Logo Dampress

آخر تحديث : السبت 20 نيسان 2024   الساعة 11:29:41
دام برس : http://alsham-univ.sy/
دام برس : http://www.
البعث يجدد نفسه .. بقلم عفيف دلا

دام برس :

إن الأحزاب عبر التاريخ لم تكن تعبر فقط عن مجموعة أفراد تشاركوا مجموعة من الأفكار والمفاهيم والمبادئ ، وسواء استطاع هؤلاء الأفراد صياغة مفاهيمهم ومبادئهم كأديولوجية أم لم يستطيعوا .. فإن الأحزاب كانت تعبر عن مرحلة تاريخية بظروفها ومعطياتها ، وبقدر ما كان يستطيع حزب ما ان يقرأ مرحلته التاريخية ويشكل في أيديولوجيته استجابة لمتطلبات النهوض في تلك المرحلة التاريخية بقدر ما كان يستطيع أن يشكل حالة جاذبة ومستقطبة للجماهير ويجعلها ينضوي تحت لوائه ويقود بالتالي نضال هذه الجماهير باتجاه أهدافها ..

لكن حركية التاريخ كانت على الدوام تضع الأحزاب على محك التجربة فالأحزاب التي لم تكن قادرة في مرحلة ما على  قراءة مرحلتها التاريخية وتجيد بالتالي التعامل مع المتغيرات والتحديات فيها  واجهت خطر الزوال لا بل زالت كأحزاب كثيرة عرفناها في مراحل تاريخية معينة وظن البعض حتى ممن ينتمون لها بأنها غير قابلة للزوال لكنها زالت في مرحلة لاحقة

من هنا تأتي أهمية أن تجدد الأحزاب نفسها فكرياً ومفاهيمياً وعلى مستوى السياسات والبرامج لتحافظ على حيويتها خاصة في ظل المتغيرات وما تحملها في طياتها من تحديات على كل المستويات .. فالأحزاب القومية تواجه اليوم خطر التفتت القومي وزوال فكرة القومية وإحلال المفاهيم الكوسموبوليتانية؛ أي الانتماء الفردي على حساب الانتماء الوطني والقومي لمنع إمكانية ظهور مجال استراتيجي حيوي لمشاريع سياسية ناهضة تعبر عنها سياسياً ومفاهيمياً بعض الأحزاب .. والأحزاب الإيديولوجية تواجه خطر تبدد الإيديولوجيات في عصر العولمة وسياساتها الاندماجية الإحلالية لمنظومات المفاهيم والقيم .. والأحزاب المقاومة تواجه خطر الحروب التي تخلق في مناطق وجودها لجرها إلى حروب جانبية تشتت جهودها وتبعدها عن سكة الحرب الرئيسية التي تناضل من أجلها ..

لقد وعت بعض الأحزاب عبر التاريخ ضرورة الاستجابة إلى تحديات المرحلة التاريخية في ظل المنافسة القائمة من مشاريع وأحزاب أخرى .. ففي مطلع الثمانينات من القرن الماضي قاد كل من الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر مشروع " الرأسمالية تجدد نفسها " لمواجهة المد الشيوعي في العالم وإعادة هيكلة سياساتها الدولية بما يسمح لها السيطرة على العالم .. فكانت لاحقاً الحرب الباردة التي انتهت بانهيار المنظومة الاشتراكية بالكامل وإطلاق اليد الرأسمالية في العالم لتسيطر عليه مفاهيمياً وسياسياً واقتصادياً عبر نماذجها الليبرالية وإحكام سيطرتها على مؤسسات القرار الاقتصادي والسياسي الدولية كمنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان ... الخ .

واليوم نتيجة تراكم المصالح التي حققتها الرأسمالية عبر أكثر من عقدين من الزمن وبسط مناطق نفوذها الاستراتيجي في بقاع عديدة من العالم .. وكنتيجة موضوعية لغياب المشاريع النهضوية الصاعدة سياسياً واقتصادياً في الأمة العربية .. كان لابد من طرح مشاريع في اتجاهات عدة تهدف إلى تفتيت المنطقة جيوبوليتكياً عبر إعادة رسم خارطتها السياسية من خلال افتعال حروب كبرى فيها وتغيير التوزع الديموغرافي للأعراق والإثنيات والطوائف القاطنة بها مما يجعل الكيان الإسرائيلي نموذج دولة متقدمة في المنطقة في ظل مشاريع تكوين دويلات وكانتونات طائفية ومذهبية وإثنية في المنطقة كبديل لمشروع الدولة الوطنية الجامعة.. إضافة إلى تفتيت المنطقة قومياً من خلال زوال أي فكرة قومية أو مشروع محتمل الظهور يرتبط بها .

