دام برس:
تثبت الجماعات المتطرفة في سورية  يوماً بعد الآخر وحشيتها وعنفها وعدم علاقتها بالدين الحنيف ولا بضوابطه وأحكامه، وأنها في سبيل تحقيق أجندتها السياسية المريضة لا تتورع في تنفيذ التفجيرات وإشعال الحرائق ومحاولة تفكيك مفاصل الدولة السورية،لذلك فإن إرادة الشعب السوري هزمت التكفيريين وأنصارهم من الإرهابيين والقوى الخارجية المساندة لهم من التنظيم العالمي للإرهاب وهذا ما أقلق تلك الجماعات وجعلها تتخبط وتحاول الإفلات من غضب الشعب والإيهام بأنها عن طريق العنف سوف تعيد عجلة التاريخ إلى الوراء بحيث تبسط سيطرتها وتحكمها بهذا البلد الغالي.
الإرهاب ونشاط التنظيمات المسلحة في سورية خلق بيئة مضطربة وغير آمنة, مليشيات وجماعات إرهابية مدججة بالسلاح تحمل عقليات مغلقة وعنيفة جميعها أطراف مرتبطة مع بعضها البعض تمارس القتل والإختطاف والإبتزاز ضد الدولة والشعب, تدمر المعسكرات وتستولي على أسلحة الدولة لتسحق ما تبقى من البنى التحتية وتسويها بالأرض، فضلاً عن نسف النسيج والسلم الإجتماعي بجرثومة المذهب والتطرف.
ما تشهده سورية هذه الأيام من فتن ومشاكل تتفاقم يوماً بعد يوم، يجعلنا كأبناء محبين ومخلصين لهذا الوطن, أن نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً وقلقاً عليه, من خطر تداعيات هذه المشاكل والفتن على أمن وإستقرار ووحدة ومصير ومستقبل هذا الوطن، واليوم يجب ألا نقف على الحياد ونختار منطقة الإستقلالية في جغرافية التغيير, ونحن نرى وطننا العظيم أمام تداعيات الخطر، والذي تسعى إلى إحداثه أطراف فقدت هويتها الوطنية, من أجندات سياسية مختلفة تحاول إغتياله، فالذي يحدث من قتل وسفك دماء وإعتداءات على الأبرياء والممتلكات العامة والخاصة وتربّص بأمن ووحدة وإستقرار هذا الوطن, يعبّر عن هوية تتداعى بين فك القادمين من كهوف التاريخ, والأذيال التي تسير في ركاب العمالة والحنين إلى ماضي التخلّف والتشرذم, إذ ليس عيباً ولا خسارة أن نكون مختلفين سياسياً ومذهبياً أو فكراً وثقافة، فهذا الإختلاف هو نسق حياتي يمكن أن يدفع إلى النمو والتطور والتكامل, ولكن العيب هو أن نختلف في الوطن، فذلك يعني أن نخسر الوطن بكل منظوماته التاريخية والجغرافية والإجتماعية والسياسية.
وفي سياق متصل إن الجروح والأضرار التي ألحقت بالسوريين تثبت بأن أوضاعهم باتت أشبه بكارثية، وينبري من واقعهم تساؤلات عديدة لعل من أبرزها وأهمها، لماذا يُغتال الوطن وأبناؤه بهذه الطريقة الفجة وبالصورة الحزينة؟ إذ لم يعد يمر علينا يوم واحد دون أن تتوالى على مسامعنا وفي واقعنا حوادث وفواجع مؤلمة، إغتيال هذا الضابط أو ذاك الجندي أو ذلك المسئول أو ذلك المواطن، لذلك فإن إغتيالات الأمن والإستقرار والسكينة العامة للمواطن وللوطن من الأمور والفواجع التي تستهدف الوطن وأبناءه، ولابد هنا من أن نفيق جميعاً مما آل إليه واقعنا،  فما يطلق عليه اسم القاعدة صار كابوساً ووسيلة لجر الوطن وأبنائه إلى المجهول الذي وقعت فيه بعض الدول الشقيقة كالعراق واليمن، وكوارث ما يسمّى بداعش والنصرة وغيرها من الجماعات التي تتقمص الدين لتُلحق بالدول والشعوب الدمار والخراب لتحقيق مآربها وأهدافها.
في إطار ذلك يمكنني القول إن السفينة التي نبحر عليها جميعاً تتقاذفها موجات الخطر الداهم، ومن يظن أنه ناجٍ من مآلها فهو واهم،  فالغرق لن يستثني أحداً طالما وأنها سفينة وطن، وغرقها يعني غرق الوطن، ومن لا وطن له، فلا حياة له، فالإرهابيون يصولون ويجولون ليُلحقوا المزيد من الضرر بأمن وإستقرار الوطن ووجههم الآخر ينفذ الإغتيالات ويمارس أساليب إجرامية بشعة بحق المجتمع، وبالتالي فإن التعاطي مع شدائد الواقع بمسئولية وبحس وطني وإنساني وحتى أخلاقي يستوجب تداعي كل سوري إلى إخراج الوطن من هذا الوضع، وليكن مبدأ السمو فوق الجراحات ونبذ الأحقاد ودرء الفتن ووطي صفحات الماضي بجراحاتها التي ألحقت الضرر بالوطن وأبنائه، بإعتباره المدخل لتجسيد الوحدة الوطنية في مواجهة المخاطر المحيطة والماثلة في واقعنا.
وبالمقابل يعتقد البعض أن الإصطفاف الوطني فكرة مستحيلة، وهذا غير صحيح، هو فعلاً صعب، لأن أصحاب المصالح ومصاصي الشعوب هم أول المتضرّرين من أي إتفاق شعبي، والذين يسعون بكل قوتهم إلى إعاقة وتشويش وإفشال هذا الإصطفاف، الذي يجب أن نعرف أنه ومهما كانت صعوبته فهو هدف نبيل ويجب أن يكون هدفاً لكل المخلصين حتى يتحوّل إلى ثقافة تحمي المصالح العامة والثوابت الوطنية وتخرجها من دائرة الصراع، لذا فقد آن الأوان أن نوحد صفوفنا لإنقاذ هذا الوطن وحمايته من أيدي العابثين والمغامرين والمتربّصين بأمنه وإستقراره, من خلال التماسك والتشبّث بالهوية الوطنية، وترسيخها في قلوبنا وعقولنا وسلوكنا وتصرفاتنا، وذلك لن يتحقق إلا إذا شعر كل فرد منا بأهمية دوره في بناء هذا الوطن وتنميته والحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره, ويخرج كل منا من عباءته الفكرية والمذهبية ليحتمي بحمى الوطن.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن سورية العريقة لن تسلم نفسها لهذه القطعان الضالة وشعبها أقوى من كل المؤامرات والفتن والدسائس ولن تختطف من أي جهة وستكسر شوكة الإرهابيين وتظل صامدة قوية، لقد حان الوقت كسوريين أن نصدق في حياتنا ولو مرة واحدة لنستنهض واجباتنا الوطنية، لنجنّب الوطن شرور ومآلات الواقع ونعيد لسفينة نجاتنا توازناتها حتى تتجاوز أمواج البحر الهائجة بذلك نقودها بحكمة الشعب نحو شاطئ النجاة، لنبدأ من خلاله مشوار بناء سورية الحديثة التي تسع لكل السوريين.
Khaym1979@yahoo.com