دام برس :

نعم .. للدم ألوان أخرى .. وللإنسان أصناف ودرجات .. وللمشاعر الإنسانية أمزجة وأهواء .. والقاعدة تبادلت موقعها مع الاستثناء .. والقلوب تحجرت إلا في طقوس السياسة والنفاق ..

حقيقة يلخصها جمع عتاة الإرهاب في العالم في مسيرة ضد الإرهاب في باريس .. اجتماع لمصاصي الدماء وعرابي الموت في العالم ليقولوا كذبتهم الكبرى على الملأ .." نحن ضد الإرهاب " فعلاً إنها سخرية بحق كل عقل واستهزاء بكل روح إنسانية واستخفاف بدم أريق من شواطئ الأطلسي يوماً إلى سواحل المتوسط مروراً بغياهب أفريقية .. إنه الموت المتنقل المقنع بألف قناع وقناع والمسمى بآلاف الأسماء بدءاً من الحرية إلى حقوق الإنسان إلى الديمقراطية وغيرها من العناوين البراقة التي لم تترجم معانيها إلا بدماء ملايين الأبرياء..

كيف لنا أن نرى وجوه أصحاب مجازر الإبادة الأرمنية والسوريانية والعربية.. وأصحاب مجازر صبرا وشاتيلا وكفر قاسم ودير ياسين وقانا وجنين ..  ولا نبصق في وجوههم ..  

كيف لنا أن نرى داعمي وممولي الإرهاب في العالم ولا نشمئز لكذبهم ونفاقهم ..؟؟!! جاؤوا من أجل اثني عشر فرنسياً حيث اهتز ضمير العالم الأعمى منذ أربع سنوات لمجزرة جسر الشغور والتريمسة والحولة وخان العسل وغيرها .. الأعمى عن مجزرة أطفال عكرمة المخزومي .. أربعون طفلاً كل واحد منهم يعادل الكون بأسره .. وغيرهم وغيرهم ..

أين كان كل هؤلاء الذين جمعهم هذا السيرك الهزلي بعد عملية استخباراتية فرنسية بامتياز ألبسوها ثوب الإرهاب المصنوع إسلامياً والذين احترفوا في الغرب في صنعه وزركشته كما يحلو لهم ، فالمخابرات الفرنسية تحترف إرسال آلاف الإرهابيين إلى سورية لكنها تفشل في معرفة ما يخطط له اثنين من الإرهابيين على أراضيها !! أي كذبة هي !! وخلال أربع وعشرين ساعة تم قتل الفاعلين .. سيناريو هوليودي بحق وفي اليوم التالي مسرحية هزلية لأصحاب القلوب الرقيقة تجاه الإنسان الأوروبي ؛ المتحجرة بحق السوريين والشعوب المقاومة لإرهابهم ..

أربع سنوات من دعم الإرهاب مالياً وعسكرياً واستخباراتياً ولوجستياً ، وبعد فشلهم الذريع في تحقيق ما يصبون إليه في المنطقة يلجؤون إلى الدم أيضاً لتبرير تغيير سياساتهم ولو كان دم مواطنيهم ، فهم لا يجيدون السياسة إلا من بوابة الدم والاستثمار به .. كأحداث الحادي عشر من أيلول والحروب الاستباقية المسماة زوراً حروب التحرير في أفغانستان والعراق وصولاً إلى الربيع العربي المزعوم

أما الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة والتي استهدفت مجموعة من مجاهدي حزب الله في مزارع الأمل في القنيطرة السورية فهي ليست فقط مجرد اعتداء ممن كان يتظاهر ضد الإرهاب قبل أيام في باريس ، بل هي استباحة للدم بوقاحة ودونية الشر الذي يعتقد أنه يقوى على الخير عندما يريق الدماء هنا وهناك .. هي الوجه الآخر لنفاق العالم المدعي مكافحة الإرهاب .. فما جرى في القنيطرة في منظور متظاهري باريس ليس إرهاباً والأرواح التي أزهقت ليست أروحاً والدم الذي أريق ليس دماً .. فهو دم نقي لم تفح منه رائحة النفط ولم يبع ويشتري في بورصة الدولار .. ولذلك لم يعبأ العالم المتحضر المرهف الأحاسيس بشهداء الإرهاب الإسرائيلي في القنيطرة .. لكن دماءهم الطاهرة لا تحتاج إلى وقفات استعراض ولا إلى منشورات الكترونية ولا تضامن كاذب من رعاة الإرهاب فهو مكتفٍ بذاته كريم عزيز مصون .. قادر على الرد على كل اعتداء بذاته فالرد لن يكون سوى من جهاد عماد مغنية ورفاقه .. فهم ليسوا كقتلى شارلي ايبدو فهم أصحاب قضية وسلالة أمجاد وشهادة وإن كان في منظور العالم المتحرر المتمدن الإرهاب أصناف وألوان خاصة عندما يصيب أبناءنا فنعم؛ نقول له .. لأن دماءنا تختلف عن دماءكم فللدم حقاً ألوان أخرى ...