وللأمانة التاريخية لم يتبق في الأمة العربية في هذه المرحلة التاريخية سوى حزب البعث العربي الاشتراكي حاملاً لمشروع قومي وإيديولوجية حزبية متقدمة تشكل خطراً على مشاريع الهيمنة والتفتيت الصهيونية الغربية .. ولذلك فالحزب اليوم أمام استحقاق تاريخي بكل معنى الكلمة لأنه استحقاق لا يرتبط بالحزب بالمعنى التنظيمي فحسب بل يرتبط بما عبر عنه الحزب عبر تاريخه النضالي الطويل وما يعبر عنه في هذه المرحلة .. والحق أن محاولات الاستهداف لحزب البعث العربي الاشتراكي لم تنحصر في ظل هذه الهجمة القائمة حالياً بمسمياتها المختلفة وأدواتها المتعددة لكن الاستهداف كان عبر زمن طويل من محاولات التغلغل في بنيته التنظيمية ومحاولات حرفه عن مساره البنيوي داخلياً ودوره القومي عربياً عبر إجهاض مفاهيمه القومية العروبية من خلال واقع عربي يزداد ازدراءً عبر أطراف ادعت الانتماء للعروبة ومارست كل ما يمزق هذه العروبة ما جعل مفاهيم الحزب لدى الكثيرين على محك الواقعية والقدرة على التطبيق في ظل هذا الواقع العربي الرديء البعيد عن أي مشروع قومي والمعاكس لأي فكرة وحدوية أو تجربة لحشد الطاقات في خدمة المعركة الأساسية مع العدو الصهيوني ..

ومن خلال ما سبق .. تبرز ضرورة أن يقوم الحزب بعملية تجدد على مستوى أطره الفكرية والتنظيمية والسياسية بكل أبعادها .. فلماذا لا يتم عقد مؤتمر للبعث يضم كل مفكري ومنظري البعث في الإستراتيجية والسياسة والاقتصاد والعسكر والمجتمع وعلم النفس لبحث ما يتوجب أن تكون عليه منطلقات الحزب النظرية في هذه المرحلة وبحث الهيكل التنظيمي للحزب وسبل تفعيل دوره الاجتماعي وقيادته للحالة الاجتماعية بظواهرها المختلفة ومكافحة الظواهر السلبية وتعزيز الظواهر الإيجابية، إضافة إلى السياسيات الواجب وضعها وتطبيقها على المستوى الاجتماعي السياسي وعلى المستوى الاقتصادي وعلى المستوى الاستراتيجي ووضع رؤى الدور السوري في المرحلة المقبلة في ضوء المتغيرات القائمة والمتوقعة في المنطقة وميزان القوى الإقليمية والدولية وتحديد الخيارات والتحالفات الإستراتيجية في هذه الميادين ووضع برامج تنفيذية لها بما يضمن تحقيقها ضمن مدد زمنية محددة ووفق مؤشرات قياس واضحة ومحددة ..

في المحصلة المطلوب تشكيل منظومة سياسية اقتصادية عسكرية يقودها ويديرها الحزب عبر مؤسسات الدولة كافة .. فالمنظومة التي لا ينبغي أن تكون معلنة في الواقع على مستوى مضامينها الإستراتيجية هي منظومة وطنية قبل أن تكون منظومة حزب لكن ليس هناك من حزب قادر على قيادة وإدارة تنفيذ مضامين هذه المنظومة سوى حزب البعث العربي الاشتراكي  ..

لذلك ليس هناك من أولوية في هذه المرحلة من تشكيل هذه المنظومة الوطنية لمواجهة تحديات المرحلة القادمة وتشكيل رؤية استباقية لما يجب أن يكون عليه الواقع الجيوسياسي في المنطقة ودور سورية فيه وآليات التعاطي معه من موقع الفعل لا الانفعال هذه المرة .. والبعث كما كان في كل مرحلة تاريخية الضامن والرافعة التاريخية الوطنية والقومية لكل المؤمنين بالعروبة ومشروعها سيبقى كذلك وخاصة في هذه المرحلة الحساسة من عمر الأمة العربية .

 

اقرأ أيضا ...
هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
ملاحظة : جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا علاقة لموقع دام برس الإخباري بمحتواها
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *
*
   
دام برس : http://sia.gov.sy/
دام برس : https://www.facebook.com/Syrian.Ministry.Culture/

فيديو دام برس

الأرشيف
Copyright © dampress.net - All rights reserved 2024
Powered by Ten-neT.biz