Logo Dampress

آخر تحديث : الخميس 18 نيسان 2024   الساعة 01:15:57
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
العلمانية... ضرورة تاريخية.. بقلم : يونس أحمد الناصر
دام برس : دام برس |  العلمانية... ضرورة تاريخية.. بقلم : يونس أحمد الناصر

دام برس:

قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : أنتم أعلم بأمور دنياكم , وفي حديث آخر قال : إنما أنا بشر ، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به ، وإذا أمرتكم بشئ من رأيي فإنما أنا بشر , وفي ثالث قال :  أنتم أعلم بأمور دنياكم
المصدر : " صحيح مسلم + سنن ابن ماجة "
ما سبق جعلته مقدمة للموضوع الذي  أريد الخوض به وهو " العلمانية "  كي لا أتهم بالتكفير و تسقط على عنقي مقصلة الدين ... و ما سبق هو محض العلمانية

يعرف معجم روبير العلمانية (بفتح العين)، نسبة إلى العالم (بفتح اللام) بأنها :
"مفهوم سياسي يقتضي الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، الدولة لا تمارس أية سلطة دينية والكنائس لا تمارس أية سلطة سياسية". وهذا التعريف للعلمانية هو الذي صاغه محمد عبده في قولته الشهيرة "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"
وهو الذي صاغه الأزهري سعد زغلول في قولته الشهيرة أيضاً:
"الدين لله والوطن للجميع"
وللتوضيح أكثر أقول توجد ثلاثة أنواع من الدول :
الدولة الدينية، الدولة العلمانية، والدولة الانتقالية.
والدولة الدينية هي التي وجدت في العصور الوسطى، ولم تبق منها إلا دولة الفاتيكان، الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدولة السعودية والسودان ودولة طالبان التي سقطت سنة 2002.
الدولة العلمانية:  هي الدولة السائدة اليوم في العالم المتمدن.
والدولة الانتقالية:  من الدولة الدينية إلى الدولة العلمانية وهي السائدة في الفضاء العربي الإسلامي.
فما هي الدولة الدينية أي الثيوقراطية theocratique كما تسمى في اللغات الأوربية ؟
هي كما عرفها المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسف Flavius Joseph ، القرن الأول الميلادي، والذي نحت كلمة الثيوقراطية:
" موسى (...) هو الذي أسس الثيوقراطية، واضعاً السلطة والقوة بيد الله"،أي أن الحاكمية الإلهية، التي تشكل النواة الصلبة في مشروع الإسلاميين، هي لله وحده.
الدولة الدينية : حسب تعريف المؤرخ اليهودي، هي التي تطبق الشريعة التي جاء بها العقل الإلهي، وليس القانون الوضعي الذي وضعه العقل البشري . فما هي الدولة العلمانية؟
هي التي لا تتدخل في الشأن الديني ولا تسمح لرجال الدين بالتدخل في الشأن السياسي، وهي لا تطبق إلا القانون الوضعي.
فما هي الدولة الانتقالية من الثيوقراطية إلى العلمانية ؟
هي الدولة التي ينص دستورها على أن الشريعة هي المصدر الأول للتشريع، ولا تساوي بين الرجل والمرأة وبين المسلم وغير المسلم في حقوق المواطنة وواجباتها.
المرأة وغير المسلم في هذه الدول الانتقالية نصف مواطن وأحياناً صفر- مواطن، إذ لا يحق للمرأة مثلاً الترشح لرئاسة الدولة ولا حتى لمنصب أقل شأناً، فالمرأة مازالت تعامل في كثير من الدول الإسلامية كناقصة عقل في الولاية وناقصة دين في العبادة، والمواطن غير المسلم مازال يعامل كأهل ذمة ليس له من المواطنة إلا الاسم، وهي تطبق القانون الوضعي في مجالات والشريعة في مجالات أخرى.
التاريخ يعلمنا أن العلمانية السائدة في العالم لن تقف عند تخوم الفضاء العربي الإسلامي, إذن المسلمون، مثل باقي البشرية ، محكوم عليهم بتبني الحداثة وبالتالي العلمانية.
9/10 من دول العالم حصرت الدين في المجال الخاص، والشخصي والروحي، تاركة المجال السياسي العام للدولة المهتدية بالعقل البشري ، أي بمؤسساته وتشريعاته وعلومه وقيمه.
الدولة الدينية تستشير، في إعداد مخططاتها الدنيوية كالسياسة والاقتصاد ، الفقهاء، إذا لم يكن الفقهاء أنفسهم في الحكم.
أما الدولة العلمانية فتستشير ، في الشأن الدنيوي الذي هو مجال اختصاصها الوحيد، الخبراء.
وهنا يطرح سؤال أساسي نفسه : لماذا ظهرت الدولة العلمانية في الأزمنة الحديثة فقط؟
لأن الحداثة هي التي عرفت الفصل بين الزمني والروحي ، أي بين الاختصاصات الدنيوية والاختصاصات الدينية التي لكل منها فاعلوها الاجتماعيون:
للدين المؤمنون والفقهاء، وللدنيا المواطنون والخبراء.
