤمن يقيناً أن السوريين هم الوحيدون القادرون على لأمِ جراحاتهم و استعادة لحمتهم ، و رفض التدخل الخارجي بكافةِ أشكاله و أياً كان مصدره .وهي تدعو إلى لقاء جميع القوى المخلصة في مؤتمرٍ وطنيٍ جامع على أسسٍ تضمن حقوق الجميع و تتصافى فيه القلوب و تغلب فيه مصلحة الوطن لاستعادة سورية دولة حرةً ديمقراطية قوية ترسي أسسها على مبدأ حكم الشعب و المواطنة الحقيقية و التعددية السياسية و سيادة القانون .
الرحمة لجميع شهداء سورية ، و العودةُ للمهجرين و المغيبين ، و الحرية للمخطوفين و المعتقلين .
الدكتور عاصم قبطان
رؤية كفى كفى