في العصور الوسطى كانت الدولة الدينية تتدخل في كل شيء , لسبب بسيط هو أن كل شيء كان ديناً.
انتزع العلم الوضعي ، بثمن باهظ وصل أحياناً إلى حرق العلماء أحياء ، شيئاً فشيئاً استقلاله عن العلم الديني.
وقد قال غاليليو للمحكمة الدينية التي كان يقف أمامها بتهمة الزندقة لأنه ، عكساً للكتاب المقدس، اكتشف إن الأرض مكورة وتدور حول الشمس، وليست مركز الكون بل قد لا تساوي حجم حمصة بالنسبة للكون كله ... قائلا لقضاته : "الكتاب المقدس يعلمنا كيف نمشي إلى السماء لا كيف تمشي السماء".
وهكذا بدأ العلم، الذي لا يقبل ضوابط من خارج مناهجه، يستقل.
ثم شرع الإبداع الأدبي والفني يستقل عن الكتاب المقدس، الذي كف شيئاً فشيئاً عن أن يكون موسوعة فيزيائية وطبية وأدبية وفنية ...الخ، أخيراً أعاد البابا جان بول الثاني الاعتبار لغاليليو وداروين ... لكن القرآن مازال عندنا موسوعة علمية وطبية وجغرافية وأدبية وفنية وتكنولوجية، وويل ثم ويل للعلماء الذين يتجاسرون على إثبات حقائق علمية تعارض آيات الذكر الحكيم "العلمية" !.
التعارض بين العقل العلمي والعقل الديني، بين حقوق الإنسان [ = حرياته ] وحقوق الله على الإنسان [ = عباداته وأوامره ونواهيه ] ، هو الذي قاد الغرب ثم العالم كله إلى العلمانية، إلى الفصل بين ما هو ديني وما هو دنيوي، الذي هو شرط رئيسي لتقدم الحضارة البشرية.
وليس أمام المسلمين طريق آخر للالتحاق بقاطرة الحضارة بدلاً من الانتظار الطويل على رصيف التاريخ.
الفصل بين المقدس والدنيوي وليد الحداثة.
كلما عدنا القهقرى في التاريخ لاحظنا أن الفصل بينهما هو الاستثناء النادر والجمع بينهما هو القاعدة، الذي يصل إلى أعلى درجاته عند القبائل البدائية حيث كل شيء مقدس، تاريخ القبيلة مقدس، أسلافها مقدسون، شعائر الحمل والولادة والجماع والصيد مقدسة، والسلوك اليومي لأفرادها مقدس.
الحياة الاجتماعية للقبيلة خاضعة جميعاً إلى شعائر عصابية وسواسية قهرية.
عند هذه القبائل انتهاك المقدس عقوبته القتل. لماذا؟
لأن فكرة نسبية المقدس لا يقبلها إلا عقل متطور، أي دماغ معرفي على درجة كافية من التعقيد والاطلاع.
أما أدمغة البدائيين فلم تتطور بعد بما فيه الكفاية لتصبح قادرة على هضم نسبية المطلق الديني وقبول أولوية العقل البشري على العقل الإلهي.
اقترح على الباحثين انجاز دراسات مقارنة بين تصورات البدائيين للعلاقة بين الديني والدنيوي وتصورات الإسلاميين المعاصرين لها. وسيفاجأون بشبة كبير بينهما يصل أحياناً إلى حد التماثل بخصوص عبادة الأموات والأسلاف واعتبار كل شيء ديناً، والتعلق الوسواسي القهري بالشعائر و بالمطلقات الدينية وتكفير النسبي، والسببي، والعقلي، والمتغير، والتطوري، والتاريخي، والمستقبلي.
للبدائيين عذرهم، فخضوعهم للطبيعة يكاد يكون مطلقاً.
تحكيم العقل البشري، أي العلم والتكنولوجيا، في الطبيعة لتحويلها إلى حضارة، تماثل، بالنسبة لمستوى وعيهم السلفي، انتهاكاً لعبادة الأسلاف لن يمر دون عقاب من هؤلاء الأسلاف الغلاظ الشداد والثأريين.
رقهم النفسي لأسلافهم يشل عقولهم عن التفكير المستقل.
رق الإسلاميين النفسي لأسلافنا ، أي للنبي والصحابة والتابعين،لا يقل شلاً لعقولهم من عبادة الأسلاف لدى البدائيين.
العقل الإلهي الذي جاء به الأسلاف هو كل شيء.
أما العقل البشري ، الذي جاءت به أدمغتنا ، فهو لا شيء.
يقول المودودي السني:
"الإنسان، كما يزعم، لاحظ له من الحاكمية إطلاقاً  المسلمون جميعاً، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، لا يستطيعون تشريع قانون واحد والحكومات لا تستحق طاعة الناس إلا من حيث أنها تحكم بما أنزل الله، وتنفيذ أمره تعالى في خلقه".
بالمثل يقول الخميني الشيعي :" ليس لهم [الناس] حق في تعيينه [الإمام] أو ترشيحه أو انتخابه.
لأن الشخص الذي له من نفسه القدسية استعدادا لتحمل أعباء الإمامة العامة وهداية البشر قاطبة يجب ألا يعرف إلا بتعريف الله [ له] ولا يعين إلا بتعيينه.
لذلك فليس للناس أن يتحكموا في من يعينه الله".
الإستشهادان ، السني والشيعي ، أفضل تعريف للدولة الدينية الإسلامية المعاصرة القائمة، في السودان وإيران، أو التي قد تقوم في بلدان أخرى

الوسوم (Tags)

إيران   ,   الإسلام   ,  

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz